رغم العوائق الكبيرة… هل حققت صحف المعارضة التأثير المطلوب؟/ محمد كساح
على الرغم من أناقتها وجمال ورقها المزدان بأبهى الألوان، إلا أن الصحف المطبوعة التابعة للمعارضة السورية والتي تُوزع في الشمال السوري تفتقر إلى التفاعل والاهتمام من قبل سكان المساحة الكبيرة التي تشمل محافظة إدلب وريف حلب وأجزاء من ريف حماة، والتي يتجاوز عدد قاطنيها 4 ملايين نسمة، في حين نجحت صحف عديدة في عرض محتوى شيق ومقبول، لكنها ربما تكون قد أخفقت في جوانب أخرى.
وخلال استطلاع أجرته (كلنا شركاء) مع شرائح مختلفة من المجتمع، شكلت التصريحات التي أدلى بها معظم المستهدفين حقيقة صادمة حول مدى تأثير قرابة 45 صحيفة تُوزع حالياً شمالي سوريا، ما يثير العديد من التساؤلات عن مستقبل الجرائد المطبوعة في المنطقة بشكل خاص وسوريا بشكل عام.
وقال رؤساء تحرير يعملون ضمن جرائد مرموقة توزع شمالي سوريا إن صحفهم تشكو من متاعب جمة تتعلق بالحريات والمصادر وسوء التوزيع، في حين اتهم بعض من شملهم الاستطلاع صحف المعارضة بأنها لا تقدم محتوى يليق بالواقع السوري الراهن.
* أزمة حريات
ظهرت جريدة “زيتون” في بداية كانون الثاني 2013 في مدينة سراقب، وعلى الرغم من عدم امتلاك الفريق القائم عليها أي خبرات صحفية في البداية إلا أن الصحيفة لاقت قبولاً لدى أهالي المدينة المتعطشين للكتابة في فترة كان فيها هامش التعبير واسعا، ولم تكن سطوة الفصائل واضحة. وهذا ما أكده مدير “زيتون” السيد رائد رزوق، خلال حديث لـ (كلنا شركاء).
وبالنسبة لـ “رزوق”، أكبر أزمة تعاني منها صحف المعارضة هي ضيق مجال الحرية المتاح لها في المناطق المحررة شمالي سوريا.
وأكد رزوق أنه “لا زيتون ولا غيرها يتم توزيعها كما يجب، مشكلة التوزيع ومشكلة التغطية أسبابها واحدة. هي الخوف من الفصائل المسيطرة التي تنظر بعين الريبة إلى صحف الإعلام البديل، الفصائل التي تمارس التعمية وتخاف من الكاميرا ومن المراسل وتخيف الموزع والصحفي، هي السبب في ضعف التوزيع وضعف العمل الإعلامي في المناطق المحررة حتى الآن”.
وأشار إلى أنه “في إدلب المدينة يُمنع دخول الصحف ويُمنع التصوير كما يتم تهديد المراسلين في كثير من المدن الأخرى، ومن الأكيد أن الصحفيين والمراسلين الذين ليسوا تحت حماية أحد الفصائل هم في مغامرة كبيرة، وحالات خطف الصحفيين واعتقالهم ومصادرة معداتهم كثيرة، وما خفي من تهديدات لهم أعظم”.
* ضعف
عوائق كثيرة غير منع الصحف من الدخول إلى سوريا من قبل الفصائل المسيطرة على معبر باب الهوى في حال تناول أحد مواضيعها انتقادات لها، تُشكل ضربة قاصمة للصحافة، منها، بحسب رزوق، “عسكرة المجتمع، إحجام المصادر، تهديد الصحفيين، خوف الأهالي من الإدلاء بشهاداتهم وأسمائهم، خضوع الكثير من القطاعات الخدمية لسلطة الفصائل، كلها عوائق حقيقية في وجه العمل الصحفي”.
وتابع رزوق بالقول “مع أن الإعلام البديل يعاني كما تعاني كل القطاعات في المناطق المحررة، لكن الصحف المطبوعة في الطريق الصحيح رغم ضعف المواضيع المرتبط بضعف الكادر والإمكانيات والخبرات”.
وأضاف “لا يمكن أن تطلب من أية صحافة أن تكون بحجم المأساة السورية، وخصوصاً في الحالة التي يمر بها المجتمع من تشظي وتخوين وتشكيك واصطفافات وصراعات على السلطة”.
* طموح
بعد عامين على انطلاقها استطاعت مجلة “مبادر” رسم هوية واضحة، واختصت بمجال معين، قدمت من خلاله صورة مختلفة للمجتمع المدني السوري، بعيدة عن تلك التي رسختها بعض الجهات بأن السوريين جثث تحت الأنقاض فقط، أو تلك التي يُصر عليها إعلام النظام بأن المجتمع المحلي حاضن للإرهاب، وفقاً لما تحدث به “ساشا العلو” مدير تحرير المجلة لـ (كلنا شركاء).
وتابع العلو قائلاً “غطت المجلة مبادرات السوريين في مختلف الأراضي المحررة، تلك التي بدأت من نشاط فردي تطوعي لأستاذ يعلم أطفالاً في غرفة صغيرة بسبب توقف المدراس نتيجة القصف المكثف، مروراً بإعادة إحياء المسرح في الجنوب ومحاولات استعادة الحالة الفنية وسط الحرب، وصولاً إلى النشاطات الكثيرة في مختلف البلاد لتقديم الدعم النفسي لأناس أنهكتهم الحرب، وأخيراً الخدمات التي يقوم بها الجسم المدني الجديد في ظل غياب الدولة وهي (المجالس المحلية) ومبادراتها في مختلف المناطق المحررة.
تُطبع “مبادر” بشكل شهري وتُوزع على المناطق المحررة شمالي سوريا، وتعتمد على الموضوع الصحفي (فيتشرز) كقالب موحد لجميع موادها، ما يُضفي جمالية محببة على طريقة عرضها للفعاليات المختلفة، حتى لو كانت هذه الأعمال بعيدة عن التشويق والإثارة.
أسلوب “مبادر” اتسم بالرشاقة والإتقان، إضافة لنشر المجلة صوراً عالية الدقة تعرض المبادرات بألوان جذابة.
ومن أبرز نقاط القوة لدى “مبادر”، وفقاً لـ ساشا العلو، تمكنها من تأهيل ما لا يقل عن 30 شاباً وشابةً وإعدادهم صحفياً، كل واحد من هؤلاء الشباب يعيل لا يقل عن عائلتين من الأجر الذي يتقاضاه من “مبادر”، أي أن المجلة ساهمت بشكل أو بآخر بتمكين عشرات العائلات اقتصادياً، وتأهيل شباب صحفيين سيكونون فاعلين إيجابياً في مجتمعاتهم.
* كلام صادم
“حسين الون” مدير إحدى المدارس العاملة في أطمة بريف إدلب، قال إنه لا يقرأ الجرائد بشكل كبير لأنها غير مشجعة ومحتواها الثقافي ضعيف.
ونوه الون إلى أن معظم مضمون الجرائد أخبار وتحليلات، ولا تحمل رسالة نهضوية بناءة. وتابع في حديث لـ (كلنا شركاء) “ربما تصلح أن تكون وثيقة تاريخية يمكنك من خلالها معرفة تاريخ الحدث”.
وأما الناشط الصحفي “محمد مصطفى فاضل”، فألمح في تصريح لـ (كلنا شركاء) إلى أنه غالباً يكتفي بحل الكلمات المتقاطعة وإن كان هناك عنوان ملفت للنظر فإنه يقرأ المقال.
السيد “أبو عهد كيالي” قدّم لـ (كلنا شركاء) جواباً صادماً حيث قال “في حال تواجدت، مهمتها الرئيسية الاستخدام في التنظيف!”.
وأما “أبو ضياء السيد أحمد”، وهو مقاتل على الجبهات فلفت إلى أنه حصل على إحدى الجرائد مرة واحدة وبالصدفة. وعلق بالقول “للأسف تعبر عن جزء من المجتمع، التحزبية واضحة فيها، وهذا الأمر يُضعف من قرائها”.
“محمد برغش” كان له رأي مشابه. فقد أكد لـ (كلنا شركاء) أن أغلب الأخبار والعناوين الموجودة في الجريدة موجودة على الإنترنت، “فبينما يكتب الخبر على الجريدة ويطبع ويوزع في اليوم التالي يكون الشخص قرأ الخبر أكثر من عشرين مرة”. وأضاف “أما عن الاستخدامات الأخرى لمسح الزجاج و…… الخ فلا يخلو الأمر من ذلك”.
الناشط “معاوية الآغا” تساءل عن عدد القرّاء الذين يطلبون الجرائد لمطالعتها، مشيراً في حديث لـ (كلنا شركاء) إلى أنهم معدودون على الأصابع. “توجد نسبة كبيرة تطلب الجرائد لحل الكلمات المتقاطعة ونسبة أكبر لمسح البلور. 90 في المائة من أهالي إدلب وريفها ليسوا على دراية أن هناك جرائد توزع وليس لديهم أدنى اهتمام في الأساس”.
كلنا شركاء