دير الزور مدينة الخيرات المحرومة منها/ ريان محمد
تقع مدينة دير الزور على الضفّة الغربية لنهر الفرات في المنطقة الشرقية من سورية. ومع تشكّل سورية كدولة بداية القرن الماضي، أصبحت مدينة دير الزور مركز محافظة دير الزور (ثاني أكبر محافظة بعد حمص)، وزادت أهميّها نتيجة احتوائها على النفط والغاز، إضافة إلى الصناعات البتروكيماوية، وقد جذبت العديد من الأيدي العاملة، من دون أن ينعكس الأمر إيجاباً على التنمية المحلية في ظل الفقر والتهميش، إلى أن بدأ الحراك السلمي في عام 2011، ثم سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على مساحات واسعة منها في عام 2013، ثم تنظيم “داعش” بداية عام 2014، ما أدى إلى مغادرة أكثر من نصف سكانها، عدا عن قتل وفقدان الآلاف من أبنائها.
يقول الضابط المنشق وإبن مدينة دير الزور، حسام عسكر، لـ “العربي الجديد”: “تبعد دير الزور عن العاصمة السوريّة دمشق نحو 450 كيلومتراً مربعاً، ويقدّر عدد سكانها قبل عام 2011 بنحو 300 ألف نسمة”. يلفت إلى أن “غالبيّة سكان المدينة في عام 2011 كانوا قد نزحوا من الريف، بحثاً عن الاستقرار والرزق”، مضيفاً أن معظم أهلها موظفون وفلاحون وتجار، ونسبة قليلة متطوعون في الجيش. المدينة بشكل عام بسيطة، ولا بذخ في العمران، خصوصاً أن غالبية السكان فقراء.
يتابع عسكر أنّه رغم الحرب، فإنّ “المستوى التعليمي في المدينة ممتاز”. وفي ما يتعلّق بالخدمات، يبيّن أنها متفاوتة. “المياه تأتي من الفرات وتعالج بمادة الكلور، الذي كان طعمه واضحاً في المياه. أما الكهرباء، فكانت جيدة نسبياً لكن ليس بالمستوى المطلوب. القطاع الصحي كان مهملاً. يوجد مستوصفات ومستشفى الأسد الذي يعد بدائياً، ما كان يضطر الأهالي للذهاب إلى حلب أو دمشق. قطاع النقل أيضاً من القطاعات السيئة، وتعد شبكة الطرقات بدائيّة، في حين لا يوجد شبكة نقل داخلي”.
يتطرّق أيضاً إلى “الحياة السياسيّة التي لا تختلف عن المناطق السورية الأخرى. التيار السائد هو حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، الذي كان يفرض الانتساب إليه، إن كان الشخص يريد أن يجد فرصة في قطاعات الدولة، أو يريد أن يبعد عنه إصبع الاتهام من قبل النظام. وكان هناك وجود للحزب الشيوعي السوري بتياراته المتعددة، والتيارات الناصرية، وكان في المدينة تيارات إسلامية على رأسها الإخوان المسلمون والسلفيون”.
يضيف: “في الدير حادثة يتناقلها الأهالي، تعرف باسم حرق المؤسسات. إذ كان هناك تهديد بحرق المؤسسات، ما أدى إلى شن حملة اعتقالات واسعة خلال فترة غزو الكويت في عام 1991. استنفر الأمن، وكان الطلاب يحرسون المدارس. حينها، كُتبت على الجدران عبارات مناهضة للنظام. وكان النظام سبق وحقد على المنطقة الشرقية عقب محاولة اغتيال الرئيس حافظ الأسد خلال زيارته لسد الفرات، وكان النظام على علم أن أهل الدير لا يحبونه”.
يتابع: “لطالما شعر الأهالي بالتهميش، وأن تعرضهم للفقر مقصود. في ما يتعلق بسياسة التوظيف على سبيل المثال، كان يُستعان بمدرّسين من الساحل بدلاً من أبناء المدينة، وينسحب الأمر على التوظيف في حقول النفط، ما يدفع أبناء المدينة للهجرة إلى الخارج”.
في إنتظار المساعدات (لؤي بشارة/ فرانس برس)
وعن حال المدينة قبيل الحراك السلمي في عام 2011، يقول: “كانت دوريات الأمن تتوجّه إلى الشباب بأسئلة كثيرة، عدا عن اعتقالات في الشوارع من دون أي مبرّر، حتّى أصبح حظر التجوال في المدينة واقعاً غير معلن بعد الساعة العاشرة ليلاً. وقد شنّت قوات الأمن حملة واسعة لمصادرة الدراجات النارية. عندما بدأت التظاهرات في درعا، وقعت حادثة كبيرة في المدينة في الأسبوع الثاني من مارس/ آذار في عام 2011. كان هناك مباراة كرة قدم، وفوجئ المشجعون بأنّ الأمن طوق الملعب بسيارات دفع رباعي عليها رشاشات ثقيلة. كانوا يريدون إرهاب الناس بأية طريقة. بدأ المشجعون يشتمون رئيس فرع الأمن العسكري حينها جامع جامع، فأطلق أحد العناصر الرصاص فوق رؤوس الناس، ما فجر الوضع. بعد هذه الحادثة، بدأت الاستفزازات، وجلب الموظفون من الأرياف لمراقبة الناس قرب الجوامع. وبدأ الناس يتوجهون أكثر إلى الجوامع للاطلاع على التطورات. وفي الأسبوع الثالث، خرجت تظاهرتان في المدينة، فضرب المشاركون فيها وسلموا للأمن. وفي الأسبوع الأخير من الشهر نفسه، وصل عدد المتظاهرين إلى ألفين”.
من جهته، يقول الناشط المدني في دير الزور، مقدام عسكر، لـ “العربي الجديد”: “كنّا شبابا في مقتبل العمر نلتقي في المدارس والجامعات والمقاهي والمنازل، تزامناً مع الأحداث في تونس ومصر. وكان السؤال: هل يصل الحراك إلى سورية؟ ومع بدء الأحداث في درعا، وقبلها دمشق، بدأنا العمل على جمع وحشد الناس للمطالبة بالحقوق المدنية. لُخّصت مطالب الشباب بكلمة واحدة هي الحرية. أذكر أن التظاهرة الأولى في الدير خرجت بعد أيام قليلة من بدء أحداث درعا، الساعة الرابعة والنصف فجراً في أحد الشوارع الفرعية لشارع سينما الفؤاد، وكان العدد نحو 17 شاباً. وفي الأسبوع التالي، كان هناك محاولة للتظاهر، لكن النظام قمعها”.
يتابع الناشط: “عرفت المدينة الرجل البخاخ. ليلة سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، كتب شباب على جدار مبنى الأمن العسكري عبارات مناوئة للنظام، منها كلمة الحرية، وجايينا الدور”. ويذكر أن “أول تظاهرة حقيقية كانت في الثاني والعشرين من شهر مارس/ آذار (يوم الجمعة العظيمة). في ذلك اليوم، حطم تمثال باسل الأسد، ووصل عدد المتظاهرين إلى ثلاثة آلاف متظاهر، ثم منع الأمن التجمعات، فلم يبق أمام الشباب غير الجوامع”. يتابع: “كانت التظاهرات سلمية تماماً، وقد صدم الأمن بكسر حاجز الخوف”، لافتاً إلى أن “تكسير تمثال باسل الأسد جاء رداً على قمع قوات الأمن. في تظاهرة الجمعة العظيمة، سقط الشهيد معاذ الركاض. وخلال تشييعه، سقط الشهيد الثاني محمد الصياح. وصار عدد الشهداء يزداد مع كل تظاهرة وكل تشييع”.
يضيف: “في الشهر الرابع أو الخامس من عام 2012، بدأنا نرى بعض الشباب يحملون أسلحة فردية وبنادق صيد، وبدأوا يُقحمون أنفسهم في التظاهرات، وقد فرضوا أنفسهم بقوة السلاح”. ويبين أن “النظام، ومنذ بداية التظاهرات السلمية، كان قد أفرج عن عدد من الإسلاميين المتشددين، الذين لم يتوقفوا عن الدعوة إلى الجهاد، وهم أول من حمل السلاح، واقتحموا مركزاً للشرطة، وكانوا نواة جبهة النصرة وتنظيم داعش. منذ تلك الفترة حتى خروج النظام نهائياً من المدينة في نهاية عام 2012، وسيطرة الفصائل المسلحة المعارضة على معظمها، كان هناك حملات عدة من قتل واعتقال وتنكيل. رغم ذلك، لم تتوقف التظاهرات. وفي بداية عام 2014، سيطر داعش على مناطق المعارضة في المدينة، وأطلق على محافظة دير الزور ولاية الخير، ونكّل بأهلها وقتل واعتقل وأخفى قسراً عدداً كبيراً من أبنائها”.
العربي الجديد