صفحات العالم

رسائل العلاقات العامة السورية


  عبد الرحمن الراشد

توجد أكوام من الرسائل الإلكترونية، يقول «ويكيليكس» إنها مليونا رسالة، في طريقها للنشر ستكون خير دليل للتعرف على الكيفية التي أدار بها القصر الرئاسي في دمشق أزمته مع العالم. والرسائل الأولى التي ظهرت ربما فضائحية، أو محرجة، مثل أن تصميم حديقة قصر الرئيس بشار الأسد في اللاذقية كلف أكثر من عشرين مليون دولار، لكنها لا تضيف جديدا. إنما الأهم بضع رسائل نشرت قبل أيام بينت سعي النظام السوري لكسب القيادات الأميركية والرأي العام هناك، أيضا من خلال تكليف شركات علاقات عامة للدفاع عن وجهة نظر النظام السوري في الولايات المتحدة.

والحقيقة أن الأسد نجح في النصف الأول من العام الماضي في استمالة كثيرين في الغرب من خلال حملات العلاقات العامة تلك. وانسجاما معها كتب عدد من المعلقين والمحللين معبرين عن تشكيكهم في هوية ومطالب المعارضة السورية، وتلكأت الحكومة الأميركية مكتفية بدعوة الأسد لإجراء إصلاحات سياسية. فقد نجحت، وهذا ما تبينه المراسلات، الحملة في تصوير النظام على أنه معاصر، وراغب في التطوير، وأن الذي يحدث في درعا وحمص ليس إلا من فعل جماعات إسلامية متطرفة، هي امتداد لما حدث في المنطقة، في العراق والسعودية واليمن والجزائر والمغرب.

والأسد ينجح عادة في تضليل من لا يعرفه، وقد سبق أن استمال الأتراك والقطريين، وكذلك الفرنسيين بعد خروج شيراك وتولي نيكولا ساركوزي الرئاسة. لكن هؤلاء جميعا تحولوا إلى خصوم شرسين ضده، لأنه ثبت لهم، مع الوقت، أنه كان يستخدمهم لأغراضه، وأن كل ما وعدهم به مجرد أكاذيب، كما أن دفاعه عن أفعاله عادة لا يصمد طويلا. الأسد الذي استمال العديد من المهتمين بشؤون المنطقة العام الماضي لم يستطع أن يبقيهم إلى جانبه، لسببين: الأول أنه استمر يخسر المعركة على الأرض وهو الذي كان يصف المتظاهرين بأنهم مجرد عصابات محاصرة، وأن معظم ما يقال ضده دعاية تلفزيونية معادية. والسبب الآخر أنه لم يسع إلى تقديم إصلاحات حقيقية، مجرد تمثيلية من فصول. حتى الأتراك الذين صدقوا في البداية أنه مستعد للإصلاح تحملوا تكاليف ترجمة قوانينهم وناولوه باليد كتيبات توضح له التجربة التركية وكيف يمكن تحقيق المشاركة السياسية مع المعارضة والاستمرار في حكم البلاد، وبعد أشهر من المحاولات والوعود تجاهلهم وانقلب الأتراك ضده.

لا قيمة لحملات العلاقات العامة إذا لم تعبر عن الحقيقة، فالرئيس وزوجته وأطفاله يبدون ويتصرفون مع الآخرين في الظاهر كعائلة محترمة، لكن عندما نرى المجازر المروعة التي ترتكبها قواته، وهو نفسه يعترف أنه المسؤول عن قيادتها، ندرك أن المظاهر والصور لا يمكن أن تكذب على الناس طويلا. وعندما تبين الرسائل أنه وزوجته منهمكان في شراء المزيد من الأثاث والأغاني والأفلام، في وقت بلاده في حالة حرب، فلا يمكن للفرد إلا أن يقتنع بأن في القصر حاكما جزارا لا يبالي بنساء وأطفال شعبه.

الكثير من الرسائل المسربة، الصادرة عن القيادات السورية، تبين أن الأسد ركز على الدعاية، واهتم فقط برأي الغرب، وهذا يكشف أنه فشل في إدراك ما يحدث على أرضه. فقد استمرت الحكومة السورية تدعي أن ما يحدث هو مؤامرة خارجية، خليجية – غربية، ضمن صراع إقليمي ودولي. وبدل أن تدرك حقيقة واحدة، وهي أن الشعب السوري فعلا راغب في إسقاطها، استمرت في حملات دبلوماسية وعلاقات عامة تريد من العالم أن يقبل بها ولا تخاطب الشعب في الداخل. السؤال: هل يظن الأسد حقا أنها مؤامرة خارجية ضده؟ وهل يصدق أن الشعب السوري، في غالبيته، يحبه ويريده حاكما؟ لا أدري، لكن يبدو أن الأمر كذلك. كيف لا يدري أن غالبية السوريين لا تريد النظام، خاصة بعد فشله في تنفيذ أي من وعوده التي أعلنها قبل عشر سنوات، واستمرار النظام الأمني العسكري القمعي في ممارساته ضد المواطنين لسنوات سبقت الثورة؟ أجد من الصعوبة أن أصدق أنه لا يدري.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى