صفحات سوريةفلورنس غزلان

رسالة موجهة للمجلس الوطني السوري


فلورنس غزلان

إن بدأنا عهدنا باقتراف الخطأ ، فإلى أين سينتهي بنا المطاف؟

وقفنا ومازلنا نقف إلى جانب المجلس الوطني السوري، وضعنا ثقتنا به اعتقاداً وايماناً منا بالحاجة الملحة والخطيرة التي تمر بها بلادنا، ولأنا رأينا فيه الأصلح بعد فشل العديد من المؤتمرات، والأكثر احتواء وتمثيلاً لمعظم تكوينات المجتمع السوري ومعظم أحزابه التقليدية المعارضة، إلى جانب المركز الأول والأهم وهو الثورة السورية ممثلة بلجانها التنسيقية المحلية وهيئتها الثورية، ومجلسها الأعلى..ولتعويلنا على بعض الشخصيات الوطنية فيه ، ــ على الرغم من ملاحظاتنا على الكيفية والطريقة التي تم فيها الاختيار والانعقاد والتشكيل، على الرغم من افتقاره لمشروع وبرنامج وطني يخص المرحلة الراهنة ويضع النقاط على الحروف في رؤيته للمرحلة القادمة أي بعد انتصار الثورة وكيف يرى المجلس سوريا بعد انتهاء حقبة الاستبداد الأسدي.

بعد مرور مايقارب الشهرين على نشوء المجلس، ورغم قصر المدة، لم يستطع حتى الآن إكمال تشكيل كل هيئاته والاتفاق على بعض الأسماء فيها، لم يستطع أن يبذل مايكفي من محاولات، أن يتقدم بخطوات واضحة يمكنها أن تجمع بعض أطراف المعارضة، التي مازالت مترددة ، أو محاولة تقريب وجهات النظر فيما بينها لتشكل حزمة الأعواد القوية التي تجابه النظام من جهة، وتدعم بلا كلل الثورة السورية وتمثل صوت الشارع ومعارضته في المحافل العربية والاقليمية والعالمية.كما يبدو للمراقب أن خطواته مازالت أبطأ من تسارع خطى الثورة لاتتوازى معها ولا تتفاعل مع وقعها وحجم تضحياتها اليومية، أي لم تبلغ مستوى المسؤولية الواضحة من هذه التضحيات وتتبلور كصوت يعلو في المحافل العربية والعالمية وفي الداخل من خلال التواصل والتخطيط والتوجيه ، لأنه بمثابة سلطة أيدها الشارع السوري وخصها بجمعة من جمعه..

مع كل هذا نعتقد أن المجلس يمكنه أن يتداركه ويتخطاه إن تسارعت خطواته ثابتة ومقنعة ومقتنعة بعملها، لكن من واجبه علينا باعتبارنا من دعمه ومن كان له الفضل بالاعتراف به وبوجوده كهيئة تمثلنا.،وأقصد الثورة أولأ بكوادرها، ثم المعارضة المتمثلة فيه بكل أطيافها..لذا من حقه علينا أن ننتقده ونحاول تصويب خطأه حين يقع لأنه منا وفينا..ولأنه المسؤول الأول ..كما أنه من حقنا عليه أن يستمع ويصغي جيداً لوجهات نظرنا..حتى لو لم يتفق معها..لكني لا أسطر كلماتي من منطلق شخصي، وإنما بعد صرخات واعتراضات ومناقشات وتداولات مع الكثير من أبناء الثورة الذين أتواصل معهم داخل وخارج الوطن ومن المعارضين السوريين على الساحة الفرنسية تحديداً..

ــ الهفوة الأولى التي ارتكبها المجلس الوطني وكان بإمكانه ألا ينزلق إليها على الأقل باتخاذ موقف الصامت ..إن كان الصمت يجعل من الموقف حامياً لوحدة المجلس أولاً، ولوحدة الشارع السوري ثانياً وكي لايفتح المجلس عليه عشاً من دبابير النقد في وقت هو الأحوج فيه إلى دعم وتأييد وتثبيت خطاه، واقصد هنا وبكل وضوح الرسالة، التي كتبت ووقعت باسم ” الأمانة العامة” للمجلس الوطني السوري، ووجهت لوزير خارجية تركيا السيد أوغلو ..تدين فيها ” الاعتداء الغاشم ، الإرهابي…الذي يهدد أمن واستقرار البلد الجار والصديق تركيا “!! ناسين أو متناسين أن من يتهمونهم بالارهاب هم امتداد لمكون من مكونات المجتمع السوري، وجزء لايتجزأ من الثورة السورية ، وتتمثل أحزابه في المجلس ذاته…فهل يعني أو من الممكن أن نتهم المقاومة الفلسطينية وحملها للسلاح من أجل التحرير بأنها إرهابية؟..علما أن كثير من العمليات الفلسطينية توجهت غالب الأحيان إلى مدنيين إسرائيليين، بينما العملية التي قامت بها حركة ” البيه كا كا”وجهت لمواقع عسكرية تركية تذيق السكان الأكراد شتى صنوف العذاب وتعاملهم كمواطنين من درجة أدنى..وترفض منحهم أي حق من حقوقهم الانسانية والقومية..ونتساءل كذلك ..عما يقوم به ” الجيش الحر المنشق عن الجيش السوري ودوره في حماية المتظاهرين السلميين، هل نعبتر مقاومته للنظام ودفاعه عن المدنيين إرهاباً؟”، لم يكتفِ المجلس الوطني وأمانته العامة بهذه الرسالة، بل جاء تصريح الدكتور برهان غليون لقناة العربية لينكأ الجراح أكثر، حين يقارن أو يشبه إلى حدٍ ما بين أكراد سوريا والمهاجرين في فرنسا !!! ويؤكد على عروبة سورية وأنه لايمكن لعربها أن يتخلوا عن عروبتهم..فهل يعني أن على الأكراد أن يتخلوا عن كرديتهم؟..رغم أنه يتدارك الأمر فيما بعد ويعترف بحق الأكراد وقوميتهم وحقوقهم..وإنضواء معظم أحزابهم سواء في هيئة التنسيق أو إعلان دمشق، وأن سورية ستبقى الجمهورية العربية السورية!، وأعتقد أن الدكتور برهان يعرف جيداً أن اسم سوريا بعد الاستقلال هو ” الجمهورية السورية” وأن كلمة العربية أضيفت إليها لاحقاً مع الانقلابات العسكرية ذات البعد القومي ، الذي لم يستطع الحفاظ على وحدة الأرض السورية ولا على وحدة هويتها الوطنية ، مع أن تركيبتها متنوعة وغناها وثراءها التراثي والمجتمعي يكمن في هذا التنوع……بغض النظر إن اتفقنا أو اختلفنا مع الوسيلة التي اتبعتها حركة البيه كا كا”..لكنا ضربنا عرض الحائط بهذه الرسالة، وهذا التصريح وحدة المعارضة السورية ووحدة صفوف ثورتها..كي نرضي عدو الأمس ومحتل لواء اسكندرون!!، أما كان من الأجدى أن نصمت؟!.

ــ لم يتوقف الأمر عند هذه الهفوة ، بل تعداها لمنزلق خطر ينبيء بأننا بدأنا نمارس بحق المختلف عنا وبذات الطريقة والفكر ، التي مورست علينا ومازال يمارسها نظام الاستبداد الأسدي.، أي الاقصاء للرأي المخالف..وهنا أعني به ما أدلته من تصريح السيدة الناطقة الرسمية باسم المجلس الوطني” بسمة قضماني” ــ علماً أنها لم تسمى كعضوة في المكتب التنفيذي ولا أستطيع الجزم في مدى شرعية هذه التسمية، لأننا لم نطلع على النظام الداخلي لتركيبة هيئات المجلس ــ خلال لقاء معها في صحيفة الأخبار اللبنانية ــ وكلنا يعرف ماهية سياسة هذه الصحيفة ولمن تتبع في هواها السياسي ــ فقد سئلت السيدة قضماني عن إشاعة يتم تداولها بأنها كانت وراء محاولة لمنع انعقاد مؤتمر صحافي لمجموعة زائرة لباريس من أعضاء في ” هيئة التنسيق” وهم المفكرين والمناضلين الذين نكن لهم كل الاحترام والتقدير” الدكتور عارف دليلة، الكاتب والصحفي فايز سارة، والكاتب والصحفي ميشيل كيلو” ــ وإن اختلفنا معهم في الرأي ، فهذا لايقلل من احترامنا للاختلاف ولا لفهمنا لمعنى ديمقراطية ننشدها لبلدنا ــ فأجابت بما يلي:ــ

لا تتردد في الاعتراف بأن السلطات الفرنسية «سألتني إن كان هؤلاء يضايقوننا ويخرّبون عملنا في المجلس الوطني، فتشاورتُ مع الدكتور برهان (غليون)، وأجبتُ وزارة الخارجية الفرنسية بأنهم بالفعل يزعجوننا ويشوشون علينا، لكن لا تمنعوهم، واتفقنا مع الفرنسيين على أن هذا المؤتمر الصحافي يجب أن يعقد بكل حرية».!!!

أعتقد أن مثل هذا السؤال هو عبارة عن مصيدة، وقعت فيها السيدة قضماني من حيث تدري أو لاتدري!، فعملية القول أنهم ” نعم يشوشون علينا ويزعجوننا ، لكن لاتمنعوهم “!!…حري بها كناطقة ومسؤولة أن تختر بدقة أجوبة بمستوى مسؤوليتها ….نعم نحتلف معهم في الرؤيا في طريقة التخلص من النظام الاستبدادي، لكنا نحترم مثقفينا ونحترم آراءهم، ولا يمكننا أن نمنع أو نسمح بمنع أي مواطن سوري مهما كان ألا يعبر عن رأيه بحرية ، لأننا عوملنا لعقود بالاقصاء والتهميش والقمع لآرائنا ، فليس من الممكن والصائب أن نمارس مامورس علينا..لهم حريتهم في عقد مؤتمرهم الصحافي والتعبير عن رأيهم ، كما لنا حريتنا أيضاً، والشارع السوري هو الحكم في النهاية، ثم إنها تشير إلى نوع من العلاقة الودية القريبة جداً مع السلطة الفرنسية وربما يؤثر هذا الموقف على مصداقية المجلس وحريته واستقلاليته في اتخاذ قراراته برأي المواطن السوري العادي غير المسيس، لكنه من يدفع الثمن ويقف بوجه المدفع..ويتحسس لأي علاقة غربية..علينا أن نحذر من مطبات يمكنها أن تسيء للمجلس..ربما لا حساسية شخصية عندي من هذه العلاقة لكني أقرأ موقف المواطن العادي ، والذي وصلني اعتراضه وصوته عبر الوسائل الأليكترونية..ودوري أن أنقله بأمانة..

أختم بالقول ، أن هذا لايعني أننا لم نعد نؤمن بالمجلس ودروه، بل وندعمه طالما أنه يستمد شرعيته من الشارع السوري أولاً، ومن كافة أطراف المعارضة، وهنا أعتقد أنه على المجلس أن يقدم اعتذاره لأكراد سوريا..على رسالته ، التي يمكنها ان تؤثر وتقسم الشارع السوري ومجلسنا الوطني، ونحن حريصون على تماسكه ووحدة أطرافه وانفتاحها على من لم ينضم إليه بعد، أو على الأقل التنسيق مع الأطراف المغايرة له بالرأي والطروحات..وأكرر أن النقد لايفسد للود قضية، إنما يصب في صالح المجلس وفي حقنا تصويب الخطأ ــ إن وقع ــ والتنبيه للمزالق كما نراها..وإن كان لدى المجلس وجهة نظر مغايرة ومقنعة، فعليه أن يتوجه بين فترة وأخرى للشعب السوري ، الذي منحه هذا الدور، وأن يطلعه على تحركاته، وأن يكون شفافاً واضحاً في كل خطواته..وبهذا نتجنب ويتجنب المجلس ..أي خطأ يمكن وقوعه مستقبلاً.

باريس 27/10/2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى