رفيق شامي يأخذ بيد كتّاب عرب إلى العالمية..مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة/ خالد سلامة
طريق الأدب العربي إلى العالمية
أطلق الكاتب السوري الألماني رفيق شامي قبل أربع سنوات مشروع “سلسلة السنونو” لترجمة أعمال أدبية لكتّاب عرب بعضهم في مستهل طريقه الأدبي. ما النجاح الذي حققه؟ وما الصعوبات التي تعترضه؟ وما الذي ينفرد به عن غيره من المشاريع؟ خالد سلامة يعرفنا بهذه المبادرة.
فشل السوري فادي عزام (42 عاما) قبل خروجه من بلده سوريا، وهو ابن 28 ربيعاً في نشر أي عمل له، وحتى في النشر في بريد القرّاء لأي جريدة. لكن اليأس لم يتمكن من فادي واستطاع بعد جهد جهيد في العام 2010 نشر روايته “سرمدا” باللغة العربية. في نفس الفترة تقريباً، أطلق رفيق شامي مشروع “سلسلة السنونو” واختار رواية “سرمدا” لتكون باكورة إصدارات السلسلة.
طائر السنونو تُرْجُمَاناً
تصدى رفيق شامي لمهمة دعم ترجمة الأعمال النثرية العربية إلى اللغات العالمية. وسبقت “سلسلة السنونو” محاولتين لرفيق، ولكنهما فشلتا في الاستمرار. وبمثابرة وتصميم من لا يعرف الكلل والملل، يعيد المحاولة من جديد.
وعن سبب التسمية يقول شامي في لقاء مع عربية “أولا أحب هذا الطائر الجميل الذي زيّن في طفولتي سماء دمشق بصوته وخطوط طيرانه الأنيقة. ثانياً لأن هذا الطائر يأتي في الربيع من الجنوب حاملاً معه تباشير الصيف. وأخيراً لأني اكتشفت مدى إصرار هذا الطائر على العودة وبناء عشه من جديد”.
يختار شامي النصوص بنفسه ويعتمد أيضا على أصدقاء في الاختيار، ويمكن للكتّاب أن يرشحوا أعمالهم. ثم يحولها رفيق شامي إلى لجنة استشارية مؤلفة من متذوقين للأدب ومشتغلين في النشر. يقول القائمون على السلسة إن “الإبداع والفن والعمل الخلاق هو الفيصل الوحيد للنشر. والسلطة الوحيدة للنص ومخيلة مبدعيه وقدرته على الابتكار والخلق الفني. دون النظر لجنسية صاحبه وعقيدته وطبيعة موضوعه”.
وعن الأجر، الذي يتقاضونه: “أجرنا هو الفرح بإيصال النثر العربي للعالمية. نعمل بشكل متطوع ونتبرع بحقوقنا المادية كالناشر(رفيق شامي) لصالح الكتاب والمترجمين”. لا توقع السلسلة مع الكاتب عقداً، إنما تسعى لتأمين أفضل عقد مع دور نشر محترمة. عن تجربته مع السنونو يقول فادي: ” تعرفت على صناعة الثقافة وكيفية إنتاجها. يحترم العقد إبداعي، والحقوق والواجبات واضحة لا لبس فيها. الشفافية عالية، حيث يمكنني معرفة عدد النسخ المباعة في أي وقت. على عكس تجربتي المريرة مع دار النشر المصرية، والتي كانت تترافق أحيانا مع عدم الاحترام. معظم دور النشر في البلاد العربية دكاكين ثقافية”.
توصل شامي إلى الاتفاق مع دارين للنشر، واحدة في لندن والأخرى في أمريكا، لتقومان بنشر الترجمة الإنكليزية، باعتبارها الأكثر انتشاراً. ومن ثم تتم الترجمة إلى اللغات الأخرى. وفي ألمانيا قررت دار نشر هانس شيلر نشر السلسة كاملة بالألمانية.
وحتى اللحظة تم نشر الترجمة الألمانية لرواية “دايما كوكا كولا” للكاتبة اللبنانية الكسندرا شريتح. وستصدر الترجمة الألمانية لرواية “سرمدا” في مطلع الشهر القادم، وستباشر الدار بالعمل على ترجمة “كتاب الطغرى، غرائب التاريخ في مدينة المريخ” للكاتب المصري يوسف رخا. وصدرت ترجمات إلى لغات أخرى كالإيطالية والتركية وغيرها. “صار لدينا دور نشر معتمدة ومترجمين ثابتين، وهذا يعطي العمل شيئاً من الاستقرار والحرفية”، يؤكد شامي. ويحبذ عدم المبالغة كثيراً بالحديث عن النجاح، “صدى السنونو ما يزال ضعيفاً، وأنا لا أريد أن اشترك بأي تهريج”.
مصاعب على الطريق
تواجه “سلسلة السنونو” صعوبات عدة، على رأسها المالية. يوضح شامي قائلاً: “نرفض أموال البترول وأموال الطغاة، ونحاول تمويل الكتب مما يتبرع به محبو الأدب دون أن يضعوا لنا وعلينا أية شروط”. وعن أوجه صرف التبرعات يجيب شامي: “لتحسين وسائل اتصالنا بالكتاب، ولعقد لقاءات معهم، ولدفع أجر مترجم محترم قبل أن يصدر الكتاب. في الكتب الأولى شاركت الناشرين بتحمل النفقات وكلي أمل أن تأتي تبرعات تساعدنا على العمل بهدوء والتخطيط لأكثر من كتاب مستقبلي”. تبرز صعوبة أخرى وهي –والكلام للشامي- “طلب بعض الكتاب مبلغا كبيراً من المال، وهذا نتج عن تدخل البترول في إصدار الكتب ومنح الجوائز المهترئة…فرشا بذلك كُتّابا كثيرين”. كان من سوء حظ السلسلة تزامن انطلاقها مع الربيع العربي، مما خطف منها بعض الضوء الإعلامي، الذي كان يمكن أن تحظى به.
لابد أن تمتلك الرواية عنصر التشويق وتبتعد عن الرتابة والملل: “يضعف الرواية ميل الكاتب للمحاضرة والخطابية”. كما يصر شامي أن سلسلته بعيدة عن أموال البترول وعن مدح السلاطين والديكتاتوريات العربية: “صعدت مشاريع ضخمة، ثم انهارت، كما شاء ممولها. تساقط كتاب لأن طاغيتهم أو شيخهم لم يعد يهتم بهم. تحول غالبية المترجمين (على الأقل هنا في ألمانيا) لسماسرة يتعاطون التجارة بالروايات والأشعار المدعومة من الديكتاتوريات العربية ووزارات ثقافتها…الطريق الوحيد المجدي للأدب العربي هو كفاءة هذا الأدب فقط”.
وعن نشر الأعمال، التي تتعرض للمنع والرقابة في البلاد العربية، يعلق شامي: “إذا كانت الرواية قد مُنِعَت فهذا يزيد من فضولي لكنه لا يؤثر على قراري، بمعنى أن المنع وحده لا يكفي فأنا لست بصدد تأسيس سلسلة للممنوع فقط”. يرى فادي عزام أن السنونو: “تكسر احتكار المراكز الثقافية الغربية ومؤسساتها والنخب القريبة منها لترجمة الأعمال العربية إلى اللغات الغربية. بما يلبي توجهات هذه المؤسسات”.
تحاول السنونو – حسب عزام- خلق نوع من “الندية الثقافية” مع الغرب. يوافقه الرأي هنا شامي ويضيف: “لا أرى داعيا للتواضع وللذل أمام الأوروبيين. نحن شعوب قديمة بثقافات تحديثية لا مثيل لها، لذلك لا أرضى أي عطف وشفقة بل كتّابي في السلسلة لهم مكانة كمكانة أفضل كاتب عالمي”.
دويتشه فيله 2015