رسالة إلى منظمات الحزب والرفاق والأصدقاء
أوائل أيار 2012
عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الدوري في أواسط نيسان، عالجت فيه أوضاع الثورة السورية، بعد مرور عام ونيف على تفجرها، والحالة المأساوية التي يعيشها شعبنا، جراء السلوك البربري للسلطة. كما توقفت عند دور الحزب في دعمها ومساهمته فيها. ثم ناقشت التطورات السياسية، وخاصة خطة أنان. وخلصت إلى جملة من الملاحظات والاستنتاجات.
أولاًـ حال الثورة!
1ـ تؤكد اللجنة المركزية على أنّ ثورة الشعب السوري، امتداد للثورات العربية. لكنها جوبهت بعنف ودموية قلَّ نظيرهما في العصر الحديث. فهي تعبير عن حركة شعب ضاق بحكامه المستبدين والفاسدين. وأصبح يرى في رحيلهم غاية يستحيل التراجع عنها. وإن قيم الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية تستحق أن يضحى بالغالي والثمين من أجل تحقيقها.
2ـ الثورة السورية ثورة شعبية فجرها الشباب السوري، فاستجاب لها أغلب فئات مجتمعنا، وخاصة تلك التي تعاني من التهميش والافقار والاضطهاد. أفرزت من داخلها اللجان والهيئات والمجالس التي تقود عملها ميدانياً وإعلامياً وتوثيقياً وطبياً، وأثبتت قدرتها على توليد وتجديد كوادرها وتطوير أنشطتها رغم خسائرها الكبيرة، جراء ارتفاع منسوب القمع والقتل والاعتقال.
3ـ الصمود الأسطوري لشعبنا في مواجهة آلة القتل والدمار، كان له الدور الأساسي في استمرار الثورة واتساع رقعتها. فجمعة تلو جمعة، تزداد نقاط التظاهر وعديدها، وتتنوع أساليب نضالها، ويقوى زخم شعاراتها ودلالة معانيها، وتحتفظ بحالة معنوية وتعبوية عالية. وفي سياق صيرورتها وديناميتها، نجحت في إدارة معاركها بفضل التنسيق بين قياداتها، مما ولدّ فيها قوة دفع ذاتي، جعلتها تستمر في المعركة، رغم احتلال التوازن مع السلطة.
4ـ ظهرت الحاجة للدفاع عن النفس، وحماية التظاهرات والمواطنيين العزل لمواجهة آلة القتل، الأمر الذي أدى إلى تنامي ظاهرة العمل المسلح كتطور موضوعي للصراع.
5ـ تنامت ظاهرة الجيش الحر الذي برز بقوة وفاعلية في مجرى الصراع، وازدادت حركة الانضمام إلى صفوفه عبر الانشقاق عن جيش السلطة، فأ صبح قوة أساسية في الثورة، وركناً من أركانها. فدوره هام في حماية التظاهرات والمدنيين، وتوجيه ضربات موجعة لقوى الأمن والشبيحة.
6ـ لعل أهم صفتين اتسمت بهما الثورة السورية هما، الأولى: جذريتها في شعار إسقاط النظام برموزه وأركانه كافة. والثانية: طابعها الوطني الشامل والمعبر عن مصالح كل الفئات الاجتماعية، الأمر الذي جعلها تنأى عن الانجرار للاقتتال الطائفي الذي تسعى له الطغمة الحاكمة، التي أسقطت الثورة هكذا شرعيتها داخلياً، كما دفعت بالمجتمعين العربي والدولي للبحث عن مخارج تأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار.
ثانياًـ حال النظام!
1ـ قدم النظام كل الدلائل والبراهين التي تؤكد على أنه، كبنية استبدادية أقلوية، لايعرف سوى الإلحاق والإخضاع والعنف كسلوك ثابت تجاه الآخر. فهو مهووس بترسيخ ودوام حكمه منذ قيامه. وعصيُّ على الاصلاح، لا يفكر بالبحث عن مخارج سياسية لأزمات البلاد.
2ـ مع هبوب رياح التغير على المنطقة، ونجاح ثورتي تونس ومصر في إسقاط رموز الاستبداد فيهما، ظلّ النظام متوهماً أن الثورة لن تحدث عندنا، بسبب معرفته بضخامة قوته القامعة، وحالة التصحر السياسي التي تعيشها البلاد منذ عقود. لكنه لم يستطع أن ينجو بنفسه من قدرها. فسلوكه الدامي يؤكد صحة هذا الاستنتاج، رغم كل الفرص التي أعطيت له عربياً ودولياً، كي يقبل بحل سياسي يستجيب لمطالب الشعب الثائر.
3ـ مازال هذا النظام ينكر نشوب أزمة حادة في البلاد، ويدعي بوجود مندسين وعصابات مسلحة تثير الفتنة وتنفذ مؤامرة خارجية ضد “دولة الممانعة والمقاومة”، لزعزعة استقرار سوريا وإضعاف دورها.
4. لكنه تظاهر بالانحناء أمام العاصفة. فألغى حالة الطوارئ على الورق، وأعلن عن إصلاحات شكلية، كقانون التظاهر وقانون الإدارة المحلية وقانون الصحافة وقانون الأحزاب وقانون الانتخابات ودستور جديد. وأجرى انتخابات الإدارة المحلية، ودعا إلى انتخابات لمجلس الشعب في أيار الحالي. كما فبرك أحزاباً من أنصاره، واحتوى بعض أطراف المعارضة من خلال مؤتمر سمير أميس، ومؤتمر الحوار الوطني، ومؤتمرات الحوار في المحافظات. وجند بعض أنصاره بدورٍ معارض ليقدمهم كمفاوضين لبعض الأوساط العربية والدولية.
5ـ أمام تصاعد الثورة، انتقلت السلطة بعد الفيتو الروسي الصيني، من القمع المعمّم إلى الحرب المتوحشة على الشعب، والقائمة على العقاب الجماعي والأرض المحروقة، فاستخدمت الأسلحة الثقيلة، كالدبابات ومدفعية الهاون والصواريخ والطيران، مستهدفة المدن والقرى، تُدمر مظاهر الحياة فيها، وترتكب المجازر الجماعية، وحملات التطهير الطائفي والتهجير، والإعدامات الميدانية. وتطلق العنان لفرق الموت من شبيحتها، يمعنون في قتل النساء والأطفال، ويمارسون أحطَّ الجرائم كالخطف والاغتصاب والذبح والحرق ودفن الضحايا وهم أحياء، وحرق البيوت والمحلات بعد نهب محتوياتها، وتدمير المشافي الميدانية وقتل الكوادر الطبية.. فالهوة ازدادت بين هؤلاء الحكام وبين المجتمع، وأصبحوا بنظر الشعب لايختلفون عن الغزاة، بل هم أشد وحشية وفتكاً منهم.
6ـ أنهكت الثورة قوى النظام، وخاصة الأجهزة الأمنية وقطعاته العسكرية التي ارهقتها الانشقاقات، وأضعف الانتشار الواسع فعاليتها. كذلك ظهرت حالات التفسخ والاضطراب في صفوف حزبه وجبهته. وفعلت فعلها العقوبات العربية والدولية ضد العديد من مؤسساته ورموزه وأعوانه. باختصار يمكن القول: إن الحل الأمني العسكري فشل في قمع الثورة رغم الكلفة العالية التي بلغت حسب تقديرات المطلعين سبعة وعشرين مليار دولار.
ثالثاًـ أثر الاضطراب الأمني على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية!
1ـ نتيجة إصرار السلطة على الحل الأمني العسكري، غرقت البلاد في أزمات شلت الحياة العامة، وصعب على المواطن تحصيل قوت يومه. فباتت أغلب المدن تئن من نقصٍ في الطعام والدواء والغاز والمحروقات، وتعثرٍ كبير في قطاع الخدمات كالماء والكهرباء والمواصلات والاتصالات والتنقل بين المدن. ومما زاد من هذه الحالة المأساوية تعطل الأعمال وإقفال العديد من المؤسسات الانتاجية.
2ـ أخذت تظهر بوضوح آثار الاضطراب الأمني والعقوبات العربية والدولية على الأقتصاد السوري. فتدهورت أوضاع معظم القطاعات الإنتاجية، حيث تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي والاستخراجي وحركة التجارة والسياحة بنسبة كبيرة جداً. وهذا أدى إلى انخفاض كبير في حركة الواردات والصادرات وتدهور القيمة الشرائية لليرة السورية، إذ بلغ سعر صرف الدولار مابين 75 و 80 ليرة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع مابين 50% و100%. وهناك مصادر مطلعة تتحدث عن البدء ببيع الاحتياطي من الذهب، ورهن الخزينة إلى الخارج مقابل سندات تدفع قيمتها روسيا والصين وإيران والعراق، لتغطية نفقات الجيش المتنامية والأموال التي تصرفها السلطة لقمع الثورة.
3ـ بعد انتقال السلطة إلى الحرب المفتوحة على الشعب، واستخدام الأسلحة الثقيلة التي دمرت مناطق عديدة من المحافظات وخاصة محافظة حمص، ازدادت حركة النزوح إلى أماكن أكثر أمناً، حيث يقدر عدد المهجرين بمليوني مواطن داخل البلاد، وما يقارب مئتي ألف موزعين على دول الجوار.
رابعاًـ الموقف العربي والدولي!
1ـ ترى اللجنة المركزية أنَّ تعاطف الأوساط العربية والدولية مع الثورة لم يكن على مستوى الأحداث. فهناك ملاحظات وانتقادات عديدة، جعلتها مترددة وبطيئة في تاييدها. لعلّ أهمها يكمن، ما يقولون، في غياب القيادة السياسية والارتياب من التيارات الإسلامية والقلق على مصير الأقليات وتشرذم المعارضة الديمقراطية. وباعتقادنا أنّ القلق الحقيقي آتٍ من الطابع الجذري للثورة، كما أشرنا سابقاً، والذي سيؤدي إلى إسقاط النظام، وماستؤول إليه التطورات اللاحقة، كقيام نظام يمارس سياسات وطنية، وتأثير الخارج عليه محدود. هذا الأمر سوف يخلُّ ـ حسب نظرهم ـ بالتوازنات الإقليمية، وخاصة ماله علاقة بأمن إسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي، وتحديداً السعي لاسترجاع الجولان المحتل. يضاف إلى ذلك تداخل الملفّات الدولية والإقليمية في المسالة السورية، ونخصُّ بالذكر دور إيران والعراق وحزب الله في دعم النظام السوري. وهناك من يتحدث أيضاً عن غياب الإجماع الدولي تجاه القضية السورية. والمقصود هنا استخدام الروس والصينيين الفيتو لتعطيل قرارات مجلس الامن ضد السلطة السورية.
2ـ لاننكر أبداً اهتمام المجتمعين العربي والدولي بالمسألة السورية. لكن تطورات الوضع الميداني على الأرض، وخصوصاً بعد الفيتو الروسي، أصبح مأساوياً، ويتطلب تدخلاً دولياً لإيقاف حملات الإبادة والتهجير. حتى أنَّ توصيفات لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والقائلة بارتكاب جرائم ضد الانسانية، أصبحت غير كافية. ينبغي اتخاذ كل التدابير لإيقاف طغيان السفاحين في حربهم المفتوحة على المجتمع السوري.
3ـ فالجامعة العربية دخلت على خط الأزمة السورية بعد ستة أشهرعلى انطلاق الثورة. وقدّمت مبادرتيها الأولى والثانية من أجل حلّها. لكن النظام أفشلهما. فجمدت عضويته فيها، وفرضت عقوبات عليه. ثمَّ رفعت الملف إلى مجلس الأمن، الذي مازال يتابع تطورات الوضع السوري ويتخذ القرارات، فكان آخرها خطة أنان.
4ـ إنَّ هذه الخطّة ذات النقاط الست، يمكن أن تضع الأزمة السورية على سكة جديدة، بعد الانقسام العربي والدولي حول مقاربتها، إذا التزم النظام بتنفيذ بنودها.
ترى اللجنة المركزية، ومن منطلق المصلحة الوطنية، والالتزام بأهداف الثورة، وحرصاًعلى حقن دماء شعبنا، وتجنيب البلادالمزيد من الأهوال، القبول بهذه الخطّة، من حيث المبدأ. إنَّ أهميتها تكمن في الالتزام بتنفيذها وفق الجدول الزمني الذي حُدد لها، وعدم إعطاء النظام فرصة التلاعب بها. هنا ينبغي الانتباه إلى ضرورة تنفيذ البنود الخمسة الأولى بحذافيرها، قبل الحديث عن العملية السياسية. فالدخول فيها مع النظام أمرغير مقبول بعد الجرائم الوحشية التي ارتكبها، واحتراماً لتضحيات شعبنا. نحن نقبل بها، شرطَ تنحي بشار الأسد. عندها يمكن مشاركة أهل النظام الذين لم تتلوث أيديهم بدماء الشعب أو الفساد. فالحوار ينبغي أن يتجه إلى البحث في نقل البلاد إلى النظام الوطني الديمقراطي التعددي. وأن ينطلق من قيام حكومة انتقالية محايدة ومستقلة، تنقل البلاد ضمن فترة زمنية محددة نحو النظام الجديد، من خلال انتخاب جمعية تأسيسية، تحت إشراف عربي ودولي، تضع دستوراً للبلاد، وتنتخب رئيساً، وينبثق عنها حكومة بديلة.
5. إنَّ موافقتنا الأولية آتية من الحاجة إلى وقف القتل وسحب الجيش، والحد من الخسائر البشرية والمادية. ورغم علمنا أنّ النظام لايجد مصلحة له فيها، كما دلّلت الأحداث التي تلت إعلان المبادرة، رغم وجود المراقبين الدوليين الذين يشاهدون المظاهر المسلحة للنظام. فإنّ التزامنا بتلك الخطة سوف يساعدعلى تحقيق مزيد من الدعم العربي والدولي من جانب، ويساعد من جانب آخر أيضاً على تنظيم صفوفنا على نحوٍ أفضل. فليس لدينا وهم بأنّ المعركة مع النظام والقوى الداعمة له، داخلياً وخارجياً، لن تنتهي بسهولة، ويجب الاستعداد للمرحلة القادمة، وعدم الركون إلى الأوهام بأنّ النظام سيلقي سلاحه. فالمطلوب في هذه المرحلة أن تقدم الثورة وقواها الداعمة أداءً سياسياً رفيعاً، من شأنه أن يغيّر في موازين القوى لصالحها، وكسب المزيد من التأييد على مختلف المستويات داخلياً وعربياً ودولياً.
خامساًـ حال المعارضة!
1ـ يحلو لبعض الأوساط العربية والدولية الحديث عن تفكك المعارضة السورية التقليدية وتشرذمها. فما دمنا نتحدث عن الحاجة إلى نظام ديمقراطي تعددي بديل لنظام حافظ الأسد، فمن البديهي أن تحتاج البلاد عشية هذا التغيير إلى وحدتها القائمة على رؤية سياسية واضحة المعالم، ووحدة تنظيمية في حدّها الأدنى.
2ـ للحقيقة والتاريخ نقول: إنّ المعارضة الديمقراطية وتجمعاتها المختلفة وشخصياتها الشريفة المستقلة، خاضت نضالات مشرفة، منفردة أو متجمعة، ضد النظام. فتعرضّت مع جماهير شعبنا لأسوأ أنواع الاضطهاد على مدى نصف قرنٍ.
لسنا هنا في معرض الحديث عن ضحايا هذا النظام، التي تُعد بعشرات الألوف على مساحة الوطن السوري. فالوحدة الوطنية كانت ومازالت هدفاً للقوى الديمقراطية الجادّة الساعية إلى التغيير الجذري. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، التجمع الوطني الديمقراطي وإعلان دمشق قبل الثورة والمجلس الوطني السوري بعد قيامها. فالتربة السورية كانت ممهدة وخصبة للتغيير بفضل تلك النضالات التي أشرنا إليها ولكن…
من المفيد في هذه الظروف المعقدة والحاسمة، أن نشير إلى ظاهرتين هامتين اعترتا المعارضة خلال تلك الفترة، علينا أن نعترف بهما. الأولى: تراجعها وضعف فاعليتها في مواجهة هذا النظام الشرس، وعجزها عن قيادة النضال لإسقاطه. والثانية: أنّ المجتمع السوري الذي عانى من الاضطهاد والإفقار والتمييز كان يختزن في داخله رفضاً له، وحقداً عليه، لم يكن سهلاً على المراقبين رؤيتهما. لكن وميض نارهما التقطه الشباب السوري ففجره حمماً وثورة على الطغاة. فلا فضل للمعارضة الديمقراطية في صنعها وقيادتها. فهي فوجئت كما فوجيء النظام والعالم بها.
3ـ من الهام جداً أن نُذكِّر أنّ حزبنا وإعلان دمشق طرحا على قادة الاتحادالعربي الاشتراكي والآخرين، عشية الثورة ضرورة العمل المشترك من خلال استحداث/هيئة تنسيق وطنية/ تضم أطراف المعارضة الديمقراطية كافة. فسوريا حسب قناعتهما لن تبقى خارج سياق الثورات العربية. ولابدَّ لنا من الاستعداد لملاقاتها.
بعد قيام الثورة، وخلال الحوار مع هؤلاء اقترحنا عليهم رؤيتنا القائمة على أربع نقاط: آـ الانحياز للثورة والانخراط فيها. ب ـ رفض الحوار مع النظام استناداً إلى تقديرنا القديم ـ الجديد، والذي يتلخص بأنه غير قابل للإصلاح وأنّ القمع المعمم للتظاهرات السلمية دلّل منذ البداية على خياره الوحيد، الذي يتلخص في الحل الأمني لمواجهة الثورة. ج ـ الأزمة المزمنة التي تعاني منها البلاد تتطلب حلاً سياسياً، علينا العمل من أجله مع جميع فئات المجتمع، بمن فيهم أهل النظام ممن لم تلوث أيديهم بالدم والمال الحرام. دـ إن الحوار الذي سيجري بين تلك القوى ينبغي أن ينطلق من الإقرار بنقل البلاد إلى نظام وطني ديمقراطي.
من المؤسف القول أن ممثلي الإعلان، الذين فاوضوهم منذ قيام الثورة وحتى لقاء الدوحة الأول، جوبهوا بالرفض، عدا عن التشكيك بها وبقواها الثائرة. فليس سراً القول أن هؤلاء أقاموا حوارات جانبية مع ممثلي السلطة، وهي معروفة لكل من تتبع المشهد السياسي السوري. كما ظلّوا يوجهون انتقاداتهم إليها ويوفرون الحديث عن جرائم السلطة، رافعين شعارات غامضة وملتبسة تحمل أكثر من تأويل: “لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل الخارجي” وسواها كثير وللتأكد من صحة مانقول. بإمكان أيِّ مواطن العودة إلى كتابات رموزهم وأحاديثهم على شاشات التلفزة .
لقد شكل الانقسام العربي والتردد الدولي مناخاً خصباً لطروحاتهم المشككة والتي تسعى مع تلك الدوائر إلى قطع الطريق على الثورة وايجاد تسوية مع السلطة بمعزل عنها. فهؤلاء لامصلحة لهم في وصول الثورة إلى مآلاتها.
4ـ الحقيقة التي تظهرها الأحداث حتى الآن، تشير إلى أنّ الثورة أخذت على عاتقها تحقيق تطلعات المعارضة الديمقراطية الجوهرية، التي ناضلت من أجلها سنين طويلة. لكن بأسلوبها الجذري والثوري. فأصبحنا نحن المعارضين أمام فرز جديد، بل أمام خيار من خيارين: إمّا الانحياز إلى الثورة والانخراط فيها، أو الوقوف إلى جانب النظام. أمّا الوقوف على الحياد فيعتبر خدمةً للنظام بصورة غير مباشرة.
هكذا، فإن المتغيرات الدراماتيكية التي يحدثها الصراع الحاد مع السفاحين تجعل مفهوم وحدة المعارضة يتغير عمّا كان سابقاً، فالمعارضة لم تعد مركز الصراع، ومن لا ينضم إلى الثورة المركز سيصبح على هامشها، وعندها لسنا نحن المؤيدين للثورة بحاجة إلى اللقاء مع هؤلاء، وبالتالي يبطل الحديث عن تشتت المعارضة والحاجة إلى وحدتها. من جانب آخر، إنّ أي وحدة ينبغي أن يكون لها مضمون سياسي واضح.. وما طرحته الثورة من شعارات وتوجهات هو المضمون السياسي الجديد الذي يجبُّ ماكان مطروحاً قبل الثورة.
5ـ يتعرّض المجلس الوطني السوري إلى ضغوط عربية ودولية عديدة قد تحرفه أو تبعده عن الارتباط بالثورة وأهدافها، وربما نجد من داخل المجلس من يستجيب لهذه الضغوط، لأسباب لاداعي لذكرها الآن. فما زلنا نحن في حزب الشعب، وفي الإعلان كما نعلم، نعتبر المجلس الوطني السوري أقرب التشكيلات السياسية المعارضة إلى روح الثورة، من خلال بيانه التأسيسي وبرنامجه السياسي. وبصرف النظر عن سلبياته وعثراته ومحاولات حرفه عن خطه المرسوم، والتي طالما طالبنا بمعالجتها وتجاوزها ونقد تجربته، بهدف تحسين أدائه والالتزام بالأسس التي قام عليها، وأن يحافظ على القرار الوطني المستقل، وأن يكون حذراً جداً إزاء مايراد له في هذه الأيام من اتخاذ مواقف في ضوء مبادرة أنان تسهّل إعادة خلط الاوراق من جديد، والدخول في لعبة التسوية السياسية مع النظام، ولعبة ما يسمى بوحدة المعارضة، أو إعادة الهيكلة، بحيث تكون النتيجة تخفيض السقف السياسي والتنظيمي للمجلس. لكن تبقى مهمّة مأسسة عمل المجلس الوطني وتوطيد وحدته السياسية والتنظيمية وإبقاء الباب مفتوحاً للمعارضين والتجمعات الجديدة للمنحازين للثورة، مهمة ملحّة.
سادساًـ ملاحظات أخيرة!
تودُ اللجنة المركزية أن تلفت نظر الرفاق والأصدقاء إلى الأمور التالية:
أولاًـ كانت الثورة السورية ولازالت ثورة سلمية بتوجهاتها وتنوع سبلها وأشكالها، متسلحة بعدالة مطالبها، ومتمسكة بشعاراتها وأهدافها ذات المضمون الحضاري والإنساني، رغم مسلسل القتل اليومي. إنّ وحشية السلطة في مواجهة الثوار هي التي فرضت على البعض منهم الدفاع عن النفس، وإن إمعانها في جعل مهمة الجيش حماية العصابة الحاكمة، ودك المدن وتدمير الأحياء وارتكاب المجازر بحق الشعب السوري، هي التي دفعت الكثير من الضباط والجنود الشرفاء للانشقاق عن صفوفه.
ثانياًـ مازالت قوى الثورة على الارض تفتقر للتنظيم والتنسيق فيما بينها، مما يطرح الحاجة الماسّة لتوحيد صفوفها، وقيام تعاون فعّال بين مختلف لجانها وتنسيقياتها ونشطائها، ولابدّ لها من التنسيق مع الجيش الحر والثوار المتطوعين، والانتباه إلى أهمية ضبط الأداء الميداني، وربطه بالتوجهات السياسية التي تطرحها الثورة.
ثالثاًـ على قوى المعارضة السياسية والتي سعت إلى تشكيل مرجعية سياسية لقوى الثورة، وتنطحت لدور التمثيل السياسي لتطلعاتها أن تدرك أنّ دورها الوطني في خدمة الثورة ونصرتها، ينتهي بإسقاط النظام، وتحقيق تطلعات الشعب السوري. أمّا مسألة تحديد سياسات وتوجهات سوريا ما بعد إسقاط النظام، فيقررها المنتصرون على الأرض، فهم القوة الرئيسية في المؤتمر الوطني السوري الذي سيأخذ على عاتقه رسم سياسات المرحلة الانتقالية.
رابعاًـ إنّ الثورة السورية المجيدة، بعد أن خاضت معاركها مع نظام القتلة والسفاحين على مدى أكثر من عام قد اقتربت من الانتصار عليه.. فهي لم تُسقِط شرعيته أمام المجتمع السوري فحسب، بل يكاد أن يسقطها أيضاً المجتع الدولي الذي ضاق ذرعاَ بمراوغاته وتهربه من إيجاد مخرج سياسي لأزمات البلاد.. فمبادرة انان قد تكون الفرصة الأخيرة التي مازال يتحايل عليها، ولايحقق مطلبها الأول في سحب قطعاته وآلياته وشبيحته من المدن. ولعلّ الأيام القادمة ستكون حبلى بمتغيرات قد تزيحه عن المشهد السياسي السوري.
تحية للثورة السورية المجيدة وثوارها الميامين!
الرحمة والخلود لشهداء الثورة السورية!
الشفاء السريع للجرحى والحرية للمعتقلين!
والعودة السريعة والآمنة للمهجرين
اللجنة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري
دمشق ـ أوائل أيار ـ 2012