كتب ألكترونية

رواية خطوط النار – فواز حداد

من السذاجة القول أن الفن للفن. لكن من جمالية اعتبار الفن مكملا للحياة أن ترى كيف تتحرك أحداث رواية فترسم صورها أمام ناظريك، و كيف تتشكل الكلمات الجامدة في ألحان تطربك حينا وتحزنك أخرى، و كيف تشعر بخلجات تاريخ أفراد ماثلا أمامك بتشعباته، يحرك أماقيك بدمع تتفاوت ملوحته بقدر أشجانه! إنه ذلك الفن الذي يحاول أن يكشف لك أبعادا مختلفة من أنواع البشر في سمفونية جميلة لتقول لك في خاتمتها: الإنسان ليس إنسانا إلا بإنسانيته!

قرأت، لا بل عشت أحداث رواية «خطوط النار» للكاتب السوري فواز حداد. لم تكن هذه الرواية من الروايات التي اخترتها ضمن مشترياتي من معرض مسقط الدولي للكتاب لعام 2014، لكنها كانت اختيارا موفقا لمن اقتناها. هذه الرواية، لم تأخذ صيتها من الشهرة مع الأسف، و لعل ذلك بسبب نهجها الذي التزم الكتابة الراقية!

تحملك الرواية إلى المنطقة الخضراء في العراق أيام الاحتلال الأمريكي لتظهر لك الوجه الآخر القبيح لهذا الاحتلال الذي لم يكن له محل في نشرات الأخبار أو بين مقالات الصحف. لقد عاث الاحتلال الأمريكي فسادا و ظلما وقتلا ودفعا للتناحر بين أبناء الشعب العراقي على أرض العراق. أما محاولاته في غربلة الفكر الوحدوي في أذهان العراقيين وعقولهم فكان عبر إحالة جمالية كلمة «عراقي» إلى كلمة مفككة مشتتة مقسمة إلى «مسيحي» و «سني» و «شيعي»! لم يفهم ذلك الاحتلال معنى العِرض أو الشرف ولم يدرك أيضا معاني الكرامة و الإباء ولم.. ولم … تطول قائمة قصر محتويات إدراك عقلياتهم، فهتكوا حرمة الدار العراقية قتلا ونهبا واغتصابا!

تعرض رواية خطوط النار تلك الازدواجية التي يعيشها الأمريكي المغتصب في العراق بين الظاهر عبر نشرات الأخبار وأحداث ما خلف الستار التي تدور على أرض الواقع. فالديمقراطية التي كان يتغنى بإقامتها انتهكها واغتصب معانيها في بيوت الدعارة التي أقامها تسلية وتخفيفا لغربة جنوده وقادته عبر خطف وانتهاك واغتصاب كرامة الفتيات العراقيات لإرواء نزواتهم المختلفة الأشكال. وشعارات الحرية التي كانوا يرددونها كان يتم إزهاق أرواحها تحت حبال المشانق في المنطقة الخضراء أو قنصها بأسلحتهم الحديثة الصنع، والمتهم هو «الإرهاب»! لكن، المعادلة المستعصية على الفهم التي تجلت في الرواية تمثلت في شخصيتين رئسيتين: بثينة، المرأة السنية التي عانت من الديمقراطية والحرية الأمريكية، و أبي سعيد، الرجل الشيعي الذي وجد في المنطقة الخضراء ملجأ لكسب العيش عن طريق عمله كمترجم. واتحادهما معا جسَّدَ أروع مثال للإنسان العراقي الحاضر الغائب!

أبدع الكاتب فنيا في طرح تجربة الطبيب النفسي الأمريكي «كيلي». وكان أكثر إبداعا في أنه وُفِّقَ في طرح الرواية من منظورين: سارد الرواية «كيلي» وكاتبها «المؤلف»، في محاولته التي عبر عنها: «إذا كان لا يجدر بي أن أحل محلك، فبالمقابل لا يجوز لك أن تحل محلنا». فكان قادرا على إضفاء بعض التفسيرات ووضع الأمور بشكل يؤكد كما قال: «الرواية لا تقتصر عليكم وحدكم، ومن الغبن لنا والتبجح لكم أن تحتلوا الصورة كلها مادام أنها روايتنا جميعا»، فتداخلت السطور، ولكن الرواية كتبت كما تصورها صاحبها الطبيب النفسي «كيلي» وتم استخدام مقتطفات من رسائله فزادها قوة. وساعد ذلك التداخل في فهم و استيعاب الفكر الغربي المحتل في عالم لا يمت له بصلة.

الاستعمار صورة من صور التعاسة التي نعيشها لكن الإنسان هو الإنسان. فبين أولئك المستعمرين أشخاص تخلوا عن إنسانيتهم فاستهانوا بالإنسان العراقي واستهتروا بكرامته وتعرضوا لنسائه في الوقت الذي لم يكونوا قادرين على المساس بنسائهم خوفا من القانون المزدوج. لكن، هناك أيضا منهم ممن كانوا على وشك الانتحار أو انتحروا بالفعل بسبب المآسي التي اقترفها المستعمر أمامهم ولم تستطع تحملها إنسانية بعض أولئك الشباب المجندين في الجيش الأمريكي. لكن هذا النوع من الإنسان سواء كان مستعمرا أو ابن الوطن، فالقصاص منه لا يطول لكن قد لا ندركه، وهذا ما قاله السارد: «التاريخ أكثر إنصافا منا، يعاقبهم على طريقته، لا يعترف بظهورهم ولا باختفائهم، يرصد فقط مرورهم العابر، كأن لا وجود لهم غير مجرد أشباح يخوضون مؤامرات الخطوط الخلفية ويتركون وراءهم الخراب».

ما يؤخذ على الكاتب هو المقدمة الطويلة التي قد تحد من شوق القارئ في الإمساك بالكتاب والاستمرار في قراءة الرواية. فبعد أن خاض الكاتب في مقدمته المطولة المُمَهِّدَة لعرض مأساة بثينة التي غطت قرابة 124 صفحة، قال: «بعد هذه البداية الجيدة لا شيء كان رائعا». من المؤكد أنه من وجهة نظر الكاتب فإن هذه المقدمة كانت ضرورية من أجل إعطاء القارىء شرحا عن المنطقة الخضراء وتعريفها بأبي سعيد والدكتور النفسي كيلي وبثينة وآخرين. كما أنها قد تكون مهمة لمعرفة الأسباب التي جعلت بثينة تجتمع بأبي سعيد في المنطقة الخضراء. لكنني، كنت أتمنى لو أن الكثير من هذه المواقف عرضت في لقطات راجعة (Flashback) بدلا من مقدمة متسلسة الأحداث تقريبا.

أخيرا، وُفِّقَ الكاتب وبشكل كبير في عرض مأساة المرأة العراقية التي عانت من ديمقراطية الاستعمار وقيمة الشرف والعِرض في المجتمع العراقي. إن حياة المرأة أكثر ألما و قسوة في ظل قيم ترى في الاعتداء عليها عارا على أسرتها، وفي حياتها بينهم عرضا منتهكا لا بد أن تدفع ثمنه، حياتها! تلك الرؤية شكلت معادلة صعبة الفهم أمام المستعمر الذي يسأل مستغربا بعد أن عاش مأساة بثينة: «غير أن الأمر الذي صفعني، لماذا كان العار أشد عذابا من الاغتصاب»؟! لكن، ترى كيف دفعت بثينة ثمن ذلك العار؟

 

 

تحميل الرواية من هنا

رواية خطوط النار – فواز حداد

 

 

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى