“دمشق مع حبي”/ ابراهيم حاج عبدي
لم يكن الإعلام السوري الـرســـمي يـــحتـــاج إلا إلى تحطيم رقم قياسي، فأداؤه كان «بارعاً» خلال الأزمة وما قبلها، لذلك وجد أن ما ينقصها هو أن يسجل اسمه في موسوعة غينيس، لتكتمل بذلك اسطورة «رسالته الخالدة». تقول الأنباء أن قناة «تلاقي»، التابعة لهيئة التلفزة الرسمية، حطمت الرقم القياسي لأطول برنامج حواري يبث في شكل مباشر في العالم عبر برنامج «من سورية مع الحب».
هذا العنوان المحبب، يحيل، بالطبع، إلى فيلم سينمائي آسر بعنوان «دمشق مع حبي» للمخرج محمد عبد العزيز. ولكن شتان ما بين شريط سينمائي يروي قصة حب جمعت بين فتاة يهودية وشاب مسيحي عبر اشتغال على الذاكرة وسحر المكان في حارات دمشق، وبين برنامج لم يكن المهم فيه ما يقال وما يعرض، بمقدار ما كان الهدف تحقيق أطول زمن بث مباشر، حتى وإن مضى هذا الزمن الطويل في الثرثرة.
وإذا علمنا أن الرقم السابق، الذي حطّمته «تلاقي» السورية، يعود الى تلفزيون من النيبال، سندرك، عندئذ، مدى هامشية هذه اللعبة الماراثونية التي لا تنتمي، البتة، الى التقاليد الرصينة للإعلام، ومدى صدقيته وتأثيره، بل تتعلق بطرافة لا مكان لها في القاموس الإعلامي، فلو كان الأمر مهمًا لتصدت له فضائيات ذات رصيد كبير من الشهرة والتأثير مثل «سي إن إن» أو «بي بي سي»، وغيرهما.
الواقعة الإعلامية هذه تذكّرنا بوقائع مماثلة، ولكن في حقول أخرى من قبيل أكبر صحن تبولة أو أكبر قرص فلافل أو أطول رجل في العالم… وغيرها من الأرقام التي يتسلى بها «العاطلون من العمل»، ومهما اجتهد المرء فلن يجد رابطاً بين «التبولة» والإعلام، إلا إذا اعتبرنا أن هذا الأخير هو مجرد خلطة عشوائية «تفبرك» لأجل إرضاء شريحة معينة، كما هو حال الإعلام السوري.
وكان بعض المنتقدين لهذه المجازفة المجانية، محقين في القول إن تكلفة نحو سبعين ساعة من البث المباشر في بلد يحترق، كانت كافية لإطفاء نيران الفقر والنزوح والحرمان لبعض الأسر السورية. والمفارقة، هنا، مريرة لدى المقارنة بين بلد يفتقر إلى أبسط الخدمات الحياتية من الماء والكهرباء والوقود وسط ظروف معيشية صعبة، وبين هذا الترف «المضحك المبكي» الذي أظهرته «تلاقي». أما إذا كانت الحجة هي إظهار الوجه الحضاري لسورية، وأن الوضع ليس قاتماً كما تظهره الفضائيات، فتلك خدعة لن تنطلي على أحد، ولا يعقل أن يتمكّن «أطول برنامج في العالم» من أن يمحو أحزان وآلام أربع سنوات من القهر والقصف والقتل، فالأرقام القياسية تكمن ها هنا، لا في استوديوات قناة لعلها حقّقت رقماً قياسياً في مجال واحد، وهو غضّ النظر عن محنة السوريين والتفرّغ لتحقيق انتصار إعلامي وهمي، فيما الهزائم تلهو على امتداد الجغرافيا السورية.
الحياة