دولة القانون’ في سوريا/ حمد كريشان
في الوقت الذي تستمر فيه مأساة حلب اليومية مع البراميل المتفجرة التي يصفها كل الخبراء بجرائم حرب حقيقية، لم تجد قناة تلفزيونية سورية خاصة من سؤال وجيه تطرحه على مشاهديها سوى السؤال التالي: ‘ بعد مجزرة عدرا العمالية على يد مرتزقة بني سعود التكفيريين بحق المدنيين الآمنين، هل توافق على رفع دعوى قضائية باسم الشعب السوري لمحكمة الجنايات الدولية بحق كل داعمي الإرهاب وفي مقدمتهم أمراء السعودية وقطر وأردوغان تركيا؟’. وقالت المذيعة ‘إن نتيجة الاستفتاء أتت بنسبة 100′ ( دائما هذا الرقم؟!) مؤيدة لإحالة هذا الملف لمحكمة الجنايات كما تؤيّد المحاكمة في الداخل السوري قبل أن تذهب إلى المحاكم الدولية’. لم تكتف القناة بهذا الإستفتاء ونتائجه المبهرة بل استضافت وزير العدل السوري ( نعم العدل!!) فقال إنه ‘لا بد من ملاحقة الإرهاب وداعميه في ظل الهجمة التي تتعرض لها سوريا’، مشددا على أن ‘الوسائل القانونية تعتبر إحدى أدوات الحرب التي نستخدمها في مواجهة الإرهاب الذي يطال سوريا’.
لا فائدة من مناقشة رغبة دمشق في محاربة ‘الإرهابيين’ ومن يقف وراءهم، ولا معنى كذلك من لوم هذا التلفزيون على نسبة الــ 100′ في منظومة تربت على عشق هذه النسبة، ولكن من المهم التوقف عند هذه ‘المقاربة الحقوقية’ المفاجئة من ‘دولة قانون ومؤسسات’ كتلك القائمة في سوريا. لا إشكال إذن، والحال هذه، أن نطلب من وزير العدل أن يضم الملف السوري المفترض رفعه إلى الهيئات الدولية رد دمشق الموثق القادر على نسف إعلان الأمم المتحدة مطلع هذا الشهر ولأول مرة، على لسان مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان نافي بيلاي من أن ‘كميات هائلة من الأدلة حول جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تشير إلى مسؤولية على أعلى مستويات الحكومة بما يشمل رئيس الدولة’ نفسه بشار الأسد. كما يفترض أن تشرح دمشق كذلك لماذا لم تسمح بدخول لجنة التحقيق المكلفة بهذا الملف إلى أراضيها لأن ذلك كان بإمكانه أن يجعل هذه اللجنة تقف بنفسها على وحشية المعارضين للنظام وبراءة هذا الأخير، مما كان سيريح النظام من أي متاعب لوجستية أو أعباء مالية تتعلق بملاحقة ‘الإرهابيين’ في محاكم دولية!!
كان بإمكان دمشق أيضا الإستفادة كثيرا من تقرير صدر مؤخرا عن ‘منظمة العفو الدولية’ وفيه أن ممارسات التعذيب والجلد والقتل دون محاكمة تنتشر في السجون السرية التي تديرها ‘الدولة الإسلامية في العراق والشام’، إحدى الجماعات المسلحة التي تسيطر على مناطق واسعة من شمال سورية. لكن المشكلة هنا أن النظام لا يستطيع أن يعتمد هذه المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان مصدرا ذا مصداقية في الدعاوى التي يقول إنه يعتزم رفعها دون أن يتورط في ما قالته هذه المنظمة نفسها عن ممارسات النظام ضد شعبه طوال الثلاث سنوات الماضية، وهي أكثر و أسوأ بكثير مما تورطت فيه بعض جماعات المعارضة المسلحة.
كان بإمكان دمشق كذلك الاستناد إلى منظمة ‘هيومن رايتس واتش’ التي دعت في آخر تقاريرها إلى إحالة الوضع في سوريا برمته إلى المحكمة الجنائية الدولية. ومن شأن الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية، كما تقول المنظمة ‘أن تكون خطوة أولى حاسمة نحو تحقيق العدالة لضحايا الفظائع التي ترتكبها جميع الأطراف في النزاع المسلح في سوريا، وتوجه رسالة قوية بأنه لن يتم التسامح مع الجرائم الخطيرة’. وتقول هذه المنظمة أنها وثقت على مدى عامين ونصف انتهاكات على نطاق واسع من قبل القوات النظامية والموالية لها، كما وثقت أيضا القصف العشوائي وعمليات الإعدام والاختطاف من قبل قوى المعارضة خلال العمليات البرية. هنا ما الذي يمنع نظام الأسد من تأييد هذا المسعى من هذه المنظمة طالما يتشبث بخلو ممارساته من أي شائبة مقابل معارضة مجرمة و إرهابية، كما يقول؟!
كان من الأفضل لدمشق أن تواصل حالة الإنكار أو التجاهل، أو حتى لغة العجرفة و التحدي، لأن اللغة القانونية ولعب دور من سيلجأ إلى المحافل الدولية لغة لا تليق بها ببساطة، ناهيك عن أن تحظى بأي مصداقية.
القدس العربي