صفحات المستقبل

#راعي_الأسد

روجيه عوطة

هنيئاً لبطريرك أنطاكية وسائر المشرق لقبه الجديد، الذي أعطاه إياه المغردون في “تويتر” على شكل “هاشتاغ”: #راعي_الأسد. هنيئاً لمار بشارة بطرس الراعي تعيين نفسه حافظ نظام بشار الأسد وحارسه. هنيئاً له الوقوف، ومثلما ظهر في صورته التي انتشرت في مواقع التواصل الإجتماعي، على منبر القتل المقترف بحق السوريين منذ 2011 حتى الساعة.

هنيئاً له التكلم وقد تقدم وجه الطاغية على وجهه، لا سيما أن العبارات، التي كتبت في الملصق المعلق في عرض المنصة، أشارت إلى أن “سيادة الرئيس” هو الله وقد حمى سوريا. هنيئاً للراعي أسده، وللأسد راعيه، هنيئاً للأول “مشاركته ومجزرته”، وللثاني “شركته ومحبته”. هنيئاً للأول برميله، وللثاني كنيسته، للأول أبده، وللثاني، ملكوته.

الصورة ضليعة وشديدة في قولها. الطاغية هو بعدها الأساس والأكبر، وقد برز فيها مرتدياً بزته العسكرية، ولابساً نظارته الشمسية السوداء، وواضعاً إصبع يده على فمه كما لو أنه يحدق أو ينصت لأمر ما. خلفه، البطريرك ينظر عبر عدستيه الطبيّتين في نحوٍ لا تحدده عيناه. وفي الوقت نفسه، يبتسم، وخلفه باقة من الورد الأصفر والأبيض.

بالتالي، يبدو الأسد كأنه يصغي إلى الراعي مقيماً كلامه، وكأن الراعي يتكلم على مسمع الأسد ويحتفي به. ذلك، في وقت ظل رأس الكنيسة يتداخل مع ظل رأس النظام.

فظل الراعي خرج من ظل الأسد، وسبق الراعي نفسه إلى المنصة، وما وقوف البطريرك بين الميكروفون والباقة سوى محاولة لتجسيد المتقدم عليه ولملء رجائه. في النتيجة، يظهر البطريرك كأنه اعتلى المنبر لكي لا يترك ظله بدونه، ولكي يثبته، ويؤكد حضوره فيه. هذا الظل هو اختصار علاقة الراعي بالأسد، وصلته بمقولة “حماية الأقليات”، التي لطالما لوح النظام البعثي بها من أجل أن يستكمل إبادة معارضيه أينما حلوا.

وهذا الكنف هو شكل من أشكال نفي السوريين، وغض الطرف عن قتل واعتقال وتعذيب مئات الآلاف منهم على مرأى العالم المؤبد. وهذا الكنف، ولأن الراعي أوجده وقرر الإنوجاد فيه، قد يتحول، في المقبل من الأيام، إلى ظلمة، يغرف فيها المنتمون إلى صرحه. مثلما أنه، وهنا مكمن معناه، علامة على أن مطلب “فصل الدين عن السياسة” ليس دقيقاً هنا. فالسياسة تكشفت عن كونها تأليف للمجزرة، مثلما كشفت عن كون المؤسسة الدينية وتأويلاتها الرسمية محرك من محركاته، أو بالأحرى، نظيرة من نظيراتها.

بعد تحويلهم الخطابي إلى نوع مهدد ونادر ولا علاقة له بالإجتماع الذي يعيش فيه، ها هو الراعي يسلم المسيحيين إلى الأسد، ويجعل وجودهم برهاناً على حماية النظام القاتل لهم، وبالتالي، دليلاً على شرعيته العالمية. وقد بدا فعله هذا منظراً مبتذلاً، كأن الراعي مجرد عضو من أعضاء القيادة القومية في “حزب البعث العربي الإشتراكي”، يخطب في حفل الذكرى الخامسة والأربعين للـ”الحركة التصحيحية المجيدة”، وبحضور رفيقه الأمين القطري. #راعي_الأسد، صحيح، لكن، الأسد هو #راعي_الراعي أيضاً.

غرد أحد المستخدمين في “تويتر” بما معناه: “هل انتظرتم الصورة كي تروا؟!”. وبالفعل، الصورة ليست بداية إعتلاء البطريرك للمنابر الأسدية بل إنها دوامه، الذي لم يظهر على هذه الغثاثة من قبل. كما أنها، وفي إثر شدتها، اختزال لمشهد بأكمله، مشهد التعاون في التخلص مما تبقى من السوريين، ومما تبقى من المسيحيين. لقد تكلم البطريرك في أبرشية اللاذقية  عن  “البطولة المشرّفة التي قد يقوم بها الانسان وهي بناء السلام ونبذ العنف واحترام حقوق الانسان”.

لفظ هذه العبارات في حين كانت ملصقات مدمر سوريا وقاتل السوريين معلقة أمامه، ومن حوله، ومن كل جوانب ظهوره. لا، بشار الأسد ليس “الله” فقط كما يشير ملصق المنبر، بل أنه، وكما يحيل كلام الراعي، ذلك “الإنسان” أيضاً. مجد النظام العالمي قد أعطيّ له، وشركته مجزرة، ومحبته أبد!

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى