روسيا تقبل إرادة الشعوب؟/ سلامة كيلة
تتمثل مشكلة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في وضع بشار الأسد، في أنه يرى أنه ليس من حقه تنحيته. وقد كرَّر أكثر من مسؤول روسي ما يشبه ذلك، حيث ليس من حق روسيا تغيير النظم، وأن من يقرر مصير بشار الأسد هو الشعب السوري، وكثير من هذا الكلام المرسل. لكن روسيا سحقت الشيشان، لأن الشعب قرَّر “الاستقلال”. وتدخلت في جورجيا لأنها تريد استقلال مجموعة قومية لها ارتباط بروسيا. وأخيراً، ضمت شبه جزيرة القرم، ودعم استقلال شرق أوكرانيا بالتدخل العسكري المباشر. وذلك كله لأن القيادة الروسية، خصوصاً مع بوتين، تنطلق من أن الشعب هو الذي يقرّر مصيره.
دعمت روسيا، في سورية، النظام منذ اللحظة الأولى، أي حين كان واضحاً أن الشعب يثور سلمياً من أجل إسقاط النظام. وقد رفعت الفيتو (مع الصين) مراتٍ، لمنع فرض عقوبات على النظام، وأمدته بالسلاح إضافة إلى الدعم السياسي، بمعنى أنها كانت تدافع عن نظامٍ يريد الشعب إسقاطه، قبل كل الحديث عن “التدخل الخارجي” ومحاربة الإرهاب. ولقد استغلت أزمة النظام ومأزقه أمام ثورة شعب، لكي تحصل على مصالح اقتصادية وعسكرية كبيرة، وهو ما ظهر الآن في توسيع القاعدة البحرية في طرطوس، وقاعدة جوية في اللاذقية، وحتى وجود قوات برية. وتنتظر الحصول على السيطرة على النفط والغاز، وعلى مشاريع اقتصادية عديدة.
ربما كانت المسألة الأخيرة هي التي تجعله يدافع عن النظام، ويقرّر بقاء بشار الأسد، فحين أرسل طيرانه وقواته، على الرغم من أن المبرر المطروح هو الحرب ضد داعش، ومحاربة الإرهاب، فقد أعلن أكثر من مسؤول أن الهدف هو “مصالح روسيا”، وجرت الإشارة إلى أن التدخل جاء لمنع سقوط النظام. بمعنى أن روسيا دعمت النظام لسحق الثورة، وهي شعبية واضحة، من دون سلاح، ومن دون تدخل خارجي أو وجود إرهاب وأصولية (أي إلى نهاية سنة 2012)، وبات لها نتيجة ذلك مصالح لم تستطع الحصول عليها قبل الثورة، بعد أن قطع النظام العلاقة الاقتصادية، وهمّش العلاقة السياسية، معها. ودعمت تدخل إيران بإرسال قوات حزب الله، ومن ثم قوات طائفية من العراق وغيرها، ثم من الحرس الثوري، لحماية النظام من الشعب. وأيضاً سهلت وجود داعش، كما فعل النظام وفعلت إيران، وأمدها بفيض من “المجاهدين” الشيشان. وبعد فشل ذلك كله في منع سقوط النظام، تدخلت هي التي ترفض “التدخل الخارجي”، حيث من الواضح أنها تعرف جيداً أن تحقيق مصالحها مرتبط ببقاء بشار الأسد، ربما بعد أن فشلت في إيجاد بدائل تحقق الهدف نفسه.
هنا، إذا كانت معنية بأن يقرر الشعب مصير الأسد، لماذا تدخلت لمنع سقوطه؟ طبعاً على الرغم من أن وضع الثورة المسلح لم يكن يسمح بالوصول إلى سقوط النظام، نتيجة موقف “الدول الداعمة” التي أرادت تعديل ميزان القوى العسكري، لكي تقبل روسيا وإيران تنحية بشار والوصول إلى حل، لم ينافس أحد في أن تكون روسيا هي الراعي له. لكن، من الواضح أن تمسك روسيا ببشار الأسد هو الذي جعلها ترفض التوافق، وأن ترسل قواتها لحماية النظام، وفرض الأسد رئيساً. لكن، لن تختلف النتيجة على الرغم من ذلك، سوى أن الدمار والقتل العشوائي سوف يتزايدان، بعد أن أدخلت روسيا أسلحة متطورة وشديدة القوة. وباتت طائراتها والقوات الإيرانية هي التي تحمي النظام من السقوط بقوة الشعب المحاصر من كل الدول العدوة والصديقة.
في الأخير، في الانتخابات التي جدد بشار الأسد فيها رئاسته، في 2014، لم تكن نسبة المشاركة أكثر من 10% على الرغم من كل الأرقام التي أذيعت. وفي التصويت على الدستور، كانت النسبة أقل. وفي أي انتخابات جديدة ستكون أقل كذلك، لكن السؤال يتمثل في السلطة التي تفرض أرقامها. بالتالي، لا تحقق هذه النظم انتخابات حرة، بل تخضع لسطوة الأمن.
في كل الأحوال، لماذا يخاف الروس من المرحلة الانتقالية التي تقود حتماً إلى انتخابات حرة؟ ففي كل الأحوال الشعب سيختار.
العربي الجديد