صفحات العالم

روسيا تحدّد سقوفاً لحلّ الصراع السوري


روزانا بومنصف

استبقت روسيا في الوقت الضائع الفاصل عن موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية الاسبوع المقبل، اي تقويم دولي لنجاح الهدنة التي سعى اليها الموفد الدولي الى سوريا الاخضر الابرهيمي خلال الاسابيع الاخيرة باتهام المعارضة السورية في اليوم الثاني من هدنة عيد الاضحى بخرق هذه الهدنة، الا ان روسيا سارعت الى تبرير انتهاكات النظام لها قبل ان تسمح للدول الغربية بتوجيه الاتهامات في هذا الاطار الى النظام بعدم احترامه التعهدات الشفوية، علما ان احدا في المجتمع الدولي لم يكن يتوقع فعلا سريان الهدنة ولو اعلن النظام انه سيلتزمها. فعلى رغم الدعم الاقليمي والدولي الذي اعلن لمهمة الابرهيمي، فان التعامل مع خطته هو اقرب الى تمرير الوقت باقل كلفة ممكنة.

في المقابل، سعى السوريون الى وضع التزام النظام على المحك بسرعة خلال ايام هدنة مشكوك في حصولها، وذلك من خلال تحدي الخروج في تظاهرات حاشدة شبيهة بالتظاهرات الشهيرة بايام الجمعة، مما هدد باعادة الوضع الى المربع الاول بالنسبة الى النظام في كسب المعارضة هامش التحرك السلمي الواسع المهدد له فعليا. ويأتي الاتهام الروسي عشية توجه الابرهيمي الى موسكو للقاء المسؤولين الروس والبحث في تطورات الحرب على نحو استباقي ايضا لأي تقويم للابرهيمي نفسه للهدنة ومدى نجاحه في هذه الخطوة الاولى على طريق مساعيه لايجاد حل او عدمه. وهو ما اعتبرته هذه الاوساط تحديدا مسبقا من روسيا لسقف المناقشات المحتملة معها في المخارج الممكنة لهذه الحرب، على قاعدة ان هذه الخطوة او المحاولة الاولى فشلت ويجب البحث عن بدائل لمقاربة الحل في سوريا. وهو الامر الذي يسري جنبا الى جنب في موازاة ما اعلنته روسيا ايضا الاسبوع الماضي من ان نظام الرئيس بشار الاسد لا يزال يعتبر حاميا للاقليات ولا يزال يحظى بدعم ثلث المواطنين السوريين. ومع ان الموقف الاخير ينطوي ضمنا على الاقرار الروسي بتراجع الدعم الشعبي للرئيس السوري ويثير تساؤلات جدية عما يريده الثلثان المتبقيان من الشعب السوري لرفضهما استمرار النظام الحالي وحكم الرئيس الاسد ومدى اخذ موسكو في الاعتبار هذا الواقع وفقا للتوازنات، فان الموقف الروسي يشي ببقاء الامورعلى حالها من التعثر، مع تأكيد روسيا التمسك بحليفها في السلطة حتى اشعار آخر.

وهذا لا يعني بالنسبة الى هذه الاوساط ان جديدا طرأ على الموقف الروسي، بل هو استكمال للمقاربة نفسها باعتبار ان الشلل الدولي في الموضوع السوري قائم منذ اشهر نتيجة انشغال الادارة الاميركية بالاستعدادات لخوض معركة تأمين ولاية رئاسية ثانية للرئيس باراك اوباما، وهو ما ادى الى شلل او الى مراوحة الموقف الغربي في الجمود التراجعي. ومع ان غالبية الاوساط السياسية باتت تتعامل مع الحرب السورية على قاعدة انها ستستمر لسنوات على الارجح في ظل موازين قوة سياسية لا تسمح بالوصول الى حل في المدى المنظور، وكذلك الامر بالنسبة الى موازين القوى العسكرية على الارض ما لم يطرأ ما ليس في الحسبان على نحو مفاجئ، فان ثمة من يبقي الاحتمالات المفتوحة الى ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة باعتبار انها محطة قد يكون ما بعدها غير ما قبلها، نظرا الى عدم امكان بقاء الموقف الاميركي على حاله ايا يكن الفائز في هذه الانتخابات. وهناك رهانات حقيقية عربية في شكل خاص على القدرة على حض الادارة الاميركية المقبلة على تحرك ما، وخصوصا ان الدول اصحاب هذه الرهانات تشجعت كما تقول الاوساط المعنية بما اعلنه المرشحان للرئاسة الاميركية في مناظرتهما الاخيرة حول السياسة الخارجية المرتقب اتباعها في حال نجاح اي منهما في سباق الرئاسة، اذ كانت حصيلة موقفي كل من الرئيس اوباما والمرشح ميت رومني متشابهة ومتنافسة في شأن الوضع في سوريا ومن ضرورة رحيل الرئيس السوري عن السلطة على نحو يرسم سقفا معاكسا ومناقضا لمسعى استمرار تمسك روسيا ببقائه.

منقول عن “النهار” اللبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى