رسالة معايدة إلى “القارئ السعيد”/ عقل العويط
لا بدّ أنكَ أمضيتَ ليلة رأس سنة، شبيهة إلى حدّ ما بالليالي التي سَبَقَتْها، مع فارق نوعي في “المواد” السعيدة المستخدمة: حفلة orgie عارمة + فيلم بورنو طويل وحقيقي + شميم أفيون بأنواعه الشتّى، و/أو حفلة دعارة سياسية على دعارة اجتماعية صفراء.
ستقول لي إنها كانت ليلة “عادية”. صحيح. فمن الطبيعي أن لا يكون شيءٌ كثير قد تغيّر عليكَ في تلك الليلة بالذات، سوى بعض البهارات والتوابل. فما دمتَ “سعيداً” على مدى العمر، خالي البال، غافلاً في الأيام العادية، عن مآسي الشرط البشري، الفردي أولاً، ثمّ الجماعي، اللبناني السوري العراقي اليمني الفلسطيني… وهلمّ، فكيف لا تكون رافلاً في سعادتكَ الملهمة في تلك الليلة بالذات؟!
طبعاً، أنا لا أحسدكَ، ولا أُنكِر عليكَ السعادة مطلقاً، ولا هذه السعادة بالذات. فمن حقّكَ أن تكون محقوناً بها، مبتهجاً، مستنفَراً، ملتهب الحواس. لا خلفكَ ولا قدّامكَ. لوددتُ أن أكون معكَ في تلك الليلة، بصّاصاً. إذ كان ليشوّقني كثيراً جداً استراق النظر إليكَ وأحبابكَ. لا لأنني أشتهي الاستراق، حاشا، بل فقط لكي أُسعِد القرّاء الآخرين أمثالكَ، بالكتابة عن تفاصيل ليلتكَ “العادية” تلك، بما أُعطيتُ من مواهب السرد والقص، وهي كثيرة، على قول القرّاء. كنتُ لأجتذب الألوف بل الملايين. أعرف أن قرّاء “سعداء” كثيرين، قد حالت ظروفهم دون أن يحققوا مثل هذه الأمنية. على الأقل، أكتب لهم عن ليلتكَ، ليشفوا بعضاً من غليلٍ عتيق، ومن شعورٍ هائل بعدم المساواة!
لا أخفيكَ أنني، أنا نفسي، قد “ضيّعتُ” وقتاً طويلاً في الكتابة عن الترّهات الأدبية والثقافية والأخلاقية والإنسانية والسياسية، داعياً إلى التعبّد لثقافة الحرية، ومحاربة الطواغيت، وإسقاط سلاطين الدين والإرهاب والنهب والفساد. يا لي كاتباً ساذجاً، واهماً، ومخدوعاً. كم أنا نادمٌ حقاً على ذلك الوقت الضائع!
كنتُ لأكون “سعيداً” الآن، وفي كلّ آن، لو انغمستُ في أحضان لغةٍ مخصصة للسعداء، شاربي السيكار الملغوم، والكحول الملغوم، والشفاه والصدور الملغومة. لكان ذلك أدعى لتكثير أهل السعادة من القرّاء، ولترويج الإعلام الأصفر الجديد. وإذا كان كثرٌ من أمثالكَ يعتقدون أنني أزيدها عليكَ، فاعلمْ أنني لن أستسيغ الذوق الشعبوي العارم، وسخافات التواصل التافه والرخيص بين الناس. يا لي كاتباً عديم الفهم، غليظ القلب والعقل!
أعايدكَ بالطبع، معترفاً بأن مَن مثلي، يجب أن لا يكون له مكانٌ في عصر “الكتّاب والقرّاء السعداء”.
… بس أوعا تصدِّق. أنا رح ضلّ حصرم بزلعومك!
النهار