دير الزور إذ تنتظر قدرها/ علي العبدالله
لا تتميز محافظة دير الزور بكونها ثاني أكبر محافظة سورية من حيث المساحة وحسب، بل بكونها خزان النفط والغاز السوريين، حيث تحتوي على 40 في المئة من احتياطياتهما، ناهيك عن إنتاجها الزراعي والحيواني الكبير. وقد منحها موقعها الجغرافي أهمية إضافية، فهي عقدة مواصلات بين معظم المحافظات السورية ومعبر إلى دول الجوار (العراق والأردن والسعودية والكويت) عبر البادية السورية المترامية الأطراف (ثلث مساحة سورية)، وهذا جعلها مركز جذب وساحة تنافس على مناطق نفوذ بين قوى إقليمية ودولية عدة في سياق صراعها على سورية، وأجج التنافس تحولها إلى ميدان المواجهة الأخيرة مع مشروع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» في ضوء حسم معركة الموصل واقتراب حسم معركة الرقة.
دفع التحضير لمعركة دير الزور من قبل قوى إقليمية ودولية عدة إلى الدخول في سباق ميداني (نشر قوات، تشكيل تحالفات، طرح خطط)، وسعي إلى تفاهمات على تقاسم النفوذ، أو تفاهم عسكري يجنب قواتها اصطداماً مباشراً بالاتفاق على تركيز الجهد على قتال قوات «داعش»، والتسابق على ملء الفراغ الذي سينجم عن دحرها. فالولايات المتحدة، ومن خلال رعايتها لقوات سورية الديموقراطية ولكتائب من الجيش السوري الحر، تعمل على تجميع قوات موالية في منطقة الشدادي، وتشكيل تحالف عسكري تحت عنوان «جيش وطني»، وتجهيزه لخوض معركة دير الزور، في ضوء قرار واشنطن السيطرة على المحافظة لقربها من شمال سورية، حيث القواعد الأميركية، ولما تحويه من نفط وغاز، ولوقوعها على طريق بغداد، كانت قد أبلغت روسيا بقرارها السيطرة على منطقة شرق الفرات وحصلت على موافقة الأخيرة ببقاء الشمال والشرق تحت سيطرتها هي وحلفاؤها من الكرد والعرب، وعملت على تحصينها وحمايتها من خلال إغلاق طرق الوصول إلى الحدود السورية- العراقية في الجانب العراقي من الحدود عبر سيطرة قوات البيشمركة على معبر الوليد العراقي، مقابل معبر اليعربية السوري في محافظة الحسكة، ونشر قوات أميركية خاصة في محافظة نينوى، لقطع الطريق على قوات الحشد الشعبي العراقي، الموالية لإيران، التي دفعتها إيران لفتح ممر من العراق إلى سورية بحيث تستكمله الميليشيات الموالية في الجانب السوري من الحدود بإيصاله إلى لبنان فالبحر الأبيض المتوسط، وقطع الطرق على القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها في الجانب السوري من الحدود عبر إقامة قواعد عسكرية في التنف والزكف في البادية السورية. بموازاة هذا التحرك الأميركي، سعى الروس إلى ما أسموه «تحديد حدود مناطق النفوذ» كمدخل لمنع أميركا من السيطرة على كامل منطقة الحدود السورية- العراقية، وفق تصريح لمسؤول روسي أكد «أنه ليست هناك نية لدى بلاده للدخول في صدام عسكري مع الأميركيين»، لكنها «ترسم حدود المناطق». وهذا دفع الروس إلى تقديم غطاء جوي لقوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية في زحفها باتجاه شرق سورية وصولاً إلى الحدود السورية- العراقية، من جهة، والعمل، من جهة ثانية، مع الولايات المتحدة على الاتفاق على مناطق خفض التوتر، وتنفيذ وقف إطلاق نار، في الجنوب الغربي (محافظات درعا القنيطرة والسويداء)، والبحث في الصيغة المناسبة لمحافظة إدلب، وإلى عقد اتفاقات خفض توتر مع الفصائل المسلحة في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، لتوفير غطاء لنشر قواتها في هذه المناطق، من جهة ثالثة، وهذا وضعها في موقف حرج بين حاجتها لإيران وميليشياتها لموازنة الثقل العسكري للولايات المتحدة واحتواء قدرتها على استنزافها وإنهاكها، وإدراكها لطبيعة التحرك الإيراني وسعي إيران والنظام السوري لتقويض التفاهم مع واشنطن على مناطق خفض التوتر وتنفيذ وقف إطلاق نار دائم، لما يترتب عليه من ضرب لنفوذ إيران واحتمال فرض حل سياسي على النظام لا يحقق تطلعاته وتصوراته لمستقبله، بدفع قواتهما إلى شرق سورية وسعيهما للدخول على خط معركة تحرير دير الزور من «الدواعش»، وحاجة روسيا للتفاهم مع الولايات المتحدة لتكريس دورها ومصالحها، بعد أن أدركت استحالة تمرير حل سياسي وضمان الهدوء والاستقرار في سورية، بحيث تتخفف من تبعات تدخلها وتنفذ إستراتيجية خروج مع تكريس مصالحها في سورية، بما في ذلك حصة من تركة «داعش» الجغرافية، حصة من نفط وغاز وفوسفات البادية السورية، من دون مباركة واشنطن، وما يتطلبه ذلك من الموافقة على تحجيم دور إيران ونفوذها تمهيداً لإخراجها هي وميليشياتها من سورية في مرحلة ما بعد «داعش».
وهذا فرض على واشنطن وموسكو تحركاً عسكرياً حذراً وبحسابات ميدانية دقيقة في ضوء توجس الطرفين من رد فعل إيران على إخراجها من المعادلة وتمسكها بإقامة الممر البري الذي يربط بين إيران ولبنان مروراً بالعراق وسورية، وفرض على أبناء المحافظة استقبال أقدارهم القاسية والعيش تحت رحمة قصف عشوائي مدمر من طائرات التحالف الدولي وطائرات روسيا والنظام، ما دفعهم إلى النزوح إلى العراء والعيش تحت لهيب الشمس بلا طعام أو ماء أو دواء، و «النفير العام» الداعشي الذي ألزم من هم في عمر بين العشرين والثلاثين بالقتال إلى جانبه تحت طائلة العقوبة التي تجيزها مصفوفته الفقهية تحت عناوين الردة والفرار من الزحف التي خبروها في ظل خلافته المزعومة.
* كاتب سوري
الحياة