دويلات سورية بعد «سورية الأسد» ؟
مايكل آيزنشتات *
سقوط النظام السوري لن يختم الحرب الأهلية السورية، بل ينذر ببدء فصل جديد من فصولها هو الأخطر. ولن يطول الأمر قبل سقوط النظام، إثر نجاح عمليات المعارضة العسكرية على مشارف دمشق وفي حلب ودير الزور. والحال أن انزلاق سورية إلى الفوضى مرجح لكنها قد تفلت من مثل هذا المصير القاتم. وتحدد كيفية إفلات نظام الأسد مقاليد السلطة، معالمَ المرحلة الانتقالية. فإذا بقيت القوات الحكومية متماسكة وتواصلت عملية طردها من قرية تلو الأخرى ومن مدينة تلو الأخرى، كسبت المعارضة الوقت لإرساء مؤسسات «أولية» في المناطق المحررة. وقسم كبير من سورية خرج على سيطرة الحكومة، وتديره اليوم لجان محلية. وإذا واصل النظام القتال في دمشق وألحق الدمار فيها أو انسحب إلى مراكز نفوذه العلوية التقليدية في الشمال الغربي، لن تبصر النور حكومة مركزية جديدة قبل أعوام. انهيار قوات النظام انهياراً مفاجئاً فقد يؤدي إلى استشراء الفوضى جراء نزاع بين القوات المتنافسة على ملء فراغ السلطة.
ثمة أسئلة كثيرة لن تجد جوابها إلا بعد سقوط الأسد. فهل تسارع المعارضة إلى «تطهير» الحكومة ومؤسساتها من الموظفين الأسديين وهل تدمر مراكز الحكومة وتنهبها على ما حصل في العراق، وهل تنزلق المعارضة إلى نزاع مسلح؟ من المستبعد أن تبرز حكومة مركزية قوية من رحم الحرب الأهلية. فقوات المعارضة مفككة وغير موحدة الصفوف، وهي محلية لا يربطها تنسيق وثيق بالمعارضة الخارجية. وستواجه الحكومة الطرية العود صعوبات كبيرة في بسط هيبتها والسيطرة على الزعماء المحليين الذين حاربوا النظام ووفروا الخدمات للمناطق المحررة. وقد لا يستسيغ هؤلاء الزعماء التنازل عن سلطتهم للحكومة المركزية البعيدة، ويبادرون إلى إبرام تحالفات مع غيرهم من القادة الميدانيين المحليين أو القوات الخارجية، على ما حصل في الحرب الأهلية اللبنانية وما بعدها.
وبروز الدولة العلوية يحاكي دينامية بروز الدويلات الأخرى السورية التي تقدم وصفها. وقد يكون مثل هذه الدولة تابعاً لقيادة الأسد أو خليفته أو مجلس عسكري. وقد تجلو الدولة هذه على صورة فيديرالية أمراء حرب معظمهم عسكريون سابقون أو قادة أمنيون يبسطون هيمنتهم على منطقة معينة وينظمون بنية حكمهم بحسب الروابط القبلية والمناطقية – الإقليمية والسياسية. وقد تكتب الحياة لمثل هذه الدويلة، إذا لم تنفجر النزاعات العلوية الداخلية والنزاعات في المناطق الساحلية المختلطة. وقد تسيطر الدويلة هذه على أنقاض الجيش السوري والمطار الدولي والمرفأ في اللاذقية ومرفأ طرطوس، وتجبي الضرائب على السلع الواردة إلى الداخل السوري والعراق والأردن. يرجّح أن يتزامن سقوط النظام وبروز دويلة علوية مع جولة جديدة من المجازر والإبادة العرقية. وإذا ساد حكم أمراء الحرب في المناطق الأخرى السورية، يستبعد أن ترص المعارضة السنية صفوفها لشن حملة عسكرية على المناطق العلوية الجبلية.
الانزلاق إلى حكم أمراء الحرب يمنح «اللاعبين» الخارجيين، خصوصاً إيران و «حزب الله»، بريق أمل. ويسع طهران والمنظمة التابعة لها إبرام أحلاف مع نخبة القادة الأمنيين العلويين السابقين. ويسعهما كذلك التحالف مع أمراء حرب أكراد ودروز وسنة عرب، على ما كان ديدن طهران في العراق و «غزة». وقد تدعم إيران مجموعات «سلفية – جهادية» لفتح جبهة مع إسرائيل في مرتفعات الجولان. وهي سبق أن رفعت القيود عن عمليات «القاعدة» في العراق والخليج. وتورط طهران في النزاع السوري لن يقوض نفوذها في مرحلة ما بعد الأسد. ويرجح أن تتقرب من مجموعات مسلحة في سورية ما بعد الأسد لابتزاز تركيا وإسرائيل والأردن، وأن تسعى إلى الحؤول دون بروز امتداد سني سوري لسنّة العراق. والتوتر الطائفي سيتفاقم في لبنان وتركيا والعراق وفي أوساط العرب الإيرانيين، على وقع تواصل العنف في سورية وتعاظم التدخل الإقليمي فيها.
* باحث ومحلل، عن «واشنطن انستيتيوت فور نير ايست بوليسي» الأميركي، 5/12/2012، إعداد منال نحاس
الحياة