ركام/ عمرو كيلاني
كل شيء رمادي مشوب بدم، أحالت الصواريخ الحي إلى ركام، أطفال مهشّمو الجماجم تحت الأنقاض، أجساد مسحوقة بلا رؤوس، أياد وأرجل هي كل ما تبقّى من أصحابها، عائلات احترقت وتفحمت، وكلّما كان ينقشع الغبار، كان الموتُ يبدو أوضحَ، في عيون من نجا من المجزرة.
في المطار العسكري تهبط الطائرة، والطيار المتلهف، الذي أنهى المهمة بنجاح، يبدّل ثيابه سريعاً، اليوم موعد إجازته. سيأخذ حماماً سريعاً، ليلاعب ابنته التي طال غيابه عنها، يشارك زوجته العشاء، وينامان من ثمّ كأي عاشقين.
صرخ المساعد في وجهه: “فقط حين يموت اطرق الباب، وإياك أن تعود لفعل هذا ثانية، وإلّا تسبقه”. بالرغم من إدراكه أن الحياة في زنازين فروع الأمن حياة داخل الموت، لم يعرف لماذا فعل هذا فجأة حين أصابت نوبة هبوط السكريّ أحد المعتقلين معه.
في الممر، حين أخرجوه إلى التحقيق، سمع العناصر وهم يتقاسمون الأدوية المصادرة، “أبي عنده الضغط، هذا مناسب له”، “خالتي أجرت عملية في القلب، هذا يلزم لخالتي”، “قطرة للعين، أنا عيني تحمرّ أحياناً”، تلك الأدوية التي بُترت رِجْلُ صاحبها، الذي كان يحاول إيصالها للمناطق المحاصرة، بعد أن أصابتها الغرغرينا من التعذيب.
كل يوم، أمام الغروب، قبل أن تذوي الطيور، تزعج بزعيقها المجرة، وهؤلاء الذين نجوا من احتمال أن يكونوا ضحايا، ولم يستطيعوا بعدها أن يصيروا قتلة، وحدهم من يعرف عاراً اسمه الإنسان.
* شاعر من سورية
العربي الجديد