“رؤية لتأسيس العمل المشترك للمعارضة الديمقراطية”
إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي
أثبتت شجاعة السوريين في انتفاضتهم السلمية المتصاعدة عمقاً واتّساعاً، على الرغم من كل قمع النظام واستباحته لدماء مواطنيه وحياتهم وحريتهم في التعبير السلمي عن إرادة التغيير؛ أن العودة إلى الوراء قد أصبحت مستحيلة، وأن لا فرصة لأي تراجع قبل وضع البلاد على عتبة التغيير الوطني الديمقراطي.
1- نفهم المهمة الرئيسة للمعارضة السورية في هذه الأيام على أنها دعم الانتفاضة، والالتحام بها في كل مكان وزمان. لقد تبلور الصراع السياسي بين قطبين: النظام الاستبدادي من جهة، والشعب في الشارع، بشبابه خصوصاً، من جهة أخرى. ونحن ننحاز إلى هذا الطرف من دون التباس أو تردد، ولا يمكن أن نكون في موقع وسط بينهما. هذا الانحياز يترجمه التنسيق والتفاهم والإسناد بين المعارضة والتنسيقيات التي تتطور قدرةً وتنظيماً بين الشباب الفاعلين في الشارع والانتفاضة، مع أشكال أخرى يتم إبداعها يومياً من خلال الحركة.
2- استطاعت هذه الحركة أن تحافظ على الوجه السلمي لها وتنبذ العنف واللجوء إلى السلاح رغم جهود النظام الحثيثة لإجبارها على ذلك هنا وهناك، كما أظهرت أنها حريصة على الوحدة الوطنية بتكريسها جزءاً كبيراً من شعاراتها ضد الطائفية والفئوية وكل أشكال تشتيت الشعب والمواطنين. وهنا ينبغي للمعارضة الديمقراطية كذلك أن تركّز جهدها وخبراتها، لأنها تدرك جيداً أن عملية التغيير غير ممكنة إلا من خلال الطريق السلمي الآمن، ومن خلال اللحمة الوطنية، حيث سورية لكل مواطنيها. كما أن للمعارضة دوراً هاماً في تطوير شبكة الأمان السياسية والاجتماعية للوطن وكيان الدولة..
3- إن موضوع وهدف السوريين الآن، والمعارضة جزء مسؤول منهم، هو الانتقال بالبلاد من حالة الاستبداد إلى الديمقراطية. عملية التغيير الوطني تقوم على بناء الدولة المدنية الحديثة ، التي تتأسس على عقد اجتماعي يتجسد في دستور جديد تضعه جمعية تأسيسية منتخبة وتطرحه على الاستفتاء العام، ويكون أساساً لنظامٍ برلمانيّ، يضمنُ الحقوقَ المتساوية للمواطنين ويحدّدُ واجباتِهم، ويكفلُ التعدّديةّ وتداولَ السلطة، واستقلالَ القضاء وسيادةَ القانونِ، واحترامَ حقوق الإنسان والالتزامَ بالشرائع الدولية. كما تتضمن عملية التغيير هذه احترام كل مكونات الشعب السوري وحقوقه على أساس المساواة التامة أمام القانون، وإيجاد حل عادل ديمقراطي للقضية الكردية، وضمان حقوق الأثوريين (السريان)؛ في إطار وحدة سورية أرضا وشعبا .
4- يحاول النظام الخروج من مأزقه من طريقين: أولهما استخدام آلته الأمنية بكل مكوناتها، وتوريط الجيش الوطني في مواجهة شعبه ، وثانيهما محاولة تقطيع أوصال البلاد والمدن، وضرب وحدة الشعب الكيانية، من خلال التعامل معه كإثنياتٍ وطوائف وغير ذلك؛ والإصرار على إهانة وإذلال الذات الإنسانية لمواطنيه والاستهانة بكرامتهم؛ وتشتيت القوى المعارضة والمناورة لتخفيض سقف طروحاتها، وإشغالها بمسائل متشعبة ومبادرات مرتجلة تنتج عنها مواقف متعارضة. يتم ذلك عبردعوات حوار غير جدية حتى الآن، ورسائل ووساطات ولقاءات متنوعة، تهدف فيما تهدف إلى تمزيق وحدة الشعب، وتشويش العلاقة بين المعارضة والانتفاضة، وضرب المعارضين بعضهم بالبعض الآخر، وخداع الرأي العام داخل وخارج سورية بإفراغ ما كانت تطالب به المعارضة طويلاً من أي مضمون جدي.
5- لا ريب في أن الحوار الوطني لعقد مؤتمر وطني سيكون ضرورياً في المستقبل، وكيفما اتجهت الأمور، لكن لذلك مناخات مختلفة عما هو قائم، وكل ما يقوم به النظام حتى اليوم معاكس لها. تتحقق هذه المناخات في حالة رفع فعلي لحالة الطوارئ، وإعادة الجيش الوطني إلى ثكناته، وكف يد الأجهزة الأمنية، ومحاسبة كل من أمر بعمليات القتل والتنكيل بالشعب أو نفّذها، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين قديمهم وحديثهم، وإطلاق حرية التظاهر السلمي، وتحرير الإعلام الوطني وفتح الأبواب للإعلام الخارجي والمنظمات الحقوقية والإنسانية، ومحاسبة كل من قام بعمليات التضليل والتحريض إعلامياً.. . وإن أي حوار أو تفاوض أو مؤتمر وطني، لا بد أن يكون على أساس شامل ومتكافئ، ويهدف إلى التوافق على آليات الانتقال إلى دولة ديمقراطية حسب المعايير الدولية المعروفة. وسيتحقق هذا حين يقتنع الجميع بأن الشعب هو من يحدد موازين القوى. هذا يفرض التنبّه إلى عدم الانجرار وراء قضايا ثانوية ليست من أولويات الشارع اليوم، ولا تُطرح إلا لحرف المسار عما هو أساسي. ومن هذه القضايا، المناقشات حول قوانين الانتخاب والإعلام والأحزاب مثلاً، أو التعديلات الدستورية، أو عقد لقاء تحت اسم مؤتمر حوار وطني تضع السلطة جدول أعماله وآلياته، ومن ثم نتائجه.
6- إن إعلان دمشق والتجمع الوطني الديمقراطي والقوى الكردية( بما أن بعضها خارج الإعلان) هي قوى منظمة أساسية للمعارضة الديمقراطية( مع أية قوى أخرى موجودة على الأرض، أو ستنشأ في غمار الحركة)، ومعها الشخصيات الوطنية ذات التاريخ والفاعلية. كما أن أي عمل باتجاه تطوير العمل المشترك للمعارضة ينبغي أن يتمثل فيه شباب الانتفاضة المجيدة.
7- وهذا العمل المشترك، مهما كان شكل تجليه، لا بدّ أن ينتقل من رؤية إستراتيجية( تستند إلى ما ورد أعلاه) إلى خطة تنفيذية واضحة موحدة وتوافقية، حتى لا يكون تضييعاً لوقت ينبغي تكريسه لدعم الانتفاضة ومواكبتها.
8- وفي سبيل الوصول إلى هذه الحالة المشتركة، لا بد من استمرار اللقاء والمصارحة والتنسيق المواكب للتطورات- وهو الحد الادنى الواجب والممكن فوراً، مع كونه ليس بديلاً دائماً عن أشكال أعلى من العمل المشترك- كي نسير حثيثاً باتجاه عمل مشترك أكثر قوةً وفاعلية للمعارضة الديمقراطية.. فكيف ونحن في هذا الزمن المجيد، الذي سيحاسبنا أبناؤه على أدائنا فيه في المستقبل، أكثر مما يفعلون الآن.
المجد للشهداء، والحرية لسورية بكل مواطنيها
الأمانة العامة لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي