رد على موقف
ميشيل كيلو
فاجأني موقف للـ«الكتلة الوطنية الجامعة في سوريا» كتبه رئيسها السيد ماجد حمدون، ضمنه ملاحظات نقدية حول مشاركته واربعة اعضاء من كتلته في «اللقاء التشاوري»، الذي عقد في القاهرة بتاريخ 10 – 13 من شهر ايار الماضي، بدعوة من ديموقراطيين سوريين متنوعي المشارب يعملون لتوحيد الصف الديموقراطي السوري المبعثر تحت ما أخذ يعرف منذئذ بـ«القطب الديموقراطي».
ليست ملاحظات الاستاذ حمدون هي التي فاجأتني، بل الوقائع التي اوردها، وجعلتني اتساءل إن كان الاستاذ قد حضر حقا لقاء القاهرة التشاوري وواكب بالفعل ما حدث فيه، واذا كان ما اورده في موقف كتلته هو كل ما فهمه من اللقاء.
قال السيد حمدون: «إن اربعة من اعضاء الأمانة العامة للكتلة شاركوا في اللقاء»، ونسي أن كتلته كانت الوحيدة التي شاركت بهذا العدد، وأن غيرها حضر من خلال مشارك أو اثنين، وأن اتفاقي معه استثنى كتلته من شرط العدد، بينما أراد هو خلال اللقاء استثناءه من شرط الوقت، فقد بدأ، عندما اعطي حق الكلام حول الغرض من اللقاء التشاوري، يقرأ وثيقة كتلته التأسيسية، المكونة من ثلاث صفحات طويلة، وحين تجاوز وقت الحديث الممنوح لكل مشارك ولفت رئيس الجلسة نظره إلى التقيد بالوقت، لم يكن قد فرغ بعد من قراءة الصفحة الأولى. قال الأمين العام عندئذ إنه يحتاج إلى دقيقتين إضافيتين، وبعد نيف وربع ساعة، كان رئيس الجلسة يرجوه أن يسلمه برنامج كتلته كي يطبع ويوزع على الحاضرين، فاحتج على ما اسماه مقاطعته، ثم اعلمنا بعض المشاركين أنه شكا من تقييد حريته، واخيرا قيل إنه انسحب من اللقاء. هل اعلم احدا بذلك وسجل اعتراضا مكتوبا أم غير مكتوب؟ إنه لم يفعل شيئا من هذا، لقد حرد وغاب. هذا كل ما في فعله.
لا ترد هاتان الواقعتان في موقف رئيس «الكتلة الوطنية الجامعة»، الذي يقول في جملة من نصه: «إن القائمين على اللقاء ليس فقط غير مستعدين لمناقشة أية مشاريع وأية مبادرات». معه الحق، إن أحدا لم يكن مستعدا لمناقشة برنامج الكتلة، الذي لم يطلب الأمين العام عرضه للمناقشة اولا، ولان احدا لا يناقش في لقاء تشاوري برامج كتل واحزاب، خاصة أن لقاء القاهرة عقد لمناقشة شروط اقامة قطب ديموقراطي سوري، ولم يقدم أية وثائق رسمية إلى من حضروه، وإنما طرح موضوعات أراد للحوار حولها أن يتلمس ما بين المشاركين من جوامع وقواسم مشتركة تفيد في تبين الأسس االنظرية والعملية للقطب المطلوب. وللعلم، فإن هذا الهدف كان واضحا للسيد رئيس الكتلة، إلا إذا كان لم يقرأ أية كلمة من اربع مقالات كتبت ونشرت حول هذا الموضوع، ونسي ما تم شرحه له في حوارين هاتفيين، قرر بعدهما حضور اللقاء، تركزا على أن اللقاء سينجز مقاربة جماعية لشروط إقامة الوحدة بين القوى والشخصيات الديموقراطية، وأنه لن تقدم إليه وثائق بل اوراق عمل، ولن يتخذ قرارات نهائية بل سيقدم توصيات، لأن اقرار الوثائق واتخاذ القرارات سيوحيان لمن لم يحضروه بان اللقاء يريد فرض رؤية محددة عليهم هي رؤية من شاركوا فيه، فيحجمون عن الانضمام إلى المشروع والإسهام فيه، كما حدث أكثر من مرة، ويتم أحباط مسعى التوحيد المطلوب بمشاركة اوسع طيف من الديموقراطيين والوطنيين وجهودهم، التي يجب أن يكون لها الدور الفاعل والأكبر في العمل التالي للقاء، وهو عمل مقرر ورئيس، ما دمنا لم نطلب من لقائنا غير تمهيد الأجواء لانخراط الديموقراطيين في عمل جامع يحددون هم، وليس نحن، مداه ومآلاته ونمط التنظيم الذي يريدون له أن ينتهي إليه، من جهة، وما دام اللقاء تمهيديا وتحضيريا، اسميناه تشاوريا، واعتبرناه مجرد لقاء، ولو كان غير ذلك لأسميناه مؤتمرا واتخذنا في نهايته قرارات مهدنا لها في وثائق رسمية اقرها الحاضرون. هل يعقل أن يكون السيد حمدون قد حضر اللقاء التشاوري من دون أن يعرف هويته ووظائفه، وان يجهل ما تم اخباره به بالتفصيل، وملخصه أنه لن يناقش في اللقاء وثائق او يقرها، ولن يقوم بشيء غير رسم خارطة طريق لعقد مؤتمر وطني عام للقوى والتيارات الديموقراطية، هو الذي سيقر نظامه الداخلي ووثائقه التي ستحدد مواقفه من كل شيء، وسينتخب قيادة ومكاتب، وسيكرس رسميا ونهائيا قيام القطب الديموقراطي العتيد.
ألم يسمع السيد حمدون ما توافقنا عليه في نهاية اللقاء حول ضرورة عقد مؤتمرات محلية في كل مدينة ومحافظة داخل وخارج سوريا، تنتخب على مرحلة واحدة او مرحلتين مندوبين عنها ترسلهم إلى المؤتمر العام، على أن يسبق ذلك قيام اعضاء هذه المؤتمرات بمناقشة وثائق ونظام القطب الديموقراطي الداخلي لاقرارهما في المؤتمر العام، مع مقترحات وتوصيات ومشاريع وإضافات هؤلاء الأعضاء، الذين سيتم ترشيح البعض منهم إلى رئاسة القطب ومكتبه التنفيذي وممثليه في بلدان وعواصم داخل سوريا وخارجها؟
يطرح ما تقدم أمران: هل حضر السيد حمدون اللقاء حقا، وإذا كان قد حضره، لماذا لم يسمع أو يفهم ما قيل فيه؟ وهل قرر اغلاق اذنيه لمجرد أنه لم يتمكن من تلاوة برنامج حزبه وفرض مناقشته على الحاضرين، خلال ربع الساعة ونيف الذي اعطي له؟ وهل خارطة الطريق السابق ذكرها «ضبابية ولا تتمتع بالحد الأدنى من الشفافية والجدية»، كما يقول الامين العام في موقفه من اللقاء؟ حبذا لو أنه ارشدنا، بعد الانتقاد القريب جدا من حملة شتائم مهينة، إلى الاخطاء التي يقترح علينا تفاديها تمهيدا لإقامة القطب الديموقراطي، إذًا لكان افادنا وافاد الديموقراطية. أما حصر نقده في استنكار «أن يكون الوليد الجديد – القطب تجمع افراد وليس لأحزاب او تكتلات سياسية» وأن يرى «سذاجة سياسية في طرح امكانية ازدواجية الانتماء السياسي الفردي لحزب وللقطب في آن واحد ولفترة محددة»، فهو دليل إضافي على أن الحظ جانبه في فهم ما سمع، ذلك أن الحاضرين لم يتخذوا موقفا نهائيا حيال هذه القضية، كما يقول سيادته، وتحدث بعضهم خلال اللقاء عن معضلة واجهتها المعارضة السورية تمثلت في تمثيل المستقلين الافراد في تنظيمات تضم إليهم مندوبي احزاب، وهل يجب أن تكون لهم حقوق الحزبيين عينها، وإذا لم يمنحوا حقوقا كهذه، ماذا عساها تكون حقوقهم؟ اذكر أنني رويت في اللقاء وقائع محزنة ومضحكة حول هذه المشكلة، وقلت: «إن علينا التعلم من تجارب الذين واجهوا هذه المسألة في البلدان الأخرى، واننا يجب أن نسأل عنها لنفهم كيف حلوها، لكنني أضفت مقترحا أن ترسل الأحزاب اعضاءها إلى القطب، ليكونوا ممثلين لها فيه، فيبقون أعضاء فيها يحملون رؤيتها، ويمثلون في الوقت نفسه مواقفها، خارج إطارها الخاص، في صفوف القطب، فلا يكون هناك تعارض بين عضويتهم في أحزابهم وبين تمثيلها في القطب الجامع. وبهذا المعنى، يكونون أعضاء في احزابهم وافرادا في القطب، ولكن بصفتهم الحزبية، ولا يكونون كالمستقلين لا ينوبون عن أحد ولا يمثلون غير انفسهم !
هل هذه سذاجة سياسية؟ يقول السيد الأمين العام: «لا يوجد حزب في هذا العالم يسمح بازدواجية الانتماء الحزبي». ربما كان هناك حزب يسمح بازدواجية الولاء في العالم الآخر، ام في هذا العالم فيبدو أنه لا يوجد حزب كهذا. على كل حال، يطرح كلام السيد حمدون سؤالا مهما: هل يعتقد ان كتلته حزب؟ ليست الكتل احزابا، إلا إذا كان الأمين العام يخترع قواعد تنظيمية جديدة. في هذه الحالة، يمكنه أن يتصور بكل بساطة أن حزبا ديموقراطيا يندمج في كيان ديموقراطي جامع لن يعاني من مشكلة ازدواجية التنظيم أو الولاء، لأن الولاء وهو حامل التنظيم في الديموقراطية وبلا قيمة في التنظيمات الشمولية، التي ارجو أن لا تكون كتلته منها – لن يتغير في هذه الحالة وسيبقى منصبا على نهج الديموقراطية كما يتمثل في التكوين الجامع، الذي تأسس بموافقة الحزب وغدا مظلة عليا له ولغيره من قوى تشبهه. هذا النمط من الولاء للتنظيمات الديموقراطية لن يكون مزدوجا في هذه الحالة، إلا إذا كان سيادته يظن أن كتلته الجامعة هي حزب شمولي امَّم عقول ومشاعر من انتموا إليه، فليس مسموحا لهم باي ولاء لغيره، حتى إن كان من جنسه.
يواصل من حضروا اللقاء جهودهم لعقد مؤتمرات محلية ستناقش وثائق ونظاما داخليا، وستنتخب مندوبين عنها إلى المؤتمر الوطني العام للمعارضة الديموقراطية، الذي يراد له ان يضم مختلف تنظيماتها ومندوبين منتخبين عنها يختارهم جميعا نشطاء ميدانيون يناضلون في صفوف الشعب. هذا المؤتمر ارجو أن ينال قبول السيد حمدون، الذي اتمنى عليه إرسال برنامج كتلته إلى لجنته التحضيرية كي تدرجه في عداد وثائقه وتتيح لمن سيحضرونه مناقشته وربما اقراره، ما دامت قراءته بصوت السيد حمدون ليست الطريقة الملائمة لتعريفهم بنصه واقناعهم به!
السفير