رحيل الأسد في بداية الحل أم في نهايته؟
أسعد حيدر
نجحت روسيا في جعل الحل في سوريا مستحيلاً من دون موافقتها، على الأقل هذا ما يؤكده الروس يومياً. هذا النجاح يؤكد حضور موسكو، لكنه يبقى ناقصاً وبمردودات سلبية، إذا لم تنجح موسكو في تحويل هذه السلبية إلى إيجابيات ترفع من منسوب رصيدها الدولي. لذلك، فإنّ على موسكو كما تؤشر قوى متعاطفة مع موسكو وحتى مراكز أكاديمية روسية أن تقدم “خطة بنّاءة تنظّم عملية نقل السلطة في سوريا سلمياً”.
لن تقدم موسكو حالياً على مثل هذه الخطوة إعلامياً، رغم كل الحوافز المطروحة أمامها. من الواضح أنّ الوقت هو وقت المباحثات والمفاوضات الجدّية مع واشنطن. سوريا في مقدّمة جدول الأعمال. قائمة الملفات غنيّة وطويلة وهي تبدأ من سوريا وتصل إلى القوقاز والأمن فيه الذي يبقى مسألة استراتيجية بالنسبة للروس الذين يطالبون بأن توقف قوى ودول إسلامية وعربية تمويلها للمجموعات الإسلامية المتطرّفة خصوصاً في الشيشان. تحوُّل سوريا ومستقبل النظام الأسدي والرئيس بشار الأسد إلى ملف ضمن الملفات الكثيرة المطروحة على طاولة المفاوضات بين الرئيسين فلاديمير بوتين وباراك اوباما، يعني أنّ مرحلة جديدة يجب أن تبدأ. العقدة تبقى في ماذا تغطي وماذا تأخذ. كل شيء بحساب، الملوك يحققون المكاسب، والبيادق والأحصنة والقلاع هي الخاسرة.
مجزرة سورية زائد مجزرة، لن تُقنع العالم بأنّ النظام الأسدي قوي ومتمكِّن، خصوصاً الروس الذين يعرفون أدق التفاصيل الصغيرة في تركيبة النظام الاسدي، وفي يوميّات المواجهات من الحدود التركية لسوريا إلى الحدود العراقية فالأردنية فاللبنانية. بالعكس قد تجبر بوتين واوباما على الإسراع في الاتفاق النهائي، المؤجّل توقيعه إلى ما بعد انتخاب باراك اوباما رئيساً لولاية ثانية. من الطبيعي بالنسبة لبوتين التوقيع مع رئيس مُنتخب على التوقيع مع رئيس مُرشح. لكن حتى ضمن هذه المعادلة الطبيعية، يمكن للواقعية السياسية أن تفرض شروطها، فتجعل من الاتفاق حول سوريا مقدمة إيجابية تؤكد حُسن النوايا. ما يدعم ذلك، أنّ بوتين يشعر بالانعكاسات السلبية في العالمين العربي والإسلامي نتيجة لتشدّده، لذلك يتم تسريب بعض هذا التوجّه عبر المراكز الأكاديمية النشيطة من نوع: “على روسيا أن توجّه إشارة واضحة إلى الأسد بأنّها فعلت الممكن، وأنّ توسُّل الأسد استخدام القوّة المفرطة لفرض الأمن قد أفقده مشروعيته”.
طبعاً، إذا ما أخذ بالظواهر، فإنّ موسكو لن تقبل إلا ببقاء الأسد إلى الأبد مع “حليفتها” إيران. المظاهرات والمناورات العسكرية في البحر المتوسط وفي ميناء طرطوس تتوالى، وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية، يقدّم نفسه في كل المداخلات وكأنّه وزير خارجية الاتحاد السوفياتي. لكن وراء كل هذا هناك هدف مؤكد هو التوصّل إلى تسوية سياسية مع الولايات المتحدة الأميركية. “القيصر” فلاديمير بوتين يعرف جيداً أحجام قوّة روسيا وحضورها في العالم. قد يتغيّر الأمر بالتحالف مع الصين خلال العشرين عاماً المقبلة لكن من الآن وحتى ذلك الوقت لا يمكن اللعب خارج المعادلات القائمة. لذلك في قلب كل هذه المناورات يجب قراءة ما كتبه سيرغي لافروف في صحيفة “هافنيغتون بوست” الأميركية بعناية شديدة، خصوصاً وأنّ المقال يشكّل “خريطة طريق” روسية للوضع وللحل في سوريا قد لا تكون متكاملة لكنها بداية جيدة.
المقدّمة الأولى “للخريطة” تؤكد “أنّ سوريا ليست شريكاً اقتصادياً أو تجارياً أساسياً لروسيا، وأنّ موسكو “لا تدافع عن النظام”، وأنّ الذين يقولون إنها تريد إنقاذ بشار الأسد مخطئون، لكنها ترفض صوغ واقع سياسي اقليمي جديد عبر دعم المعارضة السورية المسلحة. أيضاً وهو مهم في هذه المقدمة، “أنّ موسكو تعرف أنّ المسؤولية الأساسية عن الأزمة تعود إلى الحكومة السورية التي فشلت في اتخاذ مسار الإصلاح في الوقت المناسب. انطلاقاً من ذلك، فإنّ الهدف هو:
[ وقف النار لوقف نزف الدماء.
[ إطلاق حوار سوري سوري جامع يهدف إلى التفاوض على معادلة تسوية سلمية.
[ احترام سيادة سوريا.
الخلاصة الطبيعية لكل هذه الخريطة أنّ المسألة بين روسيا والعالم هي: هل يبدأ الحل برحيل الأسد أم ينتهي الحل برحيل الأسد؟
يبقى أن موسكو تعمل على مراعاة “حليفتها” إيران. ويؤكد لافروف أنّ “إيران مستهدَفة من خلال تغيير النظام في سوريا”. طبعاً في ذلك الكثير من الواقعية السياسية. سقوط النظام الأسدي يُبعد إيران جغرافياً عن فلسطين ويحصرها في الزاوية الايديولوجية. لذلك في وقت تجري فيه مباحثات مجموعة “الخمسة زائد واحد”، يجب منح إيران بعض المكاسب والضمانات، لأنّها تملك القوّة لتخريب الحل. إصرار موسكو على وجود إيران في المؤتمر الدولي الذي تُزمع عقده حول سوريا في موسكو، جزء من هذه العملية. وجود إيران في مثل هذا المؤتمر يشكّل “جائزة ترضية” يمكن تقبُّلها غربياً. اتصال موسكو وتواصلها مع “حزب الله” أساسي في تقديم الضمانات لإيران، بأنّ الحزب ليس مُستهدفاً من التغيير.
من الآن وحتى يُعقد المؤتمر الدولي في موسكو حول سوريا أو يقع التفاهم الروسي الأميركي، فإنّ التصعيد الميداني سيكون سيّد الموقف في سوريا.
المستقبل