صفحات سوريةفواز القادري

ردّا على الدكتور: أيّة سورية جميلة يعني ابو ديب؟


فواز قادري

يفتتح د. كمال أبو ديب، الناقد والكاتب المعروف مقالته المنشورة في ‘القدس العربي’

30ــ11 ‘قليلا من العقل يا سورية’ بمقولة ‘الذين يضرمون الحرب الأهلية لن يرقصوا، لحظةَ انتصارهم، إلا على أشلاء الضحايا وخرائب سورية الجميلة’.

يلخّص كاتبنا بهذا المفتتح المبني للمجهول كل حكايته المتباكية على سورية: طرفان طائفيّان يتحاربان والضحية سورية الجميلة! التي فيها ‘فقدت قوى كثيرة قدْراً من عقلها’ ودخلت في حرب طائفيّة. سيصل بنا الكاتب إلى نتيجة منطقيّة لمقدمته الخاطئة:

الصراع طائفيّ وممتدّ في التاريخ إلى علي ومعاوية، بل أكثر من ذلك يرجعنا إلى قصة سقيفة بني ساعدة! لا أعرف لماذا يريدنا الكاتب أن ندخل في متاهات التاريخ حيناً، والأنكى، إلى متاهات اللغة حيناً آخر: ‘و’الشَّعْب’ في العربية كلمة غامضة ملتبسة، لا أعرف أنها وردت في اللغة قبل الآية القرآنية ‘إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شُعوباً وقبائلَ لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم’. والذين يستعملون كلمة ‘الشعب’ الآن لا علاقة لهم بالتقوى أو بمقاييس الله في المفاضلة بين عباده. بل إنهم قد لا يعرفون معنى كلمة ‘الشعب’ فعلاً. وهي في اللغة قرينة التشعُّب والافتراق، ولا علاقة لها بالوحدة والهويّة الشاملة لجماعات مختلفة من البشر يعيشون ضمن ‘وطن’ محدّد جغرافياً في إطار صيغة الدولة الواحدة المستقلة.’ (عذراً على الإطالة) هنا الكاتب لا يحتجّ على من يتكلم باسم الشعب بغير حقّ ولا يحيلنا إلى وقائع محدّدة في الحالة السورية الراهنة، أشخاصاً كانوا أو تعبيرات سياسيّة، بل يحيلنا إلى قواميس اللغة والتي يخفق فيها أيضاً، هنا رد من قاموس معرف للغة العربيّة: ‘والشَّعْبُ القَبيلةُ العظيمةُ؛ وقيل: الـحَيُّ العظيمُ يتَشَعَّبُ من القبيلةِ؛ وقيل: هو القبيلةُ نفسُها، والجمع شُعوبٌ.

والشَّعْبُ أَبو القبائِلِ الذي يَنْتَسِـبُون إِليه أَي يَجْمَعُهُم ويَضُمُّهُم. ‘هذا الاستشهاد من ‘لسان العرب’. على العموم، اللغة كائن حيّ متطوّر كالحياة، كما هو معروف، لا يهم كيف انبثقت فقط، بل أيضاً، كيف صارت في حياة الناس وآدابهم.

يرتفع صوت الكاتب عالياً: ‘والمتظاهرون في بقاع مختلفة من البلدان العربية يهتفون ‘الشعب يريد إسقاط النظام’، وهم لم يحصلوا على تفويض من هذه الناقة الحَلوب بأن يصرخوا باسمها أنها تريد إسقاط النظام’.

يستغرب المرء من كاتب بحجم كمال أبوديب طرحه لأسئلة مصيريّة بهذا الاستخفاف، كمن لا يعرف المعروف، وهل تركت هذه الأنظمة القمعيّة مجالا للشعوب لتقول رأيها؟ أو أن تختار بحريّة من يحكمها يا دكتور! وهل تفكّرت جيّداً؟ أنتَ المطالِبُ بالقليل من العقل السوري، والصامت كلّ هذا الوقت على المجازر التي ارتكبها وما زال يرتكبها النطام، هل فكّرتَ لحظة واحدة قبل كتابة مقالك؟ وسألتَ نفسك: لماذا أسكت كلّ هذا الوقت؟ وحين تكلّمت أخذتَ تردّد مقولات النظام نفسها عن المؤامرة الكونيّة التي تتقصد هذا النظام الممانع الكذّاب، بل زدتَ عليه واعتبرتَ المسألة، مسألة طائفيّة في الأصل، وسمّيتَ الثورات العربية: ‘الهيجانات العربيّة’ وأخذتَ تطالب سوريّة ‘أن تتمسّك سوريّة ببقيّة ما لديها من عقل’ ونحن بدورنا نطالبك بما للعقل من حق عليك، نطالب بأجوبة على: أيّة سورية جميلة تعني؟ أهي سورية الحزب الواحد القائد؟ أم سورية الحركة التصحيحيّة التي تحولت إلى سورية الأسد، أم سورية التوريث، توريث سوريتنا الجميلة في دقائق لشاب ليس له من فضائل سوى أنّه جاء من صلب الدكتاتور! وفي هذه المراحل الثلاث ما يكفي لخلق ثورات وليس هيجانات!

لا تنس الزمن المنهوب من أعمار الشعب، والتاريخ الطويل من القمع والرعب والتدجين واستلاب الكرامة، أم الزمن المدفون والموزّع بين المقابر والزنازين، الآن وقد مرّ دم كثير تحت جسر التاريخ. أليس من حقّنا بأن نحلم بسورية جميلة حقّاً، بعد آلاف الشهداء، بينهم نساء وأطفال، وآلاف الجرحى، وآلاف المعتقلين والمفقودين والهاربين، مئات المدن والقرى والبلدات التي لم تفارقها الدبّابات، أكلّ هذا لم يكن من سوريتك الجميلة؟ أم أن الصامت أيضاً لا يرى ولا يسمع؟

أمّا عن التدخّل العربي، مهما كان رأينا في الجامعة العربية وعدم جديّتها بالحدّ من جرائم النظام، فلقد تأخّر تدخلها كثيراً، ولن ننسى بأنّها جامعة أنظمة وليس جامعة شعوب، ورغم ذلك لم يستجب النظام إلى ما دعت إليه. والتدخل الأجنبي على غرار ما حصل في ليبيا شيء مرعب، ولا شك أنّ الكثيرين لهم مصالح في ذلك، وهذا ليس بالجديد، لكن في المقام الأوّل، إذا كنتَ توجّه سهام نقدك، فالجهة الأولى التي يجب أن يُوجّه اليها، فهي هذا النظام المجرم الذي ما زال مستمرّاً في قتل الشعب بكلّ الوسائل والذي يتحمّل النصيب الأكبر لما سيحصل لسوريتنا الجميلة، وبعد ذلك لك أن تسمّي الأطراف الأخرى، كلّ على قدّ دوره.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى