رفيقي في السلاح قتلني/ مـالـك أبـو خـيـر
هي ليست فيلماً هندياً أو أميركياً. هي حقيقة تحدث، وحدثت كثيراً في الثورة السورية منذ بدايتها، وتحديداً منذ بداية الحراك المسلح وانشقاق الضباط عن الجيش السوري، وتشكيل الجيش السوري الحر، ومنذ أن أصبحت الطائفية واضحة المعالم في المشهد السوري. القصة تتمحور حول ضابطين في الجيش، أحدهما علوي والآخر سني، والتفاصيل ننقلها كما رواها لـNOW الضابط المنشق عن نظام الأسد.
أمضيا ثلاث سنوات على سريرين متجاورين في الكلية الحربية، تطوعا في العام نفسه، درسا الاختصاص نفسه، تخرجا في اليوم نفسه، شُكّلا الى المدينة نفسها، وخدما في مراكز قريبة من بعضها.
لم يكن هناك أي اختلاف بينهما سوى الانتماء المذهبي. كانا يجلسان ويتحدثان سراً عن ظلم النظام وقسوة أجهزة استخباراته وعن الكثير من الأمور، ولم يتحدثا يوماً عن الفرق بين مذهب وآخر.
عند وصولهما إلى رتبة نقيب، بدأت الثورة السورية، وبدأت معها الوجوه تتكشّف على حقيقتها. بعد مرور شهرين على بداية الثورة، نُقل الضابط العلوي إلى فرع المخابرات الجوية في دمشق، وكان دوره في قمع المتظاهرين فعّالاً. حاول كثيراً الضابط الآخر أن يذكّره بما تحدثا عنه لسنوات، لكن من دون جدوى، فالثورة بالنسبة إليه تهديد لطائفته. هي ليست الثورة التي تحدثا عنها، هي من وجهة نظره حركة تطرفية إسلامية متشددة لا أكثر من ذلك.
سأله ذات مرة إذا كان سيقتله في حال انشقّ عن الجيش وتواجها. كان جوابه: “أتمنى أن لا نلتقي إن فررت من الخدمة، وإن التقينا في ساحة معركة، فأنا حينها سأقتلك فوراً، ولا أعتقد أنك غبي لتفعل هذا.
كلاهما من مدينة حمص، وعندما بدأت المجازر في حمص، اختار الضابط السنيّ الانشقاق وقاتل في مدينته. ومع مرور الأيام، عاد الى دمشق حيث يقاتل بصفته قائداً لإحدى كتائب الجيش الحر.
في الغوطة الشرقية، كُتب لهما أن يلتقيا من جديد في بناء مهجور يتم القتال عليه بين الطرفين. ويقول الضابط المنشق: “تخيلت كل شيء إلا أن أجده واقفاً أمامي برشاشه. لا أنكر أنني شعرت بالخوف الممزوج بالشوق له، فهو أقرب إلي من روحي، وكان مخزن أسراري، كما كنت له ذلك أيضاً”.
أضاف: “على الرغم من الرصاص المنهمر على المبنى، وقفنا ننظر إلى بعضنا البعض لدقائق معدودة من دون كلام، وكأن كل واحد منا يطلب من الآخر عدم المواجهة، إلى أن دخل أحد العناصر التابعين له، وكان يريد إطلاق النار علي، فما كان مني إلا أن قتلت العنصر فوراً، فيما توجه هو نحوي ليضربني بأخمص السلاح، وأعتقد أنه كان يريد أسري وليس قتلي، فلو أراد قتلي لفعل ذلك بكل سهولة”.
“بدأ عراك بالأيدي استمر تسع عشرة دقيقة. في الدقائق الأخيرة سحب خنجره الحربي لطعني. كاد خنجره أن يصل الى كتفي الأيسر، ولم تنفع كلماتي له بأن يتوقف ويرحل، وكررت له جملة “لا تقتلني أنا أخوك”، ولكن كأنني كنت أنادي عقلاً مغلقاً لا يسمع أي كلمة. كاد الخنجر أن يدخل بالقرب من قلبي لولا طلقة من أحد عناصر كتيبتي جاءت في رأسه لأجد نفسي أبتلع قطرات من دمه داخل فمي”، يتابع الضابط المنشق.
ويختم: “أنا لم أقتله، ولا أنكر أنني لم أستطع ولن أستطيع قتله، ولولا تدخل العنصر، لكنت الآن ميتاً، لكنه قتلني عندما كان مصراً على قتلي، وكأنه يريد الانتقام من شيء ما. على الرغم من أن أهل حيّه والعديد من أقاربه كان لهم دور في قتل أبناء عمومتي وأقاربي في حمص، وعلى الرغم مما حدث، لم أحقد عليه ولم تكن لدي القدرة على أذيته. هو لم يقتلني، لكنه قتل كل لحظة كنت أؤمن فيها بأننا رفقاء درب وسلاح. لقد قتلني وقتل كل أبناء وطني”.
موقع لبنان ناو