صفحات سورية

رداً على ميشيل كيلو: كُردٌ وكردستانيون/ سيهانوك ديبو

 

 

نشر الأستاذ ميشيل كيلو مقالاً له في “العربي الجديد”، في الثالث من يناير/ كانون الثاني الجاري، عنوانه سؤال: أكراد أم كردستانيون؟ وللوهلة الأولى، يشبه السؤال وكأنه وجد شيئاً يبحث عنه؛ هل وجدتها؟ ربما بالضجة نفسها التي أبداها العالم اليوناني، أرخميدس، في القرن الثالث قبل الميلاد، عندما خرج راكضاً من الحمام عارياً، ويصرخ “يوريكا.. يوريكا”، بعد أن خطرت له فكرة إيجاد حجم جسم ما، بوضعه في الماء، وذلك عندما رأى أن الماء انسكب عندما استحم في مغطس مليء بالماء تماماً. لقد وجدتها!

اليوريكا التي أطلقها ميشيل كيلو يمكن أن تكون خادمة، خصوصاً لمَن لم يكلّف نفسه الغوص في تاريخ الكرد، وكيلو بالتأكيد مُطّلع على تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وما جرى في المئة عام المنصرمة، وما أدت إليه اتفاقيات نصف أممية، أبرزها الاتفاقية المكتوبة على رمال الشرق، وسميت حينها اتفاقية سايكس بيكو في 1916، وما نجم عنها من استحداث جغرافيات بمسمّيات جديدة، استعملت أول مرة في تاريخ الشرق الأوسط، وخُصِصت وفقها لجغرافيات تم إنجازها. وعلى سبيل المثال، يعتقد المؤرخون أن لبنان لم يكن طول تاريخه اسماً لدولة، على الرغم من أنه اسم قديم، لكنه غدا بمدلولٍ على البياض والصخور الكلسية على سلسلتي جباله الشرقية والغربية. والدولة اللبنانية حديثة، لم يمض على تشكلها سوى عقود؛ على الرغم من مرور حضارات على جغرافية (الدولة) لبنان؛ مثل الآشوريين والكنعانيين والفينيقيين والإغريق والرومان والحضارة الاسلامية أيضاً. ومثل لبنان كل الدول التي استحدثت وقُسّمت إلى جغرافيات.

لم يقرأ ميشيل كيلو الإدارة الذاتية، نظرية ومفهوماً؛ بدليل أنه يصر على النظر إلى تكوينها بأنها تقسيم لسورية، وهو لا يختلف في نظرته غير الموضوعية إلى الإدارة التي أسستها مكونات روج آفا (غرب كردستان) ـ (شمال شرقي سورية): كرد وعرب وسريان وآشور… إلخ؛ عن بقية نظرائه في المعارضة التي ينتمي إليها من جسم الائتلاف، وابتداعه رؤية جديدة، اسمها الرؤية الكردية المختلفة عن الرؤية الكردستانية. وهذه النظرة، في حقيقتها، ما هي إلا بدعة مغلوطة، هي، في أحسن أحوالها، خلط لا ننتمي إليه كَكُرد، ويجب أن لا ينتمي إليه، أيضاً، أي سوري، بل من المهم أن يتأكد كل سوري أن المشروع/ الحل المتمثل بالإدارة الذاتية الديمقراطية يمثل إرادة كل المكونات في الكانتونات الثلاثة، وتتقاطع، اليوم، مع الحلول المطروحة للأزمة السورية. وفي الوقت نفسه، تتقاطع مع الرؤية الأممية، وخصوصاً في تصدي وحدات الإدارة الذاتية للإرهاب الداعشي، وأنها قد نابت في مقاومتها، وسقوط أكثر من ألفي شهيد من هذه الوحدات، عن القيم العالمية التي تنبذ مثل هذه الجماعات ذات الثقافات الغريبة عن الثقافات المجتمعية، المحلية منها والعالمية. فكيف تبدّى الأمر واختلط عليك، وتحولت هذه الإدارة إلى التقسيم؟

هل هي مصادفة أن تتزامن مقالة ميشيل كيلو مع تصريحات الرئيس السوري، بشار الأسد، وإصرارهما على النظر إلى الحق الكردي بأنه متمثل بالمواطنة والحق الثقافي فقط؟

لا تنتهي القضية الكردية عند إحقاق المواطنة والحقوق الثقافية فقط؛ وكلاهما يشكلان الجزء

المهم من الحقوق التي تمثل جوهر القضية السورية والكردية؛ خصوصاً بعد فشل كل صيغ المركزية الاستبدادية، والتي يجب أن تتبدّل باللامركزية السياسية، وهذا هو جوهر الإدارة الذاتية، وعقدها الاجتماعي في مبادئه العامة، أن مناطق الإدارة الذاتية جزء لا يتجزأ من الجغرافية السورية، والقضية الكردية حتى تحل في سورية، يجب الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي، وحقه في تقرير مصيره وفق المفهوم الديمقراطي. فكردستان ليست طارئة على الشرق الأوسط، والكُرد ليسوا طارئين على ترابها؛ وإنما هم من صنّاع حضارة الميزوبوتاميا مع كل من مر على هذه الأرض، واسم كردستان ليس جديداً كما يظنه كيلو، وإنما هي قديمة قدم هذه الحضارات، ويذكرها وول ديورانت في “قصة الحضارة”، وخصوصاً عند المعارك بينهم وبين الإسكندر الكبير. ويذكرها الطبري وابن الأثير أيضاً، وذكرها كثيرون غيرهم، ويذكرها الآن أكثر من أربعين مليون كردي، وبالتأكيد ليسوا وحدهم، في هذه اللحظات، مع جبالهم وسهولهم.

الكرد في كل أماكن سكناهم، ومن بينهم الكرد في سورية أيضاً، ينتمون بشكل كامل إلى العمق الوطني السوري، وفي الوقت نفسه، إلى العمق الكردستاني؛ فقد تم التنسيق مع بعض فصائل الجيش السوري الحر في كوباني (عين العرب)، وفي الوقت نفسه، مع القوات الكردستانية في حماية شنكال (سنجار)؛ وقد ربحنا في كوباني، وانتصرنا في شنكال أيضاً.

وفي سورية المستقبل، سيكون التأكيد على الجزء بمثابة التأكيد على الكل؛ وبالعكس تماما؛ تغييب الجزء يعني تشويه الكل؛ والحلول الناقصة للأزمة السورية ليست سوى تأجيل للتعنيف المجتمعي، وحصول المزيد على التحاجز المجتمعي أيضاً. هذه هي فلسفة الإدارة الذاتية، وهكذا نكون: كرد وكردستانيون؛ لا فرق بينهما.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى