“دويلات سورية” تصطدم بعدم كفاية الثروات/ إسطنبول ــ عدنان عبد الرزاق
على الرغم من ازدياد وتيرة الترويج لإمكانية تقسيم سورية سياسياً في الفترة الأخيرة، في ظل الحرب المستعرة منذ أكثر من 4 سنوات، والتي دفعت جسد الدولة الواحدة إلى الاهتراء، فإن واقع الاقتصاد السوري المقسم على الفرقاء يؤكد، أنه لا يمكن أن تستقل منطقة بعينها اقتصادياً، وإنما ستكون مجبرة للتعامل مع المناطق الأخرى، ما يجعل من فكرة التقسيم السياسي بعيدة المنال.
ويجري الترويج لتقسيم سورية إلى خمس دويلات، على اعتبارات طائفية مذهبية، بحسب مناطق السيطرة على الأرض، كحل وحيد لوقف الاقتتال، والإبقاء على نظام بشار الأسد على رأس “دويلة” في الساحل الغربي لسورية، وفق ما نشرته صحف غربية وإسرائيلية خلال الآونة الأخيرة.
إلا أن محللين اقتصاديين سوريين، يرون استحالة التقسيم سياسياً لأسباب اقتصادية، حيث سيحل الصراع على الثروات محل الصراع السياسي والمذهبي والطائفي، فيما تتعرض موارد البلاد إلى الإهدار.
ووفق تقرير نشرته قبل أيام مجلة “إسرائيل ديفنس”، فإن هناك إمكانية تقسيم سورية إلى “دولة كردية” تضم مناطق الشمال الشرقي من سورية إلى إقليم كردستان العراق، بحيث تمتد إلى أطراف حلب، و”دولة علوية” تقام في الساحل السوري الغربي، بما فيها مدينة حمص وتمتد لتحاذي الشريط الحدودي اللبناني، و”دولة سنية” تشمل حلب وحماة وإدلب وأجزاء من حمص ودير الزور والرقة في الشمال والشمال الغربي للبلاد.
فضلاً عن دولتين في الجنوب، هما دمشق ومحيطها وصولاً إلى الأنبار في العراق والحدود الأردنية، وكذلك دولة درزية تشمل محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة (الأجزاء المحررة منها).
ويقول خبير الاقتصاد، عماد الدين المصبح، إن هناك صعوبات على الأرض تحول دون تطبيق التقسيم، لأن معظم ثروات سورية الطبيعية والزراعية في المنقطة الشمالية الشرقية، وهي تعتبر المصدر الأساسي لأهم مكونات الأمن الغذائي، يقابل ذلك كثافة سكانية هي الأقل بالنسبة للأقاليم السورية الأخرى.
ويضيف المصبح لـ”العربي الجديد” أن هذه المنطقة تشكل مصدر ما لا يقل عن 65% من الناتج المحلي الإجمالي لسورية، كما تسيطر على أهم مصادر المياه، حيث يعبر منها نهر الفرات شريان الحياة السورية ويحاذيها نهر دجلة ويعبر منها، أيضاً، نهر الخابور.
ويتابع “هذه المنطقة على الرغم من غناها بالموارد الاقتصادية، إلا أنها تعتمد على المناطق السورية الأخرى فيما يتعلق بالمشاريع الخدمية، على الموارد البشرية الآتية من الداخل، بسبب انخفاض المستوى التعليمي فيها وارتفاع معدلات الأمية وتواضع معدلات التنمية البشرية بشكل عام”.
وحول ما يتردد عن إمكانية وجود “دويلة لنظام الأسد” يشير الخبير الاقتصادي السوري، إلى أنها ستسيطر على المنفذ البحري الوحيد لسورية الداخلية وأجزاء من دول الخليج العربي، كما تتوفر فيها موارد بشرية عالية التعليم، بالإضافة إلى توفر المياه بكميات، وغناها بصناعات تحويلية مهمة مثل مصفاة حمص وبانياس للنفط وصناعات أخرى يمكن أن تتطور مع الدعم الإيراني والروسي المحتمل باعتبارها منطقة نفوذ لكل منها.
لكن هذه الدويلة تعاني من انخفاض نسبة الأراضي الصالحة لزراعة مكونات الأمن الغذائي، قياساً إلى الكثافة السكانية العالية فيه والمرشحة للارتفاع بسبب الهجرات المتوقعة للعلويين من المناطق السورية الأخرى، وفق الخبير الاقتصادي.
ويقول “في المقابل ستكون دولتا “دمشق” و”حلب”، الأكثر كثافة سكانية مع شح الموارد الطبيعية وازدياد الضغط على الموارد المائية فيهما.
وتعاني دمشق ومحيطها من تراجع في الأراضي الزراعية، إلا أن حلب لا تعاني من ضغط في هذا الجانب، بل تمتاز بوجود أراضي زراعية خصبة، كما تحتفظان سوياً بقاعدة تجارية وصناعية كبيرة نسبياً، تشكل عصب الاقتصاد السوري ومحركه الأساسي.
ويشير المصبح إلى أنه “بالنسبة للدولة الدرزية كما تسميها بعض المخططات، فإنها تتوفر على أراضي زراعية مهمة لها ولمدينة دمشق ومحيطها، كما تتوفر على موارد مائية مناسبة وتحتفظ بحدود برية مهمة مع الأردن، لكنها مستحيلة التطبيق”.
ونتيجة الحرب التي جرّ نظام بشار الأسد سورية إليها بعد مطالبة السوريين بالحرية والعدالة في مارس/آذار 2011، خرج نحو 70% من مساحة سورية عن سيطرة النظام.
وتمددت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على 50% من مساحة البلد، بعد ضمها، أخيراً، مدينة تدمر ومعظم بادية الشام، لتكون نحو 9 محافظات سورية تحت إدارة التنظيم هي “حمص، الرقة، دير الزور، الحسكة، حماة، حلب، دمشق، ريف دمشق، والسويداء”، كما وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
كما بدأ النفوذ الكُردي يتسع في سورية ليمتد على ثلاثة تجمعات رئيسية، تجمع في محافظة الحسكة، وتجمعان في منطقتي عفرين وكوباني “عين العرب”، فضلاً عن تراجع سيطرة الأسد عن المساحات الأخرى، التي يتعاظم فيها نفوذ الثوار.
وانحسرت سيطرة النظام على مراكز المدن في طرطوس واللاذقية على الساحل السوري ومركز العاصمة دمشق، فضلاً عن مدينة السويداء وحماة وأجزاء من مدينتي حلب وحمص، وهو ما يراه مراقبون “كروكي” لخرائط التقسيم، التي يقول المصبح، إنها ستولد حروباً اقتصادية من أجل إعادة تقاسم الثروة والمنافذ والمياه، إلى جانب الحروب على مناطق النفوذ.
كما ستستمر حالة العداء مع عدم توقع نشوء أي شكل من أشكال التعاون الإقليمي الاقتصادي بين هذه الدويلات بسبب ظروف نشوئها، وهو الأمر الذي سيلقي بظلاله على التنمية وإمكانية استفادة أي من الدويلات الناشئة من موارده.
ومن مستجدات إعادة طرح التقسيم كحل لابد منه، ظهور التخوف التركي من وصول نيران الحرب السورية لجنوب البلاد وخطر إقامة الأكراد دويلة على حدودهم، وهو ما سبب استنفاراً وحشد قوات، أخيراً، ربما تصل حد الدخول العسكري داخل الأراضي السورية.
رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، الدكتور أسامة قاضي، قال لـ”العربي الجديد” إن أي تقسيم مفترض معناه تغيير الحدود الجغرافية لكل دويلة، وهذا سيفرض منظومة علاقات دولية مختلفة ومعقدة وقد لا تكون إيجابية، فتركيا ترفض دويلة كردية علناً على حدودها، مما سيعرض الدويلة الوليدة – المتخيلة – لمشاكل قبل ولادتها.
ويضيف “الدويلة العلوية المتخيلة سيكون لها فقط منافذ بحرية، وكذلك سيكون من الصعب تسهيل مرور سكان تلك الدويلة، عبر المنافذ البرية السورية سنوات عدة، بسبب التأزم الطائفي خلال الأزمة”.