صفحات سوريةميشيل كيلو

رسالة إلى أهالي صيدنايا/ ميشيل كيلو

 

 

جاء إلى الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بصحبة اللواء سليم إدريس ورئيس أركان الجيش الحر، وكان مكلّفاً بالحديث عن الوضع في القلمون، بصفته عقيداً انشق قبل أكثر من عامين عن جيش السلطة، وقاتل خلال الفترة التالية لانضمامه إلى الجيش الحر في مناطق متنوعة، أهمها القلمون، مسقط رأسه.

بدأ الرجل حديثه عن الوضع في القلمون، واختار أوضاع عرسال مدخلاً إلى عرضه، وبعد ترددٍ، قال ما معناه: لا أريد انتقاد زملائنا من ضباط جيش لبنان وجنوده، لكنني لا أستطيع القفز عن دورهم الذي انقلب إلى مأساة يومية للسوريين في عرسال ومنطقتها، سببها ما يتعرضون له من تنكيل وظلم لا مبرر لهما، يصعب علينا قبولهما من جهة، كما يصعب علينا الرد عليهما من جهة أخرى. وبصراحة نحن في موقف لا نحسد عليه: يلومنا السوريون، لأننا لا ندافع عن قومنا في عرسال، ولا نحميهم من جهةٍ تعاملهم كإرهابيين، وتستبيح حياتهم بأكثر الطرق انتهاكاً لحقوقهم واستهانة بكرامتهم، مع أنهم أولى بأن يُعاملوا كضيوف وإخوة، حلّت بهم نكبةٌ أخرجتهم من وطنهم، تمسّ حاجتهم إلى التفهّم والتراحم. ونلوم نحن أنفسنا، لأننا نقف عاجزين عن عمل أي شيء لنجدتهم، كي لا نقاتل جيشاً شقيقاً ونرميه في أحضان عدونا، حزب الشيطان الذي يمعن في دفعه إلى مواقف يفيد منها الداعشيون وأضرابهم الذين نجد صعوبة كبيرة في عدم الانجرار وراء سياساتهم، ولا نستطيع الرد، في الوقت نفسه، على حزب الشيطان، على الرغم من قدرتنا على منازلته وضربه في أي مكان نختاره، لكي لا يجد جيش

“لا تتحدثوا عن طائفية وعدوانية جيرانكم والجيش الحر، إذا ما وجدتم أنفسكم في حال لا تحسدون عليها، ورد ضحاياكم لكم الصاع صاعين، وحاصروكم وقطعوا الطرق عليكم وأخرجوكم من دياركم”

لبنان نفسه في موقف يشبه موقفنا: منساقاً وراء سياساتٍ لا يقرها، وتنظيمات لا يتفق مع مواقفها وخياراتها، لكنها أجبرته على القتال إلى جانبها.

توقف الرجل لحظةً، ثم أضاف: هناك وراءنا، أيضاً، مشكلة لا نعرف كيف نتعامل معها، هي مشكلة صيدنايا التي شكل شبيحتها قوة تضم قرابة 350 شخصاً، يقطعون الطرقات ويستبيحون القرى المجاورة، ويختطفون شبانها وشاباتها، ويقتلونهم بطرق تشبه طرق داعش، ويشنون غارات مؤذية جداً على مواقع بعيدة عنهم، لا يعرفونها ولا تعرفهم. لو كان هدف هؤلاء الدفاع عن صيدنايا، لكان الأمر مفهوماً، بل لأيدناهم ورحبنا بحميتهم وأسهمنا في حمايتهم. أما أن يتحولوا إلى قوة تدخل سريع، وفرقة قتل ضد جيران بلدتهم التاريخيين، ويفسدوا علاقات المنطقة وأمنها، فهذا ما لا نستطيع قبوله، مثلما لا نستطيع الرد عليه بالقوة، كي لا نفسد نحن، عندئذ، الأواصر التاريخية والعلاقات الأخوية بين أهالي منطقتنا. كان صوته يتقطع كلما أمعن في شرح الحالة، وفي النهاية، لم يتمكن من مغالبة دموعه التي سالت على خديه، بينما كان صوته يتحشرج، والصمت يسود القاعة.

طلب خلال تناول الغداء أن أجلس قربه. سألني إن كنت أستطيع إقناع مسلحي صيدنايا بقصر نشاطهم على حماية بلدتهم التي لا يفكر أحد بمهاجمتها. عندما أخبرته أنني لا أعرف أحداً منهم، سألني إن كنت أعرف أحداً من رجال الدين في البلدة الشهيرة بديرها، الذي أصبح، اليوم، مرأباً لآليات حزب الله ودباباته، فقلت له: لا تشغل بالك بمعارفي هناك، فهم خارج البلدة أو في سجون النظام ومقابره أو أسرى الشبيحة. دعني أرسل لهم رسالة مكتوبةً، أقول لهم فيها: إذا كنتم ترغبون في السير وراء مرتزقة وقتلة، وكنتم عازفين عن رفع أذاهم عن الناس، وترفضون إخراج غزاة وقتلة حزب الله من بلدتكم، وواصلتم صمتكم حيال ما يرتكبونه من جرائم يرفضها سيدنا المسيح وكل مؤمن به، فلا تلوموا أحداً، من الآن فصاعداً، غير أنفسكم، ولا تتحدثوا عن طائفية وعدوانية جيرانكم والجيش الحر، إذا ما وجدتم أنفسكم في حال لا تحسدون عليها، ورد ضحاياكم لكم الصاع صاعين، وحاصروكم وقطعوا الطرق عليكم وأخرجوكم من دياركم.

ليس هذا تهديداً لكم، إنه محاولة لتبصيركم بخطورة ما يفعله الشبيحة بكم، ولدفعكم إلى إقناعهم بقصر أنشطتهم على حمايتكم دون الاعتداء على جيرانكم، وإخراج قوات حزب الله من ديرٍ صار رمز المسيحية في وطنكم، فهو مكان مقدس تدنّسه آلات القتل، وينجّسه المرتزقة، خصوصاً إن كانوا أغراباً يقتلون إخوتكم في الوطن والإيمان بالله، وجيرانكم التاريخيين في المنطقة. وهي، أيضاً، محاولة لتبصيركم بخطورة تحولكم إلى وقود حرب داخلية/ عربية/ إقليمية/ دولية، لا ناقة لكم فيها ولا جمل، لن يربحها النظام مهما فعل، وليس من مصلحتكم الانخراط فيها، لكونكم تفتقرون إلى القوة اللازمة لخوضها. ولا تنسوا أن جيرانكم يطلبون الحرية لهم ولكم، فهل أنتم أعداء لحريتهم وحريتكم؟ وإذا كنتم تظنون أنهم يخدعونكم، فلماذا لا تعلموهم بالضمانات التي تريدونها لحياتكم وممتلكاتكم وبلدتكم، لكي يمنحوها لكم، ويتقيّدوا بها، ويقاتلوا كل مَن يفكر بالاعتداء عليكم أو بانتهاكها، كائناً ما كان اسمه، وكانت هويته ومقاصده؟

أرجو أن تتفاعلوا بإيجابية مع هذه الرسالة، وأن لا تفوتوا فرصة السلام مع جيرانكم، فإن تجاوز أي منهم في أي يوم حدوده معكم، وجدتم في عقيد الجيش الحر وكاتب هذه الكلمات مدافعين عنكم، لأنكم ستكونون عندئذٍ أهل محبة وسلام، كما علّمكم يسوع المسيح وعهدناكم دوماً.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى