دور المثقف السوري في اللحظة الراهنة
معتز حيسو
يتحدد دور المثقف السوري ( الشباب بشكل خاص) في لحظة المد الثوري الشعبي، انطلاقاً من موقعه الاجتماعي والطبقي.ومن الملاحظ بأن الشباب السوري في اللحظة الراهنة، يرى بأنه معنيٌ بالنهوض بحركة التغيير، وليس هذا وحسب، بل يرى بأنه معنيٌ بقيادة حركة التغيير وتحديد آلياتها وأهدافها. إذاً فإن تجليات الوقائع توضّح بأن الشباب هم من يتبوأ ناصية مهمات التغيير، ويرفضون في نشاطهم الميداني أي دور وصائي من قبل القوى السياسية الراهنة. ونرجح بأن الشباب في مرحلة النهوض الثوري الذي نشهد تجلياتها لا ينتمون إلى أي إطار أو تشكيل سياسي وليسوا ملحقين بأيٍ من القيادات السياسية المعارضة.ومن المرجح بأن دور القوى السياسية في المرحلة الراهنة لا يتعدى حدود أو عتبة اللحاق بحركة الشباب الميدانية.وقد حذرنا سابقاً بناءً على جملة من المعطيات التي كانت تؤكد اقتراب انفجار المجتمع السورية نتيجة تفاقم عوامل الأزمة العامة، بأن الحراك الشعبي سيتجاوز القوى السياسية في حال لم تبادر هذه القوى لتغيير شكل وآليات ومحتوى أدائها وأهدافها.وهذا ما يحصل الآن،إذ أن حركة النهوض الشبابي/الشعبي يتجاوز كافة القوى السياسية،وليس هذا فقط،بل أن الشباب في سياق تنامي وتسارع نشاطهم الميداني،يستقلون عن القوى السياسية الهرمة،التي فقدت التواصل مع المجتمع،ولم تستطع إنجاز دورها التغييري،…لذا يجب أن ننوه بأن الشباب الذي يتملك قوة التغيير، ويتملك أدواته العلمية والمعرفية والتقنية،وتحديداً وسائل الاتصال والتواصل التي تساهم بشكل فاعل في التنسيق والتحشيد لتوسيع نطاق حركته،سيكون قادراً على إحراز تقدم واضح في سياق التغيير السياسي والاجتماعي.لكن تسارع وتيرة الحركة الشبابية ذات الطابع الشعبي،يجب أن لا تعمينا عن إمكانية وضرورة وأهمية نهوض(القوى السياسي المعارضة) لتمارس دورها السياسي والاجتماعي الذي من أجله تأسست، وإلا فإن التاريخ سيحكم عليها بالموت البيولوجي، أي ستزول من التاريخ والجغرافية.لكن الواقع المترهل للقوى السياسية يجب أن لا يكون سبباً في عدم استفادة الشباب من بعض رموز الفكر والثقافة والسياسة التي لم تزل ترفض التعصب الأيديولوجي وتحافظ على حيويتها الفكرية النقدية السباقة لحركة الواقع المتغير والمتبدل بشكل لحظي.
إن متابعة الشباب لسياق حركة التغيير الثوري في كل من مصر وتونس… ينعكس بشكل واضح على سياق وشكل الحركة الميدانية في الشارع السوري، وليس هذا فقط، بل أن المد الثوري العربي يساهم في تمكين الشباب من قراءة الواقع السياسي والاجتماعي السوري وتحديد المهمات المرحلية والإستراتيجية على قاعدة النشاط الميداني السلمي،مستفيداً بذلك من التجارب الثورية العربية وتحديداً الليبية التي كان تحولها للشكل العسكري انعكاسات كارثية على المجتمع بشكل كامل،حتى لو كانت مسؤولية هذا التحول يتحملها بشكل كامل نظام القذافي،ويجب أن نذكر بأن الدول المسيطرة تقايض حتى الآن مصالحها النفطية خارج حدودها القومية بدم الإنسان العربي،وكان هذا واضحاً على أقل تقدير في ليبيا.لهذا وغيره يجب على الشباب السوري عدم التخلي عن الشكل السلمي للتظاهرات الشعبية في سياق تطورها وتحولها المحتمل،والاعتماد على إمكاناته الذاتية فقط. إضافة لذلك فقد بات واضحاً بأن الشباب السوري الناهض بمهمات التغيير يستنبط دروساً مهمة من الثورات العربية التي لم تنتهي حتى اللحظة. ويتوضح هذا من خلال استنباط الأشكال المتعددة والمختلفة لآليات العمل التي تتناسب مع الواقع الذاتي والشرط الموضوعي للواقع والمجتمع السوري،إضافة لذلك فإن الشباب السوري يتمتع بالقدرة على صياغة وابتكار آليات العمل الميداني والتنسيق والربط،وهذا كله يمكّنه من تحقيق التغيير الوطني الديمقراطي السلمي، ومن المؤكد بأن التكتلات الشبابية استفادت وتستفيد من الآليات والأشكال التي ابتكرها المواطن العربي في سياق التحولات الثورية العربية،وتحديداً على مستوى تشكيل اللجان المتخصصة لمتابعة وتطوير آليات عملها الميداني،لكن من الملاحظ حتى اللحظة غياب اللجان الإعلامية،ويجب أن نذكر بأهمية إيجاد آليات يمكن من خلالها نشر ثقافة الأمان الاجتماعي للمحافظة على التعايش السلمي بين كافة مكونات الشعب السوري.ومن جانب آخر نتساءل عن إمكانية الشباب في تشكيل لجان حوار وتنسيق تحمل وتنقل ما يفكر به الشباب،وتكون بذات الوقت المعبّر الوحيد عنهم في سياق تواصلهم مع الفعاليات الاجتماعية و السياسية الرسمية وغير الرسمية.
إضافة لما سبق نؤكد بأنه يقع على عاتق المثقف السوري الملتزم بقضايا شعبه ووطنه مهمات كثيرة أولها:التأكيد على ضرورة إطلاق الحريات السياسية والإعلامية،رفع قانون الطوارئ،والالتزام بالتغيير الوطني الديمقراطي السلمي بكافة أبعاده ومستوياته…،التأكيد على ضرورة الحفاظ على السلم الأهلي وتدعيم ثقافة السلم والأمان الاجتماعي،تعزيز ثقافة المواطنة،نشر الثقافة الديمقراطية الوطنية ورفض التدخل الخارجي أياً كانت أسبابه،والتأكيد على ضرورة التعايش السلمي القائم على التعدد والتنوع،ورفض ومقاومة العنف أياً كانت أسبابه وأشكاله حفاظاً على المجتمع السوري من الدخول في دوامة الفتن وتحديداً الطائفية،التي يبدوا بأن لدى بعض الأطراف النافذة مصلحة في إدخال المجتمع السوري في نفقها. التأكيد على أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به الثقافة الديمقراطية العلمانية التنويرية في مواجهة الفكر الظلامي والحركات الدينية المتطرفة. يجب التأكيد في سياق التغيير الوطني الديمقراطي السلمي،على ضرورة التمسك بوحدة الشعب والوطن.
إن ما ذكرناه يشكل فقط بعض القضايا التي يجب على المثقف السوري أن يساهم فيها لضمان الاستقرار الاجتماعي في سياق حركة التغيير الشعبي التي يحمل لواءها الشباب،وللتأكيد فإن هذه المهمات تتقاطع مع الدور الذي يجب أن تقوم به القوى السياسية الوطنية والجمعيات المدنية والأهلية.