صفحات الثقافة

“رابطة الكتّاب السوريين” تعيد الاعتبار الى كرامة الكاتب السوري


للمشاركة في الثورة لأن الواقع الثقافي الجديد يولد في شوارع الحرية

عمر الشيخ – دمشق

تقلص دور المؤسسة الثقافية الرسمية، ممثلةً في “اتحاد الكتّاب العرب”، منذ اندلاع الاحتجاجات وأصبحت محصورة في تبني مواقف جاهزة، الأمر الذي جعل الكثير من أفرادها يتخلون عن انتمائهم الهزلي ويشعرون باستياء واضح جراء تهميشهم الواقعي عن المشهد. من هنا جاءت فكرة إنشاء “رابطة الكتاب السوريين” لدعم حركة التغيير، بالتوازي مع اقتراح تشكيل هيئات خلاّقة ضمن الرابطة تختلف كلياً عن البنية الروتينية التي طبعت نماذج الهياكل الإدارية المعهودة.

تشدد الرابطة في بيانها التأسيسي الذي أصدرته قبل فترة وجيزة، على أنها ثقافية حرة، عضويتها متاحة لكل الكتّاب السوريين من مختلف التيارات الأدبية والفكرية الراغبين في أن يكونوا أعضاء فيها. وهي مفتوحة لكتّاب عرب بمن فيهم كتاب عربستان، وغير عرب مساندين للشعب السوري كأعضاء شرف. الكتّاب الفلسطينيون ممن يقيمون في سوريا يتمتعون بالعضوية الكاملة في الرابطة، وينطبق عليهم ما ينطبق على زملائهم من الكتّاب السوريين. وتتطلع “رابطة الكتّاب السوريين” الى أن تكون “حاضناً لتفاعل التيارات الأدبية والفكرية المختلفة التي تزخر بها الحياة السورية، وإلى أن تكون إطارا عمليا لنقد وتفكيك ثقافة اللون الواحد التي كرّسها استئثار حزب البعث الحاكم بالسلطات المادية والرمزية وسلوكه الشمولي الإقصائي الذي تجسد في “اتحاد الكتاب العرب” كما جاء في البيان التأسيسي على موقع الرابطة.

أفق حقيقي

الشارع السوري، الغالبية الساحقة منه مشغولة بتأمين لقمة العيش والتدفئة والتأمين على حياة الأبناء. لكن هذا لا يجعل القائمين على الرابطة في حلٍّ من دورهم الثقافي الطليعي في هذه المرحلة الفاصلة، حيث تعتقد الكاتبة السورية ريما فليحان أن ظهور هذا البديل الثقافي كان حتمياً، بغض النظر عن حال الشارع: “إن رابطة الكتاب السوريين هي البديل من الاتحاد القائم المقيّد بحدود النظام، الذي لا يوفر أفقاً حقيقياً للكتّاب السوريين، ولا يمثل الروح الفكرية الضرورية لرعاية الإبداع والمبدعين لأنه مقيّد بفكر النظام وخطوطه وسياساته”. تضيف: “الرابطة هي النواة الثقافية الحقيقية لعمل حقيقي نحتاجه في سوريا الجديدة”.

يعتقد الباحث والناقد السوري حسان عباس أن كل شكل من أشكال التنظيم المدني الحر جيّد ومرحَّب به. كل وقت يظهر فيه هو وقته لأننا تأخرنا كثيراً في بناء الروابط والتنظيمات الحرة: “لا يُنتظر من أي تنظيم مدني يظهر في سوريا أن يأتي مولوداً كامل البنية، فغياب فضاء المواطنة وتشوّه المجتمع المدني لا يسمحان بولادة تنظيمات صحيحة. ما يهم الآن هو تشكيل أكبر عدد من التنظيمات المدنية ولو كانت متعثرة، أما عن فائدتها للكتّاب والأدباء فهي مفيدة بقدر ما تكون ديموقراطية في بنيانها وفي آليات عملها. وحدهم أعضاؤها سيكونون قادرين على جعلها ديموقراطية”. ربما هي علاقة جدلية بين المؤسسة وأعضائها، في اعتقاد حسان عباس، فهم يعطونها روحها وهي تعطيهم قوتها.

رفض التبعية

من جهة أخرى، يعتبر الشاعر السوري طه خليل أن أساسية هذه الرابطة يجب أن ترتكز على رفض كل أشكال التبعية السياسية، وهذا ربما كان شبه مستحيل قبل عقود من الآن، وذلك بسبب ما تجذَّر من تركيبة سياسية تعمّقت في صلب الحياة الثقافية، فالرقيب والخوف والانتقاد جوانب لا تفارق مخيلة الكاتب السوري في الداخل: “ليس المهم أن تحقق رابطة الكتاب السوريين نقلة للكاتب أو مكانة. المسألة كلها عبارة عن رفض لأدوات السلطة القائمة، كما أعتقد، فهي وجدت كسبيل لاتحاد كتاب العرب الذي تناوبت عليه وفيه مجموعات من السلاطين والديناصورات الأمية”. يضيف على سبيل النكتة: “هذه الرابطة مثلاً لا تطالب العضو الذي يود الانتساب إليها بورقة “لا حكم عليه”. وهذا جيد، ثم ما هذه المكانة التي ستحققها الرابطة للكاتب؟ هذه ذهنية تسولية، الكاتب هو من يرتقي بالروابط وبالاتحادات وليس العكس”.

ترى الشاعرة السورية قمر صبري الجاسم، وهي عضو في “اتحاد الكتّاب العرب”، أن الاتحادات والنقابات والروابط التي تتوالد وتنشأ غير مهمة إذا كان الكتّاب في الأصل غير مترابطين ومتحدين في دواخلهم، “فقد يكون أحدنا ضد نفسه في حالات كثيرة فيثنيها عن السعي والمحاولة والمبادرة والكتابة والقراءة والمتابعة بسبب الكسل أو الخوف أو الاتكالية”. تضيف: “عندما لم أجد رابطة أو اتحاداً يقبلني أسست عام 2004 أول نقابة شعرية من نوعها في العالم عبر ديواني “للعاطلين عن الأمل”، وكتبت فيه كل ما يمليه عليَّ ضمير قلمي. تعرضتُ حينها لانتقادات كثيرة ليس أولها أنني كتبت في موضوعات تهم الرجل. كأن هناك تصنيفاً للموضوعات بين الرجل والمرأة”. تؤكد الجاسم أن هناك العديد من المشكلات علينا التخلص منها لنقتنع بأن أي مجموعة ولو من شخصين يمكن أن تكون فاعلة ومنفعلة وتؤدي إلى التطور الطولاني وتساهم في الوقوف أمام الغزو الثقافي الذي تحدثنا عنه مراراً وتكراراً، على أن يقتنع الاثنان أن أحدهما مكمّل للآخر ولا ينجح أحدهما عندما يلغي الآخر أو يُقصيه: “لست ضد أي مبادرة لأي تكافل ثقافي وتكتل ثقافي لأننا جميعاً ننتمي إلى مجتمع الكلمات. ليتساعد الجميع، كلٌّ من مكانه، لتفعيل دور المثقفين على ألا تتحول تلك المجموعات التي تنشأ هنا وهناك معسكرات لحروب ثقافية من نوع مختلف”.

يرى الشاعر والناقد السوري أديب حسن محمد أن مكانة الكاتب تتعلق بطبيعة المؤسسة التي ينتمي إليها لا العكس، فهي تصدر له دعماً معيناً للفضاء الفكري حتى يكون ما يريد في إنتاجه الخلاّق: “يمكن أي رابطة تقام على أسس وطنية أن تحقق للكاتب السوري أشياء وأشياء، لعل من أهمها استرداد كرامته المهدورة، وإعطاء المنسيين منهم والمغضوب عليهم والضالين مكانتهم التي يستحقونها نتيجة أعمالهم من دون النظر إلى مواقفهم السياسية، أو قربهم من المؤسسات الثقافية الغارقة في الفساد أو بعدهم عنها. ولأن أي رابطة للكتاب السوريين ستقارَن في الضرورة باتحاد الكتاب العرب، فإن المقارنة ستكون في غير صالح اتحاد حسين جمعة بكل تأكيد، لأسباب يعرفها كل الكتاب السوريين”. أما عن سؤال التوقيت والبنية، فيرى أن الديباجة التي طبعت البيان التأسيسي لهذه الرابطة يدل على مضمونها وهي في حاجة لفرصة حتى تظهر ملامحها: “من المبكر الحديث عن بنية الرابطة ببساطة لأنها رابطة حديثة التأسيس وقابلة للتحول والتبدل إذا كانت ديموقراطية ومنفتحة كما تدعي”.

“مآثر” اتحاد الكتّاب

الكاتب والصحافي السوري محيي الدين عيسو، يحمّل “اتحاد الكتّاب العرب” تبعات الهبوط في البحث عن مؤسسة بديلة تضمن حضور الكاتب السوري بجدية من دون منغصات محيطة يمكن أن تؤثر عليه لمجرد خروجه عن منطق القطيع في التعامل مع المؤسسة الرسمية، فيؤكد أن الاتحاد اعتمد كثيراً على مبدأ “الخيار والفقوس” مع الكتاب والمثقفين، وبقي يسكت على كل المظالم التي تعرض ويتعرض لها منتسبوه: “لا جدل حول بنية رابطة الكتاب السوريين وتوقيتها، فهذه الرابطة جاءت كأحد المشاريع التي يمكن في المستقبل أن تضم كل الكتاب والمثقفين السوريين ومن مختلف الألوان والأطياف، وهي أحد إنجازات الثورة السورية، التي ولدت وستولد الكثير من المشاريع الهادفة إلى إعادة الثقافة والصوت السوري الخلاّق إلى مكانه الطبيعي”.

يتفاءل بعض الكتّاب السوريين ممن لم يرتبطوا بـ”اتحاد الكتّاب العرب”، بوجود مؤسسة جدية كهذه، تواكب التغييرات التي تعيشها البلاد، تلحق بركب الشارع ، وهي الآن في واجهة الحدث تبحث عن بوصلة جغرافية وثقافية ترتبط بغاية تحرير بنية المجتمع الفكرية المصادَرة.

موقع رابطة الكتاب السوريين على الإنترنت:

http://www.syrianswa.com

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى