صفحات الثقافة

رحيل سعيد عقل: مقالات مختارة

 

 

 

 

سعيد عقل «شاعر لبنان» جدّد الشعر العربي وصنع حداثته/ عبده وازن

عاش سعيد عقل قرناً بكامله هو القرن العشرون، عاشه وكأنه قرنه، هو الشاعر الكلاسيكي المجدّد الذي لم يتخيّل القصيدة يوماً، خلْواً من عروض الشعر العربي ومن جماليات البيان والبديع التي حفل بها تراث الأقدمين. شاعر كبير، هو بلا شك آخر الكلاسيكيين الكبار بعد رحيل روّاد النهضة، أحدث ثورة في شكل القصيدة العمودية وفي اللغة الشعرية العربية التي أدرك أسرارها باكراً وتمرّس فيها حتى أخضعها صوغاً وسبكاً، فغدت بين يديه كالذهب الخالص بين يدي الصائغ الماهر

عاش صاحب «قدموس» في قلب القرن العشرين وخارجه في آن، لم تؤثر فيه الثورات الثقافية والشعرية التي شهدها هذا القرن ولا الحروب ولا المآسي. حتى الحداثة لم يعرها كثير اهتمام وظلّ يصرّ على عدم شعرية قصيدة النثر. كان شاعراً كبيراً مكتفياً بذاته، بذائقته الأصيلة التي طالما تغذّت من منابت الشعر العباسيّ والقرآن و»نهج البلاغة» وعيون المصنّفات الأدبية التراثيّة، ناهيك عن الشعر الكلاسيكي الفرنسي، وقد دفعته حماسته لهذا الشعر أن يكتب قصائد بالفرنسية، موزونة ومقفّاة. أما قصائده الأخيرة التي نشرها في ديوانَين هما «شرر» و»نحتٌ في الضوء» (2000) ففاجأت قراءه وحتى مريديه، نظراً إلى طابعها العربي الصرف، وفيها استعاد ما يسمى «الفحولة» الشعرية والبطولة وصليل السيوف. وأثبت الشاعر في هذين الديوانين أنه شاعر اللغة العربية بلا منازع، على رغم دعوته إلى تبنّي اللغة اللبنانية المحكية وإلى كتابتها بالحرف اللاتيني، ومشروعه هذا لم يلقَ رواجاً أصلاً ولا صدى.

سمّي سعيد عقل «شاعر لبنان» ومثّل بحق صورة الشاعر الذي يبشّر بوطنه، وطن الأرز، أرض فينيقيا، وموئل الحضارات والبطولات والأساطير. وكتب في هذا الحقل نصوصاً كثيرة، منها كتابه الشهير «لبنان إن حكى». لكنّ لبنان سعيد عقل لم يكن واقعيّاً ولا حقيقيّاً إن جاز القول. كان لبنانه مثالياً، مغالياً في خرافيته. وكانت رؤية عقل إلى لبنان موضعَ خلافٍ وسجالٍ بينه وبين شريحةٍ كبيرة من اللبنانيين الذين اختلفوا معه حول هويّة الوطنِ وتاريخه. ولم يبالِ شاعرنا يوماً بخصومه كما بنقّاده الذين شنّوا عليه حملات سياسية وفكريّة. بل هو لم يتراجع عن مبادئه اللبنانية يوماً، ما خلا مواقفه الحادة التي أعلنها مطلع الحرب الأهلية وهي وصفت بـ «الشوفينية».

كان كثيرون من عشّاق شعر سعيد عقل يتمنّون لو أن شاعرهم لم يخضْ غمارَ السياسة ولم يغرقْ في وحولها. شاعرٌ لبنانيّ ارتقى باللغة والشعر العربيين إلى أرقى مصافِ الجمال والرفعة هو أكبر من أن ينزل من عليائه إلى متاهة السياسة اللبنانية. لبنان الحلم لا يمكنه إلاّ أن يظلّ حلماً في مخيّلة الشاعر، أما لبنان الواقع فأمرٌ آخر. لبنان «قدموس» ليس سوى لبنان الخيال، ولبنان القصائد الجميلة هو لبنان الشعر الطالع من عمق الوجدان. لكنّ شاعراً من طينة سعيد عقل كان يصعب عليه أن يظلّ على هامش السياسة ولو كان يعلم أن أفكاره السياسيّة ستكون كلفتها باهظةً، وستثير نقمةَ خصومه، العروبيين بخاصة.

شاعر متفرّد بنفسه في ما كتبَ من مسرحيّات شعرية وقصائد متعددة الأشكال والبنى، بالعربية الفصحى الجليلة أم بالعامية. شاعر يعصى على التصنيف في قلب عمارته الرحبة الأرجاء، كلاسيكي ونيو كلاسيكي، رمزي وبرناسيّ، رومنطيقيّ ولكن على طريقته، غنائيّ ولكن بلا جرح ولا ألم ولا حزنٍ وشكوى. ومعروف أن شاعرنا كان يأخذ على الشعر نزعته البكائيّة، مائلاً إلى أحوال الفرحِ والحبور. كان سعيد عقل كلّ هؤلاء الشعراء، ولم يكن إيّاهم. نسيج وحده وصنيع مدرسته الجمالية التي كان فيها المعلم والمريد في آن. ترك شاعر «رندلى» أثراً بيّناً في شعراء جايلوه وشعراء جاؤوا بعده. وكان على شعراء الجيل الأول من الحداثة العربية أن يواجهوا شعريته ويتمرّدوا عليها ليفرضوا من ثمّ ثورتهم. لكنّ سعيد عقل صنع حداثته الخاصة، حداثته النهضوية، الموسيقية والإيقاعية، حداثة الشكل الكلاسيكيّ والنظام المضبوط والصورة الخلاّقة والمجاز… أشعلَ في القصيدة العربية نار التحديث، فنقّى اللغة من شوائبها وزوائدها، وتخطّى وحدةَ البيت الشعري إلى وحدةِ البنية الكليّة، وتلاعبَ بالبحور والقوافي، مائلاً إلى البحور القصيرة ومازجاً بين إيقاعات عدة في القصيدة الواحدة.

كان سعيد عقل شاعرَ المجد والعظمة، شاعر الحبور والفرح، شاعر الطمأنينة والخلاص، شاعر الغزل العذريّ والحب الصافي الذي لا تشوبه شائبة ولا خطيئة. كتب عن المرأة حبيبةً وأختاً وأمّاً ولم يقربِ البتّة من إباحية الإباحيين. ولعل هنا تكمن فرادته وخصال شعره الغزلي الذي كتب فيه دواوين أبرزها «رندلى» و»أجمل منك لا».

مات سعيد عقل بعدما عاش قرناً. والظنّ غالب الظنّ، أنّ قراءته ستبدأ اليومَ بعد رحيله، بعد رحيل الأسطورة الكبيرةِ التي كانها.

يُصلى على جثمانه الساعة 11.30 صباح الثلثاء المقبل في كاتدرائية مارجرجس المارونية في وسط بيروت، ثم يوارى في مسقطه زحلة.

 

 

الشاعر على منصّة العالم/ عباس بيضون

لا أعرف كيف يمكن لسعيد عقل أن يطيق الموت. انه لحظة حقيقة، الأرجح أن سعيد عقل ظل يتفاداها. سعيد عقل لم يكن في يوم إلا تحت الأنظار. لا بد أنه حتى في وحدته كان يتصرف كرجل تحت الأنظار. يتكلم كما يجب أن يكون الكلام، يقيس صوته، يرفعه ويخفضه كما ينبغي أن يفعل رجل يؤدي كلامه أكثر مما يقوله. لا بد أنه كان يحرك يده ورأسه وجسده على هذا النحو. انه دائماً منظور ويتصرف كما يحب ان يرى نفسه تفعل وتتصرف. كان المعلم لكثيرين وطالما نودي بهذا الاسم، فقد كان له حواريوه وتلامذته وكان بينهم القطب والمدار و»المعلم».

كان في نظر نفسه كل شيء، الشاعر والاقتصادي واللاهوتي والعالم. وكان شاعراً بالعربية لا يجاريه في ذلك المتنبي وبالفرنسية في حجم راسين ومالراميه. هكذا كان ظن الرجل في نفسه وليس هذا بالظن فحسب، كان أيضاً بالجهر والإعلان والمواجهة. وبالتأكيد كان سعيد عقل في لبنان بل وفي دنيا العرب كلها، نادراً. إذ كان الشاعر حتى ظهوره هو على المسرح. شيئاً آخر. كان الشعر بداهة وفطرة والشاعر حالم شارد ومفطور، سعيد عقل لم يكن عند نفسه هكذا. إذا كان قال انه يفتعل الشعر ويصنّعه، فإن هذا قد لا يكون سوى صورته عن نفسه. وسعيد عقل لم يكن ليخرج قيد أنملة عن هذه الصورة، ليس الرجل الذي يخرج ما انحبس في نفسه وما تهتك في داخله، بل يمكن القول ان الشعر كان يتحد بمثاله أي اتحاد، ذلك ينطبق على الشاعر أيضاً فهو أيضاً يسمو إلى مثاله ويتكلم من عل ويتخذ مقعداً من الرفعة والاعتداد.

إن وصلنا الشعر بالحياة وفتحناه على الداخل وأنفذناه إلى اللاوعي وإلى الباطن وربطناه إلى الأسرار والألغاز فاتنا ان نجد شيئاً من ذلك عند سعيد عقل، قد لا نأخذ بكلامه عن الوعي في الشعر فقدر من شعره لا يمكن ان يكون إلا ثمرة تركيز وتحديق وقطف من التداعي بحيث يتراءى لنا أن شيئاً خلف الكلام هو الذي وصل، وإن الكلام الذي يشعشع ويتمور ويتألق ليس من صنع الإرادة ومن خطرات الوعي الصافي، بعض شعر سعيد عقل وبعض أبياته من نعم الحدس ونفاذ النفس المروسه والحس المضغوط إلى آخره. بعض أبياته لا يجري عليه نظره في الشعر. لكن هذا شأن كل الشعراء فشعرهم يسبقهم ويتمايز عنهم. انه نفسهم الأخرى وربما مثالهم الخفي، لكن سعيد عقل لم يكن يجد فارقاً بين الحياة والفن، إذ لا نعرف عن سعيد عقل انه كانت له حياة بالمعنى الحميم للكلمة، كانت حياته في الغالب بقدر أدائه وأخلاقه الموروثة في الغالب، والمنتهية إليه من أرستقراطية ضامرة. لم يكن لسعيد عقل حياة غير تلك الموجودة في أدائه هو للحياة، في حضوره المسرحي، فيما يجب أن يكونه وما أجمع الناس عليه. لا نعرف إذا كان أحب أو كان تهتك أو كان شطّ أو شطح؛ كل هذا الذي يشكل مراهقه المرء أو طفولته أو حتى شبابه، كانت حياة سعيد عقل هي كلامه وهي أشعاره وعدا ذلك لم تكن الحياة الحميمة حياة التجارب العارمة حياته. هكذا مر سعيد عقل على الحياة كما لو كانت منصة وعبرها كما لو كانت مسرحاً، وأداها كما لو كانت قصيدة الشعر، نعم هو حياة سعيد عقل، لربما كان الأول بين شعراء جيله الذي فكر بالشعر عميقاً حتى جعله فكراً قبل كل شيء. لربما كان الأول بين لداته الذي نظَّر وشغفه التنظير حتى باتت له نظرية في كل شيء، المفارقة ان سعيد عقل كان المثقف الذي سبق انداده بدون أن تكون له عصابية المثقف ولا توتره ولا تأزمه. هذه كلمات كان سعيد عقل يأباها. ذلك انه كان عند نفسه قريباً من إله يبدع، ولا ينفك يبدع دون أن يكون لهذا الإبداع ثمن باهظ أو أليم.

سعيد عقل مفصلي في شعرنا والأرجح أن الشعر الحديث خرج على نحو ما، من معطفه وان شعره كان منعطفاً لولاه لما كنا هنا اليوم، لكن الشعر الحديث إذ يخرج من عباءة سعيد عقل يبقى فيه أثر من هذه الولادة لا نقول انها تميته ولا نقول انها تحييه، بل نظل نتذكر سابقه سعيد عقل ونحن نرى هذا الشعر يتخبط أو يخرج من تخبطه.

سعيد عقل الجميل، المحافظ، مع مثاله الريفي وأحلامه القومية، مع كل شطحه. هو بالتأكيد نبتة رائعة من هذا البلد الذي يتهدم الآن والأرجح انه لم يشعر بهذا الدمار، فسعيد عقل لا يرى إلا ما يريده وما يهواه.

 

 

أُمويُّ الهوى/ فوّاز حداد

منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، كان السوريون على موعد مع سعيد عقل كل عام، يحضر غالباً من خلال فيروز. الكثيرون ترسخ الموعد في ذاكراتهم مع افتتاح “معرض دمشق الدولي” السنوي، وكان موقعه على مقربة من جسر فكتوريا والتكية السليمانية بجوار المتحف الوطني، يخترقه نهر بردى، النوافير ترشق الماء مضمخ بالألوان، صوت فيروز يسري في الليل الدمشقي، والنسيم الرقيق العليل المعطر برذاذ الماء يداعب الوجوه.. وسائليني يا شآم.

أكثر ما يجلب النظر في سعيد عقل، هو الشاعر نفسه، والتساؤل عن مدى سيطرته على شعره، هل ينقاد الشعر للشاعر، أم ينقاد الشاعر للشعر؟ تناقضات سعيد عقل أكثر من أن تحصى، فصاحب الدعوة للعامية اللبنانية والكتابة بالحرف اللاتيني، التي وصفها باللغة الحية، قطع صلته بالعربية “اللغة الميتة” كتابة ولفظاً. ضاق بالحزب القومي السوري الذي اتسع للبنان وسوريا وفلسطين والأردن، ولم يجد ملجأه إلا في لبنان الفينيقي كارهاً العرب.

غير أن الشاعر الذي رفض العربية والعروبة والإسلام، كتب بالعربية الفصحى بعض أجمل شعرها. كان هواه شآمياً. أحب دمشق وتبادلا الخلود، خطَّه على صفحاتها، فارتفعت بشعره إلى سماوات، قلَّ من ارتقى إليها.

لا يمكن فهم سعيد عقل على أنه جزء من تناقضاتنا، وإنما على أنه توق إلى العظمة أينما وجدها، فأخطأ وأصاب، أخطأ في تصريحاته، وأصاب في شعره، ولم يكن انحيازه إلى الأمويين، سوى انحيازه إلى المجد وولعه به. كانت الدولة الأموية التي وصلت بفتوحاتها إلى الهند، وأنشأت حضارة سامقة في دمشق، وحطت رحالها في الأندلس. وجد فيها أيقونة التاريخ الإسلامي والمجد العربي التليد، فتبدى هواه الأموي صداحاً في شعره.

العنصري اللبناني، عدو العرب… لم يكن الشاعر نفسه إزاء التاريخ، الذي من فرط ما أخلص للشعر، كان شعره أكبر منه، لم يكتبه في سهوة ولا غيبوبة، بل في صحوة وفي أقصى تجلياته، لا يخرج شعر بهذه العظمة إلا من النفس، شعر صاف نقي، يشف عن الروح، كان الأصدق.

لا نبرر للشاعر، الشعر يبرّئه. “شآمُ… لفظُ الشـآمِ اهتَـزَّ في خَلَدي كما اهتزازُ غصونِ الأرزِ في الهدُبِ”. شآم… كانت تهزّ وجدان السوريين في أرجاء سورية كلها، كان المستقبل مشرقاً وواعداً.

اليوم، ومنذ أكثر من ثلاث سنوات يسمعونها وتغرورق الدموع في عيونهم… سوريا خراب وقبور ومواكب شهداء. لو أن الذين يقصفونها بالمدافع ويدوسونها بالدبابات، يحبونها، لما أطلقوا رصاصة واحدة.

 

 

ما يُتذكّر منه وما يُنسى/ أمجد ناصر

قد يكون زهير بن أبي سلمى الشاعر العربي الوحيد، في زمنه، الذي عاش أكثر من ثمانين عاماً ورأى الحياة، في هذه السنّ المتقدمة، تبعث على السأم: “سئمت تكاليف الحياة ومن يعش/ ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم”. ثم رأى المنايا تعمل على نحو عشوائي، من تصبه يمت ومن تخطئه يعش ويهرم! ولا ينسى، في معلقته الشهيرة، أن يقدّم لنا عبراً من تلك الحياة الطويلة، أبرزها كراهة الحرب والحض على السلم.

أما سعيد عقل، الشاعر اللبناني الذي رحل أمس عن عامين بعد المئة، فلم يكتب، حسب علمي، عن وطأة السنين وعِبَرها، بل تأسّى، وهو بعد فتياً، على شبابه الذي سيزول: “يوجعني أني سأمضي وشبابي… والأمل”. ورغم انقطاعه الطويل عن الكتابة، أو النشر على الأقل، فقد ظل عقل حاضراً في الحياة اللبنانية العامة.

عندما يغفل عنه أبناء “الأيديولوجيا اللبنانية”، ذات البعد الفينيقي الموغل في الحضارة والقدِم، يتذكّره فنانو الكاريكاتير ومقلّدو المشاهير بشعره المنفوش إلى الأعلى، كعرف ديك، وحركات يديه اللتين تجرَّان أزمنة المراكب الفينيقية المبحرة إلى بحار العالم ناشرة الأبجدية والقوانين، إلى لحظتنا الحاضرة، وعندما يغفل عنه أولئك وهؤلاء تتذكره حلقة أدبية صغيرة دأبت على إبقاء شعلته متقدة من خلال جائزته التي كانت تمنح، أسبوعياً، إلى قصيدة يختارها هو، أو بعض أعضاء تلك الحلقة، ولم تكن مكتوبة بـ”اللغى اللبناني” التي دعا إليها، وكتب فيها بعض نصوصه بالحرف اللاتيني، هاجراً الحرف العربي الذي كان، قبل هبَّته العنصرية في السبعينيات ضد الفلسطينيين، من سادته.

فكيف يمكن أن تذكر دمشق، شعراً وغناء، ولا يحضر سعيد عقل وصوت فيروز: “شام يا ذا السيف”، و”غنيت مكة أهلها الصيد”، و”زهرة المدائن”! بل لا يمكن تذكر بعض غزليات فيروز و”وطنيتها”، الفصيحة، من دون تذكّر سعيد عقل، الشاعر الكبير، المتناقض، الذي صعد إلى مسرح الشهرة في العالم العربي (في الديار الشامية خصوصاً) بعلاقته مع صوت فيروز، بل بالقصيدة العربية ذات البناء الكلاسيكي المتين.

بماذا يمكن أن يتذكره ديوان الشعر العربي في القرن العشرين؟ سيتذكره، على الأغلب، بوصفه شاعراً ذا بلاغة ومجاز يمزجان بين الموروث العربي والرمزية الأوروبية، الفرنسية تحديداً. سيتذكره بوصفه صوتاً فريداً في هذا الديوان لم يؤثر في إرهاصات التحديث الشعري العربي ومخاضاته التي أدت الى ولادة قصيدة التفعيلة، ثم قصيدة النثر لاحقاً؛ فهو من الذين دافعوا عن متانة القصيدة وقوة سبكها وهما ما حاولت القصيدة الشعرية العربية الحديثة تجاوزهما والانفتاح على الواقع بكل ما يحفل به من ضعف وتفاصيل يومية عادية.

لقد نُسيتْ لغة سعيد عقل “اللبناني” وهو حيٌّ. ولم تلق دعوته إلى الكتابة بحرفه اللاتيني الذي سماه “الحرف اللبناني الجديد”، فعاد وكتب، هو نفسه، بلغة العرب وحرفهم… وربما ستنسى عنصريته الفجّة ضد الفلسطينيين ويبقى منه عكس ما سعى لأن يكون!

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى