رأي : الثورة السورية بعد عام, هل تقود كل الوسائل إلى الهدف؟
من سوريا عصرية ديموقراطية علمانية
مر عام على انتفاضة الشعب السوري ضد نظام القمع والفساد واحتكار السلطة. وقد شهد العالم أجمع تلك الانطلاقة العظيمة لشعب يريد الحرية والكرامة، بوسائل سلمية تتسق مع أهداف الثورة ورؤيتها للحاضر والمستقبل .
إن التعبيرات الأولى للثورة السورية، اعتمدت على الأغنية واللوحة والشعار الجامع والنكتة الذكية والحشود الشعبية الضخمة، التي استردت – بشكل سلمي – المجالَ العام بعد عقود من إقصائها عنه. وهي أشكال تعبر عن الإيمان بمبدأ اللاعنفية، وعن التمسك بوحدة الشعب ونبذ العنف والطائفية، والسعي لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية الجامعة.
في مقابل ذلك كان النظام يستخدم كل أشكال القمع والتصفية الجسدية والاعتقال التعسفي والتدمير والنهب، ليجهض الثورة، ويديم احتكار السلطة والدولة، و قمع الشعب وحرمانه من حقوقه الأساسية. وبالرغم من كل ذلك استمرت الثورة، بأهدافها الوطنية الجامعة، و تعبيراتها اللاعنفية المتنوعة، كاشفة للعالم أجمع، وفي وقت واحد، عن شرعيتها وأهدافها الوطنية، وعن حقيقة النظام القمعي المنفلت من كل القيم الأخلاقية والأعراف الإنسانية والمبادئ الحقوقية.
لكن ما يدعو إلى القلق والخوف على مستقبل الثورة وقدرتها على التماسك والاتساق بنيوياً بين وسائلها وأهدافها، ما ظهر مؤخراً من تحول نحو الخيار العنفي والسلاح لمواجهة عنف النظام وممارساته الوحشية، مما أشاع حالة عامة من التوجه نحو عسكرة الثورة، والقبول بما فرضه النظام على الأرض من شروط مواجهة دموية يكون خاسرها الأكبر السوريون ومستقبل بلدهم. وقد ترافق ذلك مع بعض الممارسات غير المقبولة التي تحاكي ممارسات النظام، وإعلان أطراف إقليمية نافذة عن استعدادها لتوريد السلاح إلى سوريا، ليتيح “للجيش الحر” إمكانات أكبر في مواجهة عنف النظام وبربريته.
من هنا، نحن المواطنون السوريون في التجمع الافتراضي السوري من أجل الديمقراطية:
١. ندين مظاهر العنف والقتل والتدمير والتهجير التي يمارسها النظام، ونثمن الجهود المبذولة لتوثيقها كشهادات في المحافل الدولية.
٢. نرى ضرورة التمسك بالخيار السلمي الذي انطلقت الثورة على أساسه، والذي يكسبنا تأييد وتعاطف شعوب العالم وقواه الديمقراطية والحقوقية والإنسانية، و يضفي على حراكنا الثوري الطابع الأخلاقي والانساني. إن العمل المنظم المتواصل من أجل تنويع أشكال الاحتجاج السلمي ، وإبداع أفكار جديدة قادرة على إرباك النظام وأدواته القمعية، هما الكفيلان بتحقيق أهداف الثورة المتمثلة في العبور إلى نظام ديموقراطي عصري، من دون تدمير الوطن وادخاله في حروب تستهلكه وتفتته. أما انتصار خيار السلاح فإنه سيزيد عدد الضحايا، ويسلب الثورة بعدها الأخلاقي الحضاري، ويترك آثاراً مدمرة على البنية الاجتماعية للانتفاضة وعلى مستقبل سوريا الوطن بشكل عام. مع التأكيد هنا على أن العنف المضاد في حدود الدفاع عن النفس، ما هو إلا رد فعل على الممارسات البربرية للأجهزة الأمنية.
٣. إن حالة التشرذم والانقسام في المستوى التمثيلي السياسي والعسكري للحراك الثوري، مع الترويج الإعلامي المستمر لسهولة الحسم العسكري لصالح الثورة، وتعبير بعض الأطراف الإقليمية عن استعدادها لتمويل التسليح…كل ذلك ساهم في انتشار وترسيخ فكرة العسكرة بين أوساط الحراك الثوري، مما يحتم العمل السريع والمخلص على توحيد مواقف المعارضة، بمختلف أطيافها وتشكيلاتها، أقله إزاء مخاطر التسليح، وعسكرة الثورة.
٤. ننظر ببالغ التقدير والإعجاب إلى الضباط والجنود الذين رفضوا إطلاق النار على أبناء الشعب، حيث أراد النظام الاستبدادي تحويلهم من حماة للشعب إلى قتلة يدافعون عن مصلحة الطغمة الحاكمة، فأعلنوا بكل شجاعة انشقاقهم عن الجيش وانضمامهم إلى الثورة.
لكننا في المقابل قلقون من استغلال وضعهم الناتج عن انشقاقهم، وإعادتهم من جديد إلى سياق العنف والقتل، تحت شعارات الدفاع عن النفس وإسقاط النظام بقوة السلاح، وفي حمى الدعوات المتصاعدة لعسكرة الثورة، مما ينذر بنشوب حرب أهلية مدمرة سيكونون هم أداة فيها، وجميع أبناء الوطن ضحايا لها.
إننا ندعو الأطر المعارضة أن تسرع في وضع خطة لتنظيم أوضاع العسكريين المنشقين، ومساعدتهم على الانخراط في الحراك السلمي، وتأمين سلامتهم من بطش النظام، والاستفادة من خبراتهم وقدراتهم الميدانية، من أجل تطوير أشكال الاحتجاج السلمي.
٥. نؤكد على وحدتنا الوطنية وصيانتها من الانجرار إلى منزلقات تهدد كياننا وروابطنا الاجتماعية والسياسية، ونرفض أي خطاب أو سلوك من شأنه إثارة الفرقة والفتنة بين السوريين على أساس عرقي أو طائفي أو مذهبي .
٦. إن الوجهة الحقيقية للثورة تتمثل في بناء نظام ديموقراطي عصري يكفل الحريات والحقوق الأساسية للانسان والمواطن والمساواة التامة بين كل المواطنين دون أي تمييز على أساس الدين، أو الأصل أو الجنس أو الحالة الجسدية. لذلك ندعو الى مواجهة محاولات النظام وبعض القوى السياسية والمدنية، في سعيهم لخلط الأوراق وحرف مسار الحراك الوطني عن هذا التوجه.
٧. ننتهز هذه المناسبة لنحث كل قوى المعارضة السياسية والمدنية السورية على التوقيع على وثيقة عهد وطني تتبنى رؤية موحدة حول الانتقال السلمي إلى النظام الديموقراطي و تثبت المبادئ والقيم الحديثة المذكورة في الفقرة السابقة.
٢٧ آذار ٢٠١٢ – التجمع الافتراضي السوري من أجل الديموقراطية