دوريس ليسينغ و’المفكرة الذهبية’: البحث عن سرد جديد والمرأة المعذبة/ إبراهيم درويش
في الجزء الأول من مذكراتها ‘تحت جلدي’ (1994) تساءلت دوريس ليسينغ (1919-2013) عن أهمية كتابة السيرة الذاتية، وماذا عسى للكاتب أن يقدم جديدا فيها، وهل سيكتب الحقيقة عن نفسه والأحداث التي مر بها ومرت عليه؟ وتقول إن الكاتب لسيرته الذاتية يجد نفسه موزعاً بين قول كل الحقيقة لحد الفضيحة التي لا يكون مسؤولا عنها بقدر الأشخاص الاخرين ممن يهمهم صناعة التاريخ، وبين السكوت على ما حدث.
ولاحظت أن دور النشر البريطانية (في بداية التسعينات من القرن الماضي) كانوا يفضلون نشر السير الذاتية أكثر من الروايات، لأن السير تباع أما الروايات فهي والحظ. وككاتبة تتساءل عن معنى كتابة السيرة في مرحلة معينة من حياة الكاتب، فالسيرة لو كتبت وهي في سن الثلاثين لكان لها طعم وصورة مختلفة ‘ذات طابع عدواني- متحد’ وهذه طبيعة الحياة، ولو كتبتها في سن الاربعينات لحملت معنى من بداية المراجعة لاحداث مضت ولبرزت فيها حالة من الندم او الأسف على اتخاذ قرارات معينة، وفي الخمسينات سيكون الوضع مختلفا، فالحياة تتبدل والنظام في جسم الإنسان يتغير، فماذا عن كاتبة تكتب وهي في سن الثامنة من عمرها؟ ما يميز الجزء الأول من سيرة ليسينغ هي حديثها عن الجذور الأولى لعائلتها وعلاقتها المضطربة مع والدتها والتي أخذت الكثير من التحليل والبحث من قبل نقاد والباحثين في حياتها. وفي تحليل ليسينغ لما حدث ترى أن هناك سوء فهم، فما جرى في حياتها جرى، وفي مرحلة من العمر بدأت تنظر لأمها كشخص يعيش تراجيدته ومأساته ولكن بنوع من الكرامة، ربما كانت شفقة حيث اختفت وتلاشت مشاعر العداء التي تركزت في وعيها وحملتها معها. وما نراه في هذا السياق هو أن ليسينغ خزنت في وعيها الكثير من الأحداث المؤلمة النابعة من طريقة التربية القاسية والضرب وهو ما ولد لديها كوابيس وأحلاما، ومن هنا جاءت روايتها ‘ذكريات عن البقاء’(1975) والتي أقامتها على كوابيس وأحلام. وقالت إنها حاولت تسجيل أحلامها، وهو ما حاوله من قبلها غراهام غرين، كوسيلة لكتابة سيرة مختلفة وتقوم على الأحلام. وتتركز أحلام الفتاة الصغيرة على أيامها الأولى في إيران حيث ولدت في كرمنشاه، التي كانت مركزا للمواجهات بين القوات الإيرانية والعراقية في الحرب الطويلة بينهما، ففي هذه البلدة كان والدها يعمل مسؤولا في مصرف، وعاشت أمها أجمل أيام حياتها كما تحدثت لاحقاً عندما انتقلت العائلة إلى ما كان يعرف بروديسيا (زيمبابوي)، فكرمنشاه كانت ‘جنة’ للأم وجحيما للبنت الصغيرة حيث ولدت وغادرت المدينة عندما كانت في سنتها الثانية، وكل ما تتذكره هو ضرب والدها لها. ولا بد من الإشارت هنا إلى أن البيئة العائلية أثرت على حياة الطفلة، وطريقة الضبط التي تقول إنها تأثرت في ذلك الزمن بتعاليم العالم النيوزيلندي فردريك ترابي الذي كان يرى أهمية الإرضاع والتغذية للاطفال خاصة في الشهور الأولى من ولادتهم على صحتهم ونموهم، كما جاء في كتابه الشهير ‘الرضاعة والعنابة بالأطفال’.
الحرب في كل مكان
هذا من جانب، ومن ناحية أخرى تركت الحرب أثرها على ليسينغ، فهي حاضرة في والدها الذي فقد رجله فيها، وهي حاضرة في كل مكان في أوروبا، وتشير إلى رحلاتها في جنوب فرنسا التي تقول إن مدنها الصغيرة بدأت كقلاع حربية، وتسجل أن ولادتها في 22 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1919 جاءت بعد نهاية الحرب الت حولت نصف أوروبا إلى مقبرة، وفي العام الذي مات فيه الملايين في أوروبا وحول العالم من ‘وباء الإنفلونزا الإسبانية’. وتشير هنا إلى أن تقدمها في العمر لم ينسها الحرب او يجعلها أقل أهمية بل بالعكس ظلت حاضرة، ففي كل قرية ومدينة أوروبية هناك نصب تذكارية تخلد أسماء من ماتوا في الحرب ودفعوا شبابهم فيها،حيث مات كل الأصحاء والشباب فيها، ومن بقي منهم حمل جراحها حيث كان والدها أحدهم. فظل الحرب بقي معلقاً فوق حياتها مثل ‘غمامة رمادية، او غاز سام’ ولم تتخلص منه أبداً. مع أنها كانت قادرة على التخلص من الحزب الشيوعي وتجاوز نشاطاتها فيه، وترى أنه بدون جرأة وجنون بعض الذكور والإناث- الشباب طبعاً- لم يكن ليوجد حزب شيوعي في روديسيا، لكن المشكلة أن هؤلاء عادة ما يطويهم النسيان ويخرجون من الذاكرة، وفي العادة ما يتم إخراج المرأة من الذاكرة أولاً ومن ثم التاريخ. وبالمحصلة فقد شكلت الطفولة بما فيها من ذكريات قاسية والحرب والنشاط السياسي، وكفاح المرأة من اجل حقوقها أهم الموضوعات التي تعاملت معها دوريس في روايتها وقصصها التي تجاوزت الخمسين عملاً وبدأت بروايتها الأولى ‘العشب يغني’ (1949) وأتبعتها بسلسلة ‘اطفال العنف’. جاءت روايتها التأسيسية ‘المفكرة الذهبية’ (1962) والتي حظيت باهتمام وتحليل منقطع النظير واعتبرها الكثيرون بمثابة ‘انجيل الحركة النسوية’ او المرأة المتحررة.
أربع مفكرات أربعة الوان
والكتاب هو مجموعة من المفكرات التي تعرفها بطلة الرواية وساردتها بالألوان، الأسود والأحمر والأصفر والأزرق ومن مجموعها تحاول آنا وولف انتاج مفكرة بلون ذهبي، فالسوداء هو لون المفكرة التي تتحدث فيها آنا عن طفولتها وزواجها وابنتها جانيت اثناء وجودها ‘في روديسيا’، والحمراء، سياسية الطابع، وفيها تعري الحزب الشيوعي وتكشف نفاقه وعجزه، وفي الصفراء روايتها التي تحاول كتابتها، أما الزرقاء ففيها تسجل يومياتها وأحلامها وعواطفها، ومن بين المفكرات التي تسجل تكتبها تعتقد آنا أن هذه الأخيرة هي الأصدق والأٌقرب لنفسها. وتعود الكاتبة في سياق الرواية لكل مفكرة مرتين حيث يقطع بين كل مفكرة وأخرى فصل عن المرأة المتحررة.
ليس عن الأنثوية
رفضت ليسينغ التوصيفات التي جعلت من روايتها هذه تعبيراً عن الحركة وحركات تحرر المرأة، ورفضت كذلك التوصيفات التي رأت فيها صورة عن حياتها، لكن القاريء للرواية يعثر فيها على ملامح متقاربة، فكون آنا كاتبة، او تنتمي للفن الأدبي، ونقدها للشيوعية وامرأة متمردة وتعاني من جفاف في الكتابة، كل هذا جعل نقاداً يتحدثون عن علاقة بين الرواية وكاتبتها، لكن الرواية جاءت في سياقها الستيني والتحولات التي حدثت على وضعية المرأة، فقد كانت ليسينغ واعية بتطورات الوعي البريطاني تجاه المرأة، ولم تعد هذه تعامل كمواطنة من الدرجة الثانية. وكما كانت تعي بالتفكك الذي تعيش فيه البطلة، ومعاناتها من أزمة هوية، فالمجتمع لم يكن كما عرفه رايموند ويليامز باعتباره ‘نظام حياة لجماعة’ فنحن حيال أكثر من مجتمع. وكان ويليامز قد حاول عام 1961 إحياء الواقعية في الرواية ‘الثورة الطويلة’ لكنه لم ينجح على ما يبدو، فالرواية كانت بحاجة إلى لغة وسرد جديد. ومن هنا يمكن قراءة رواية ‘المفكرة الذهبية’ باعتبارها تعبيراً عن التفكك في حياة المجتمع ومحاولة للاندماج والتكامل. فعندما يسأل تومي وهو أحد ابطال الرواية آنا عن السبب الذي يدعوها الإحتفاظ بخمس مفكرات متفرقة، وكان بامكانها الجمع بينهما في مفكرة واحدة كبيرة الحجم يمكن تقسيمها إلى أقسام أجابت آنا ان هذا سيؤدي إلى ‘فوضى’. ويمكن التعامل مع رواية ‘المفكرة الذهبية’ على أنها نقد للواقعية الإشتراكية التي دعت إليها الشيوعية فآنا عندما انتمت للشيوعية كانت تبحث عن تحقيق الكمال في داخلها، لتكتشف لاحقاً العجز والنفاق والإلتزام بخط الحزب وعدم الخروج على سياسته، ومن هنا نجد نقداً لاذعاً ومراً للحزب والأيديولوجية التي يمثلها. وعبرت ليسينغ عن عنف الحزب من خلال وصفها لعملية إطلاق النار على الحمام ووصفها طريقة قتله. في الوقت نفسه، فالواقعية في الرواية التي سادت الرواية الغربية لم تعد تصلح للمجتمع المعقد في الستينات، لان المجتمع لم يعد متجانساً، وواقعية الرواية تعني نقل الواقع كما هو، أي القبول بتصنيفاته وتراتبيته الاجتماعية بدون ان يكون للكاتب او البطل في عمله فرصه للنقد، وفي الوقت نفسه لم تكن الرواية الواقعية قادرة على موضعة المرأة في المجتمع. ولهذا تبدو فكرة رفض الشيوعية والواقعية رفضا للكمال الذي كانت تبحث عنه آنا من خلال ‘التفكك’ وهي السمة التي اتخذتها المفكرة- المفكرات. وهو صورة عن بحث البطلة أو أبطال الرواية عن الهوية التي تناسبهم في مجتمع بات عصياً على هوية واحدة. وكان لكل خيار ثمنه، فالمرأة المتحررة التي تتحدث عنها الرواية لم تعد متحررة بعد كل هذا، فهي في نظر الذين يؤمنون بالزواج ومؤسسته أصبحت تعني العاملة والأم الوحيدة او تلك التي تقيم علاقات حرة مع الرجال. ومن هنا نلاحظ ان التفكك وإن حدث على عدة مستويات لكنه كان أوضح في الجانب الشعوري والعاطفي، فلم تتأثر حياة آنا عندما تركت الحزب وانتقدته قدر تأثرها بنهاية علاقة عاطفية عمرها 5 أعوام مع مايكل، وعليه كانت آنا ترى في المفكرة الزرقاء أقرب لنفسيتها لأنها تعبر عن نفسيتها وما تمر به من أزمة.
لغة جديدة
على مستوى آخر يمكن فهم الرواية على أنها محاولة في بناء اللغة وتجاوز المقولات القديمة في الراوية، بناء لغة اتصالية جديدة تعبر عن الواقع، وتعلن بالضرورة وفاة الكاتب تطبيقا لمقولة رولان بارت عن موت الكاتب. وقد عبرت ليسينغ عن هذا المعنى عندما قالت في المقدمة انه عندما نعرف نية وطبيعة الكتاب فلا معنى إذاً للكتابة وعلينا والحالة هذه البحث عن موضوع جديد. لكن الأهم في هذا السياق هو أن الكاتبة كانت تبحث عن عمل جديد ولغة جديدة، حيث لاحظت نقصاً في المكتبة الروائية الإنكليزية لأعمال تعبر حقيقة عن المجتمع البريطاني مثلما فعل تولستوي في الأدب الروسي او ستندال في الأدب الفرنسي. أعتقد أن هذا العرض كاف للرواية التي نوقشت في دوائر الأدب الانكليزي في جامعات العالم، باعتبارها رواية تأسيسية في رحلة الكاتبة وتطور الرواية الإنكليزية في القرن العشرين. وفيما يلي نقدم شيئا عن حياة الكاتبة بشيء من التفصيل. وكما أشرنا فقد كانت كاتبة مكثرة وتصدر في العام كتاباً خلال رحلة امتدت ستين عاماً وكان آخر كتبها ‘ألفريد وإميلي’ (2008)، وشمل إنتاجها الأدبي معظم الأنواع الأدبية من الشعر والمسرح والمقالة والرحلة والتصوف. فقد بدأت حياتها شيوعية وداعية لتحرر المرأة ومرت بمرحلة من الإلحاد وانتهت متصوفة. ويجمع النقاد على أن ليسينغ لو لم تكتب شيئا سوى ‘المفكرة الذهبية’ لكفاها كي تدخل ‘سجل المجد الأدبي’ (القانون) الإنكليزي.
أعمال أخرى
وكما أشرنا في البداية لم تكن ليسينغ بقادرة على استيعاب الاهتمام بالرواية حيث قالت عام 1987 إنها كتبت ما كان يدور بين الناس في أحاديثهم الخاصة ووضعته أمام القارىء العام. في عام 1950 نشرت رواية ‘العشب يغني’ التي أثارت جدلاً من ناحية العلاقة التي أقامتها بطلة الرواية التي ملت الحياة مع زوجها في جنوب روديسيا ودفعتها الوحدة لإقامة علاقة قادتها لنهاية مميتة، مع الخادم الأسود في البيت. وحظيت الرواية باهتمام شعبي حيث طبعت سبع مرات في خلال خمسة أشهر من صدورها، أما أطفال العنف فهي سلسلة كتبتها في الفترة ما بين 1952- 1969 تتابع حياة مارثا كويست من الطفولة والمراهقة للزاوج والطلاق والانتماء للحزب الشيوعي ثم القيامة- الحرب العالمية الثالثة. وكما في المفكرة الذهبية فقد نفت الكاتبة أية شبه بين السلسلة وحياتها الخاصة لكن حياة مارثا تتقارب مع تجربة ليسينغ. وقد قالت الأخيرة أكثر من مرة أن الكتابة عن الذات هو كتابة عن الآخرين لاننا نتشارك في الأحلام والعواطف والآمال والمشاكل. في رواية ‘المدينة ذات الأسوار الاربعة’ ( 1969) وهي الجزء الأخير من ‘أطفال العنف’ انتقلت الكاتبة نهائيا من عالم الرواية الواقعية للفتنازيا،حيث ادخلت التحادث عن بعد ‘التيليباثي’ والجنون والروحانية في مركز سردها الروائي، وفي نفس الوقت كانت تحاول اكتشاف قصص الخيال العلمي. وكانت هذه بداية للدخول في عالم الأنسان واحلامه كما في رواية ‘مذكرات عن البقاء’ (1975) وقبلها ‘وصف للهبوط الى الجحيم’ (1971)، ولم يعجب هذا التحول الكثير من قرائها حيث تمنوا لو حافظت على أسلوبها القديم، فيما تابعها آخرون وانتظروا روايتها الرائعة. في عام 1985 عادت ليسينغ للواقعية في روايتها ‘الإرهابي الجيد’ والتي استلهمت فيها حادث تفجير متجر هارودز عام (1983)، وفي رواية ‘الإبن الخامس′ (1988) عادت للحياة العائلية. وبالإضافة للرواية كتبت القصة القصيرة التي ظلت وفية لها ولتقاليدها مع أن نجاحها في الرواية قد طغى على تجربتها القصصية التي اصدرت فيها مجموعات عدة وقالت مرة إن بعضا من أصدقائها الكتاب توقفوا عن كتابة القصة القصيرة ‘لانه لا سوق لها، والبعض المدمن مثلي يواصلون، وأعتقد سيواصلون حتى لو لم يتوفر لها أي مكان إلا جارور المكتب الخاص’ ومن مجموعاتها المهمة ‘عادة الحب’ (1957) و ‘الغرفة 19′ (1978).
كرمنشاه- سالزبوري- لندن
ولدت دوريس مي تايلور في 22 تشرين الأول (أكتوبر) 1919 في كرمنشاه الإيرانية، لأبوين بريطانيين، وكان والدها الكابتن ألفريد كوك تايلور محاربا في الحرب العالمية الأولى وتزوج من إيميلي ماكفي. وفي منتصف العشرينات من القرن الماضي قرر والديها الإنتقال إلى روديسيا الجنوبية حيث حصلا على قطعة أرض مساحتها 3 ألاف إكر، وعاشا حياة هادئة ولكنها فاشلة اقتصادياً، وقد تحدثت ليسينغ عن الطبيعة الجميلة وعندما كبرت شعرت بالكآبة والوحدة. ومن أجل مضايقة أمها قررت ترك المدرسة في عمر الرابعة عشرة، وظلت سعيدة بهذا القرار وبأنها لم تكمل تعليمها حتى أخر حياتها. واعترفت ليسينغ بأنها كانت بنتا مشاغبة ومثيرة للمتاعب لوالديها وفي نهاية حياتها قالت إنها كانت الفتاة التي ‘جرفت طريقها من خلال الصلاح’ او التقوى. وفي عمر الـ22 تركت مزرعة والدها لتعيش في بلدة سالزبوري حيث عملت كعاملة هواتف وفي مكتب. وفي عام 1939 تزوجت من فرانك تشارلس ويزدم، واستمرت الزواج مدة 5 أعوام، وانجبت منه والداً وبنتاً، وبعد عام من الطلاق تزوجت من غوتفرايد أنطون نيكولاس ليسينغ الذي حملت إسمه حتى نهاية حياتها ولم يستمر الزواج سوى خمسة أعوام ايضاً وأنجبت منه ولداً اسمه بيتر. ولم تكن دوريس ليسينغ متحمسة لمؤسسة الزواج فيما بعد حيث ‘لا أعتقد أن الزواج هو أحد مواهبي، وكنت أكثر سعادة بدون زواج’. في الأربعينات من القرن الماضي كانت دوريس ناشطة في حركة شيوعية اسمها ‘ الجماعة الشيوعية’، وفي فترة لاحقة سترى في النشاط الشبابي على أنه طريقة للتواصل الاجتماعي. في عام 1949 قررت السفر لانكلترا، وكانت تحمل بيتر على يدها وفي حقيبة يدها 20 جنيهاً ونسخة من روايتها ‘العشب يغني’ في حقيبة السفر. وفي اثناء انتظارها كي تقبل دار نشر باصدارها عاشت حياة فقيرة وصعبة في لندن. وأنتجت رواية عن هذه الفترة ‘في البحث عن الأنكليزي’، ومع ذلك فلندن التي عاشتها في الخمسينات ستصبح محل إقامتها حتى وفاتها وستصفها بأنها ‘مكان محبوب للعيش فيه’. وبعد وصولها لبريطانيا انضمت للحزب الشيوعي البريطاني الذي ستصفه لاحقاً بالمجنون، ومنعت من زيارة روديسيا وجنوب أفريقيا نظراً لمواقفها المعارضة للتمييز العنصري حيث لم يرفع الحظر إلا بعد 30 عاماً. في الستينات من القرن الماضي بدأت بالابتعاد عن السياسة والإقتراب أكثر من التحليل النفسي، والتليباثي والأحلام والتأمل وبدأت تختار وتنتقي تعاليم جديدة خاصة الصوفية الإسلامية في الوقت الذي انتقدت الإسلام والذي وصفته بانه واحد من هذه الأديان اللعينة. ولم يمنعها هذا من السفر إلى أفغانستان عام 1986 ودعم المجاهدين وجمع التبرعات لهم، وفي الوقت نفسه عبرت عن احتجاجها على معاملة المرأة المسلمة. ويرى النقاد أن قدرة ليسينغ تكمن في توثيق ‘ التجارب الداخلية للمرأة البائسة’، وظلت تكتب حتى سن التسعين، ونشرت سيرتها الذاتية في جزأين ‘تحت جلدي’ (1994) و’المشي في الظل’ (1997). في عام 2000 كرمتها الملكة بوسام، وعام 2007 منحت جائزة نوبل للأداب حيث كرست معظم خطابها أمام اللجنة للهجوم على الإنترنت والحنين لزمن القراءة.
القدس العربي