رسالة إلى ثائر ما/ حسام حليمة
أخي العزيز: أكتب إليك من طريق موحش، لا بد ستسلكه يوماً. من طريق ربما لن يجيبك كثيرون ممن إن سألتهم فيه لماذا تسلكونه. ربما أيضاً لن تجد جواباً عن سؤالك إلى أين يريدون الوصول. من طريق سيصعب عليك تحديد من يشاركك الوجهة فيه. تأكد، أخي، أن طريقك فيه كثيرون من عابري السبيل، يخطون معك بضع خطوات، ثم يتركونك عند أول مفترق طرق. وتأكد أنه لن يبقى معك إلا من يقصد الوجهة التي تقصدها، وإن أردت ألا تشعر بالوحشة التي تقرأها بين سطور كلماتي، فحدد وجهتك، منذ البداية، وتعاهد مع كل من يشاركك هدفك على بلوغ هذه الوجهة.
اسأل نفسك دوماً. لماذا أثور وعلى ماذا؟ ماذا أريد أن أحقق؟ هذه الأسئلة تقيك زلة القدم عند كل مفترق طرق لا تراه، إنما ترى الزحام عليه فقط، ويتهيأ لكل من لا يملك وجهة يقصدها أن هذا الزحام على الطرق الصحيح.
تأكد، أخي، أن الثورة لا تكشف الناس، كما سيفتخر كثيرون ممن حولك. جهل من حولك فقط هو من يستر أولئك الناس، ومصدر فخرهم الوحيد أنهم لا يريدون الاعتراف بجهلهم.
ستكون المفاجأة كبيرة بكثير ممن ستتوافق معهم على عدد من المواقف. انقلبوا وتبدلت مواقفهم، وظهر معدنهم مغايراً لما كنت تتوقع، والسبب أنه لم تكن هناك مبادئ تجمعكم، فكانت المواقف اصطفافية وليست مبدئية، وإن الاصطفافات تعتبر من الأمور التي لا يمكن الحفاظ عليها مستقرة، حيث تتبدل مع المصالح باستمرار.
ستشعر لا بد، أنت ومن عاهدك، على غايتك بالوحشة، ستفتقرون وستبلون بشيء من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات. ولكن، هنا عليكم الصبر. تذكر أنه، في هذه اللحظات الحرجة، ستعرض عليكم الأموال بشكل سخي. في هذه اللحظات، أيضاً، عليك التأكد، تماماً، أن المال سيزيد المشكلة تعقيداً. ربما هي معادلة صعبة الفهم، لكنها حقيقية. سيدعي الجميع أنه صديقك، ويريد أن يساعدك. تأكد، هنا، أن العالم الذي تعايش مع جلاديك قتلت مشاعره نزعة الاستقرار. ولن يكون سعيداً أبداً بما تقوم به، فحركتك تهدد وجوده أيضاً، فلا يمكن لهذا العالم أن يستقر، إلا أن يكون من طينة واحدة، وأنت تثور على هذه الطينة، فلا تكترث لما يدعيه أمامك من تضامن، فهذا العالم لا يفكر إلا في مصالحه التي لا يمكنك، إن كنت على الطريق الصحيح، أن تكون جزءاً منها.
تأكد أن الطريق طويل، وأن أمد المأساة سيطول. ستبرز الأمراض الاجتماعية، وستطفو على السطح. ربما سيصل الناس إلى حالة من المقارنة بين الوضعين، السابق والحالي، الأشخاص السابقين والحاليين. ستزداد أهوال الطريق ووحشته. ربما تبلغ القلوب الحناجر. ولكن الأهم، هنا، أن هذه المقارنة لا يجوز أن تكون للمفاضلة. هي للتحقق فقط من وجود طغاة جدد، وجلادين جدد، وظلمة جدد، كالذين ثرت عليهم، وضمهم للقائمة الأولى، ليزداد شعوركم بأهمية الطريق وأهمية الثورة. إياك أن تعتقد أن من يسلك هذا الطريق منزه، وإياك أن تسكت عن أي خطأ لمن حولك، فالسكوت غذاء الطواغيت الصغار، يعتاشون عليه ويتضخم طغيانهم به.
تأكد أنك ستواجه هؤلاء الصغار، يوماً، ربما قبيل الوصول إلى غايتك. لكن، لن يكونوا صغاراً حينها، بل وحوشاً ضارية وطغاة جبارة. لو صادفك ذلك الموقف يوماً، فستندم أشد الندم، ستكون منهكاً حينها، وستضطر لمجابهة وحوش صنعتها بنفسك، أقوى أسلحتها الطعن في الظهر.
وأنت تحاول التقاط أنفاسك، وعندما يشعر الأصدقاء الملاعين بإرهاقك سيهرولون، يحملون لك حمامات السلام والمبادرات الوردية. نعم، سيرهقونك، ثم يغرونك بالحلول الوسط. عليك، هنا، تذكر كيف كنت، ولماذا سلكت هذا الطريق الصعب مختاراً. تذكّر أنهم لن يقدموا سوى جزء مما كان بين يديك قبل ثورتك، وأنهم يعرضون عليك أن تعود إلى بداية الطريق زحفاً، بعد أن قطعت كل هذه المسافة ركضاً.
أن تكون مرهقاً فهي حقيقة مرّة، لكن الأمر منها أن تكون مغفلاً وتعير سمعاً للملاعين. تأكد، أيضاً، أنك ستصل، وربما سنصل سوياً.
العربي الجديد