رسالة راتني إلى المعارضة السورية/ سميرة المسالمة
تثير الرسالة التي بعث بها المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، مايكل راتني، إلى فصائل المعارضة السورية (يوم 3 سبتمبر/أيلول)، بخصوص مشروع اتفاق أميركي ـ روسي لوقف القتال، ونشرت أخيراً، تساؤلات وملاحظاتٍ عديدة.
مع ذلك، ما يلفت الانتباه أن الكيانات السياسية للمعارضة (خصوصاً الائتلاف) لم ترد على الرسالة، في حين أن بعض الفصائل المسلحة بعثت رداً، أخذت فيه على المبعوث الأميركي عدم إشراكها أو إطلاعها على ما يجري، وعن خيبتها من الموقف الأميركي، لاسيما السكوت عن تجاوزات النظام وروسيا كل الاتفاقيات، واعتبار أن طريقة التصرف ضد القاعدة، من دون النظام، تساعد النظام وتضرّ الثورة، ولا تضعف القاعدة، كما تم انتقاد طريقة تعاطي الولايات المتحدة مع حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، واعتبار أن ذلك يؤثر سلباً على وحدة الشعب السوري. وعموماً، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية على الرسالة:
أولاً، لم يتوجه راتني برسالته إلى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، وهي الهيئة القيادية المعترف بها دولياً، وإنما بعث بها مباشرة إلى ممثلي “الفصائل الثورية في سورية”، وحتى أنه لم يذكر “الائتلاف” بالاسم، الأمر الذي يفترض من هذه الهيئة التمعّن في هذا الأمر، والمراجعة بخصوصه، لا مراجعة الإدارة الأميركية، فقط، وإنما مراجعة الذات، ولا سيما عن سبب تدني مكانة “الائتلاف”، وخصوصاً سبل استعادته مكانته ودوره.
ثانياً، تأتي الرسالة بصيغة إخبار (“لا شك أنكم الآن قد سمعتم عن الاتفاق الذي نقترب من التوصل إليه مع روسيا”)، وليس بصيغة تشاور، وهو الأمر المفترض، باعتبار أن المعارضة السورية، و”الائتلاف” خصوصاً، هي صاحبة الحق والمصلحة في التقرير في هذا الأمر، وكان الأصح وضعها بصورة ما يجري أولاً بأول.
ثالثاً، يلفت الانتباه أن راتني تسرّع في نشر رسالته (3 سبتمبر/أيلول) قبل أن يوقع الاتفاق الطرف الروسي، إذ لم يمض يوم واحد حتى تم الإعلان عن فشل المشروع، أو عن وجود لا اتفاق، ما يثير الشبهة بأن ما أراده راتني يتعلق فقط بالتنصل من المسؤولية، والتوضيح أن الولايات المتحدة ليس بيدها شيء تفعله.
رابعاً، يتحدث راتني كأن الولايات المتحدة دولة ضعيفة، لاحول لها ولا قوة إزاء روسيا، إذ
“خرجت القضية السورية من النظام والمعارضة وصارت في يدي الولايات المتحدة وروسيا” يقول: “التعامل مع روسيا صعب للغاية… من الصعب جداً إجراء هذه المباحثات مع الروس حتى وهم يقتلون السوريين بشكل يومي. تسألنا المعارضة باستمرار: كيف يمكن لروسيا أن تظل راعية للعملية السياسية، بينما تتصرّف، في الوقت نفسه، طرفاً أساسي في الصراع؟ ونحن نسأل أنفسنا هذا السؤال كل يوم (!)…كلانا ليس لديه أي خيار سوى التعامل مع الآخر. وهذا يعني أن على الولايات المتحدة وروسيا أن يعالجا مخاوف بعضهما”. هكذا يتكلم راتني، مع علمنا أن الولايات المتحدة لا تفعل شيئا عملياً، في حين أن روسيا طرف فاعل في القتال إلى جانب النظام، وهي تقصف السوريين بالطائرات بقنابل النابالم والقنابل الفسفورية، أي أن الولايات المتحدة ليس فقط لم تفعل شيئاً لفرض حظر جوي أو لفرض مناطق آمنة ووقف قصف النظام بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية، وإنما هي سمحت لروسيا بالقصف الجوي أيضاً.
لا نتحدث هنا عن تدخّل أميركي، ولا بأي شكل، وإنما عمّا يمكن أن تفعله من دون تدخّل، من خلال أوراق ضغط كثيرة تمتلكها، ومن خلال قوتها الناعمة، وبالتعاون مع الدول العربية والإقليمية والاتحاد الأوروبي. وضمن ذلك، وقف القصف الجوي وفرض مناطق آمنة، وإمداد المناطق المحاصرة بالغذاء من الجو أو من البر، وفي أي طريقة، وعدم ترك النظام يهجّر السوريين لإحداث التغيير الديمغرافي، وصولاً إلى تمكين الجيش الحر من التصدّي للقصف بمضادات طائرات، وتقوية مكانة المعارضة سياسيا وعسكريا، أي القيام بعشر ما تقوم به روسيا للنظام؛ هذا ونحن نعلم أن ضغطا أميركيا بالقدر المناسب على روسيا من شأنه تغيير كل الوضع، وهو ما حدث إبّان أزمة الكيماوي (أغسطس/ آب 2013).
خامساً، إذا أحسنّا النيّة، فهذا اتفاق أولي كان يمكن أن يمهد لاتفاق أشمل وأعمق، إذ إنه لم يتضمن إطلاق المعتقلين في سجون النظام، ولا رفع الحصار عن المناطق المحاصرة، ولا وضع حداً للتهجير الديمغرافي، وهي القضايا الأساسية المفترض أنها خارج عملية المفاوضات، بحسب نص قرار مجلس الأمن 2254، وهذا ما يجب التأكيد عليه في كل اتفاق كخطوة أولى.
سادساً، وأخيراً، ثمّة إيجابيات كثيرة في مشروع الاتفاق، إذ نص على “وقف الهجمات العشوائية من النظام وروسيا على المدنيين والمعارضة… وتمهيد الطريق لإعادة إطلاق عملية سياسية موثوقة… تقوم روسيا بمنع طيران النظام من التحليق، وهذا يعني عدم حدوث قصف من النظام في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بغض النظر عمن يوجد فيها، بما في ذلك المناطق التي توجد فيها جبهة “فتح الشام” إلى جانب فصائل المعارضة الأخرى، وفي المقابل، نعرض على روسيا التنسيق بشأن إضعاف “القاعدة” في سورية. وسيتضمن هذا التنسيق تفاهماً يقضي بأنه لن تكون هناك عمليات قصف من النظام ولن يكون هناك قصف عشوائي روسي”. أيضاً، نص الاتفاق على وقف القتال في حلب، و”انسحاب النظام من طريق الكاستيلو، وإنهاء القتال حول طريق الراموسة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى حلب، من خلال كل من طريقَي الراموسة والكاستيلو، وإنهاء الهجمات والعمليات الهجومية في جميع أنحاء البلاد… سيقوم النظام والقوات الموالية له بسحب قواتهم من طريق الكاستيلو. وسيصبح طريق الكاستيلو منطقة منزوعة السلاح، وعلى وجه التحديد، فإن النظام سيقوم بها… المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة ستدخل مدينة حلب، فور عودة الالتزام بالهدنة، وعلى الأرجح أن يكون دخولها من خلال طريق الكاستيلو. لكن شحنات المساعدات الإنسانية الأممية اللاحقة ستدخل حلب من خلال طريق الراموسة”.
سابعاً، يؤكد المشروع “أن هذا الاتفاق مهم للعملية السياسية، لأننا نعتقد أن تحديد الالتزام
“لم يتوجه راتني برسالته إلى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، وإنما بعث بها مباشرة إلى ممثلي “الفصائل الثورية” بالهدنة يمكن أن يفتح الباب لعملية سياسية منتجة”. وهذه نقطة ينبغي التركيز عليها، أي ربط أي اتفاق محلي وآني باتفاق شامل ونهائي، يفتح على تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، بحسب بيان جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2254″.
على أية حال، تم إعلان فشل هذا الاتفاق، لكن ذلك لا يعني أنه فشل نهائياً، إذ سيواصل الطرفان، الأميركي والروسي، جهودهما لصوغ اتفاق، وهذا ما ينبغي أن تدركه المعارضة، يتعلق بواقع خروج القضية السورية من أيدي السوريين، نظاماً ومعارضة، وأن التقرير في شأن مستقبل سورية بات في يدي الولايات المتحدة وروسيا (مع اعتبار الفارق في وزن الجانبين)، ما يفترض بالمعارضة أن تفعل الكثير لتنظيم صفوفها، وتطوير أوضاعها، وتوضيح خطاباتها، كي تستعيد مكانتها وتعزّز دورها إزاء شعبها وإزاء العالم.
أيضاً، السؤال الذي يمكن أن يطرح هل تأخّرت الفصائل في صياغة ردّها، أم أنها انتظرت طويلا أن يقوم الممثل السياسي (أي الائتلاف) بدوره في الرد على رسالة المبعوث الخاص للولايات المتحدة؟ عموماً، يضعنا تجاهل الطرفين “الائتلاف” وغيره من التشكيلات السياسية المعترف بها دولياً يضعنا أمام تساؤلاتٍ، ترقى إلى مستوى اتهام الإدارة الأميركية، ومن قبلها الأمم المتحدة، بتجاوز الكيان السياسي والقوى السياسية، لعقد تفاهمات مناطقية على الأرض مباشرة.
العربي الجديد