رسالة اليرموك
حازم صاغيّة
حصّة الفلسطينيّين من الانتفاضة السوريّة هي أن يثوروا على الكذب. هذا ما فعلوه في مخيّم اليرموك قبل أيّام. فقد هاجم مشيّعو القتلى الذين سقطوا برصاص إسرائيليّ، يوم 5 حزيران الماضي، مسؤول “الجبهة الشعبيّة” ماهر الطاهر، مردّدين “الشعب يريد إسقاط الفصائل”، محرقين مقرّ الجبهة ذاتها. لكنّ جبهة أخرى من “الفصائل”، هي “الجبهة الشعبيّة – القيادة العامّة” ما لبثت أن قتلت 14 شخصاً منهم!
والجريمة هذه كانت وراء مطالبة رفعها “المكتب المركزيّ لأسرى حركة فتح” بطرد أحمد جبريل، أمين عامّ “القيادة العامّة”، من منظّمة التحرير الفلسطينيّة، فضلاً عن تصاعد أصوات فلسطينيّة، شعبيّة وثقافيّة، تعلن غضبها من الاستخدام المديد للفلسطينيّين خدمةً لمصالح النّظام السوريّ.
ففلسطين والعروبة الكذبتان الأكبر للنظام المذكور، والفلسطينيّون واللبنانيّون، فضلاً عن السوريّين، أكبر ضحايا هاتين الكذبتين الدائمتين. وهذا، بالضبط، ما بادر إلى الردّ عليه أهل مخيّم اليرموك مع تداعي ذاك النّظام. فالرفض شامل لإبقاء الشبّان الفلسطينيّين مادّة استعماليّة، يُرسَلون إلى الجبهة حين تحتاج السلطة الدمشقيّة ذلك، ويُمنعون من الوصول إليها حين تحتاج ذلك.
يكفي أن يكون هناك فلسطينيّ واحد قد قرأ ما تفوّه به رامي مخلوف قبل أسابيع، ثمّ رأى ابناً له يسقط قتيلاً لأنّ “القيادة العامّة” طلبت منه أن يتوجّه إلى هناك، بعد أن طلبت دمشق من “القيادة العامّة” أن تطلب ذلك!
وليس من المبالغة إطلاقاً القول إنّ الكذب ملح النظام السوريّ. يكفي أن نراجع صفحات قليلة من كتاب ليزا ويدين “السيطرة الغامضة”، الذي صدرت مؤخّراً ترجمته العربيّة، للتيقّن من ذلك. فهو دائماً زعم أنّه أكثر فلسطينيّة من الفلسطينيّين، وأكثر لبنانيّة من اللبنانيّين. وهو، حرصاً منه على الشعبين اخترع لهما “الفصائل” في 1983 التي هدّدت منظّمة التحرير الفلسطينيّة ووحدتها وشرعيّة تمثيلها، كما لعبت أدواراً في النزاعات اللبنانيّة يصعب تبريرها سياسيًّا وأخلاقيًّا. يكفي التذكير بأنّ ولادة “الفصائل” تلك إنّما ترافقت مع شقّ منظّمة التحرير لأنّها “تفرّط” بقضيّتها، وذلك بعد أشهر فحسب على اجتياح 1982 الإسرائيليّ.
فـ”الفصائل”، إذاً، خرجت من ذاك البطن الذي خرجت منه حرب طرابلس ومقتل القائد الفلسطينيّ سعد صايل (أبو الوليد) في البقاع، قبل أن تندلع “حرب المخيّمات” جنوب بيروت. أمّا الذين يرون أنّ منظّمة التحرير قدّمت تنازلات كبرى للإسرائيليّين في اتّفاقيّة أوسلو العام 1993، فينسون أنّ تلك التنازلات لم تنفصل عن الإنهاك العظيم الذي تعرّضت له المنظّمة في لبنان آنذاك.
لقد قال فلسطينيّو اليرموك أنّ هذه السياسة المؤسّسة على الكذب، والتي تشتغل آلتها على طحن دمهم، آن لها أن تتوقّف. ألا يذكّرنا هذا بسكّان جنوب لبنان؟