صفحات سورية

رؤيتان متناقضتان وشعب/ ثائر عمّار ديّوب

 

نفذ النظام رؤيته للإصلاح منذ 2011، حيث أوقف قانون الطوارئ واستبدله بقانون للإرهاب وانتخب مجلسه النيابي وعدّل الدستور وجدد لرئيسه البيعة. بل زاد بأن أعلن مؤتمراً للحوار وترأسه فاروق الشرع قبل أن يختفي عن المشهد، ولكن المعارضة رفضته. هذا لسان حال النظام. الشعب لم يقبل بكل هذه الرؤية وأراد إصلاحاً جاداً وعاماً، ولم يُستجبْ له، بعدها طالب بإسقاط النظام، ولكن كل ذلك أصبح حرباً مستعرة، طرفاها جهادية متعاظمة “سنية” ليست من الثورة ولكنها تدعي تمثيلها، وجهادية “شيعية” توظفها السلطة لتؤبد سيطرتها.

المعارضة صاغت رؤيتها وتوزعت بين رؤية إصلاحية لهيئة التنسيق والتي كانت تحليلاتها تتناغم مع الموقف الروسي للحل، ولا تزال مع أي كلام عن حل سياسي ولو أتى من الصومال. المجلس والائتلاف الوطني ركزا ومنذ اللحظة الأولى على التدخل العسكري كما جرى في العراق وليبيا من بعد، ولو جاء من جبال تورا بورا، ولكنهما فشلا فشلاً ذريعاً، وكانت توصيات الأميركيين: ناقشوا الروس وانتبهوا للأقليات. وبما يخص التدخل العسكري أو السلاح، كررت أميركا وأصدقاء سورية الاعتذار المرة تلو الأخرى، وكل ما سمح به من سلاح كان لإعادة التوازن لا لكسره وإسقاط النظام. إذاً رؤية المعارضة فشلت كذلك، وها هي البلاد بخراب عميم وبقتل كارثي وبجهادية متعاظمة وبتدخل إقليمي ودولي، ولكن ليس لجهة إسقاط النظام بقدر ما هو للإمعان بتشويه الثورة، وتدمير سورية كدولة إقليمية. المسؤول الأول عن كل ذلك النظام وحلفه المقدس.

الرؤية التي لم تتفعل ولم يحسب لها حساب، وبقيت أسيرة عبر صفحات التواصل الاجتماعي أو صفحات التنسيقيات أو الاعلام البديل وبعض المتحدثين على الإعلام، هي التي تنطلق من الثورة، وتتصدى لمشكلاتها، وتدفع بها نحو تنظيم ذاتها، والسير بها نحو رؤية تعتمد على ذاتها بعيداً عن أي شكل من الارتهان الخارجي والإقليمي وضبط العلاقة بما يدعم الثورة ويبقي الصلة الخارجية. هذه الرؤية لم تتأصل كثيراً وبقيت أقرب للصرخات الحادة، ولم تتهيأ لها أية شروط لتنمو ولتتطور. ربما بفعل حدة التناقض بين رؤية السلطة ورؤية الائتلاف في شكل خاص وقد أصبحت حرباً، وحيث كل منهما تتبع لحلف دولي وإقليمي يتنازع السيطرة على العالم وعلى منطقتنا العربية.

بعد تجدد البيعة، وثبات التوازن وأحياناً استعادة النظام لمناطق محررة، وتبين الفشل الكامل للجهادية وللعسكرة الفوضوية وللائتلاف في قيادة الثورة، أصبح الحل وتطوير الثورة مجدداً مهمة الشعب الذي انتفض وثار وحقق الانتصارات الفعلية. الأخير راح يعقد هدناً أو أصبح لاجئاً ومشرداً وجائعاً ولكن كذلك هناك مناطق وقوى وكتائب أقرب للوطنية. هذه هي التي يمكن لها أن تجذر الثورة مجدداً وتعيد لها وجهها الشعبي. الشعب الثائر هذا ثار لأسباب تخص حياته العامة وبرغبة الخلاص الكلي كما تونس ومصر، وبالتالي وبعد كل الفشل لا بد من استعادة المبادرة.

هذا غير ممكن من دون أن ينظم الشعب نفسه، في الداخل وفي الخارج. هذه الخطوة هي الجديدة عن التونسية والمصرية. أن ينظم نفسه ضمن النقابات والاتحادات ومختلف أشكال الروابط وأن تمثل هذه في المجالس الحلية والمدينية وأن تشكلها بنفسها. بحدوث ذلك وبدعم من قوى سياسية مستقلة وتقيم صلات ندية مع العالم، سيكون بالإمكان تطوير الثورة مجدداً. وحين تطرح مبادرات جديدة للحل، فإن وجود هذا التنظيم سيدعم نجاحها، فهي ستنظم كافة شؤونها وكأنها مؤسسات للدولة، وبالتالي تنهي فصل السيطرة العسكرية والأصولية على البلدات والمدن، وتضع حدوداً فاصلة بين دورها ودور الفصائل المقاتلة. لا شيء يمكن أن يحدث فرقاً دون ذلك التحديد.

النظام ضعيف ولكن الجهادية التي تحاربه تشوه الثورة وتدمرها، ليس أمام العالم بل وأمام الحاضنة الشعبية التي قامت بالثورة. وهي تختلف مع الثورة بأهدافها، ورغم صدور ميثاق شرف وبعض الرسائل المهمة كاعتماد فصائل درعا القانون الدولي أثناء الحروب، فإنها لا تزال بعيدة من أهداف الثورة وعرضةً للتحكم الخارجي والتحول نحو الأصولية. إنهاء كل ذلك، وبعد كل الخراب غير ممكن من دون رؤية مستقلة للثورة كثورة شعبية ساعية لإسقاط نظام شمولي وإفقاري. وهذا سيتيح للمجتمع الثائر إعادة تشكيل ثورته مجدداً والضغط الكامل على النظام كي يقدم تنازلات، وربما سينهار حينها.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى