صفحات العالم

روسيا تواجه الغرب من فوق جبل قاسيون!

سليم نصار *
مع افتتاح مؤتمر القمة العربية في بغداد، ووصول رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان الى طهران، فوجئ سكان مدينة حمص بزيارة الرئيس بشار الأسد الى حي بابا عمرو.
وكان وصوله المبكر عبر الطريق البري (160 كلم)، متجاوزاً بذلك حملات المعارضة التي تصفه دائماً بأنه رهين القصر في دمشق. لذلك اراد الإيحاء للمبعوث الاممي – العربي كوفي انان بأن الامور طبيعية في سورية، وبان النظام يسيطر على الوضع الداخلي، بعكس ما تدعيه قيادة المجلس الوطني.
ويرى المحللون ان الهدف الرمزي لهذه الزيارة المفاجئة، يكمن في توقيتها المتزامن مع عقد مؤتمر اسطنبول بحيث تقتنع المعارضة بأن الاسد انتهى من حربه العسكرية، وانتقل الى شن حرب ديبلوماسية. ومعنى هذا ان خيار الموافقة على خطة انان لم يكن سوى بداية تحول تكتيكي ساهمت موسكو وبكين في دعمه وتشجيعه.
ويؤكد المراسلون الذين شاهدوا حصار مدينة حمص، ان الاسد كان يعتبرها نقطة استراتيجية مهمة، تماماً مثل «مصراتة» الليبية… وأن الاستيلاء عليها من جانب المتمردين يشكل مدخلاً لإسقاط نظامه. وهذا ما توقعه قائد «الجيش السوري الحر» رياض الاسعد، الذي اعترف بأن سيطرة الجيش النظامي على حمص تساعد على إجهاض الثورة.
وتعتبر حمص، في نظر المؤرخين، مدينة مفتوحة على مختلف المجالات، الأمر الذي شجع الانتداب الفرنسي على اعلانها عاصمة ثانية لسورية. كل هذا بسبب موقعها الاستراتيجي المميز وقدرتها على لعب دور مؤثر كونها تقع وسط تقاطع طرق بين دمشق وشمال البلاد. وقد حاولت المعارضة استغلال هذا الدور أثناء تطويق دمشق وحلب، المدينتين اللتين حافظتا على عزلتهما عن الثورة طوال ثمانية اشهر تقريباً.
ومع ان حمص تعتبر المدينة الثالثة من حيث حجمها السكاني (مليون وربع مليون نسمة)… إلا ان مركزها الصناعي المتقدم منحها اهمية خاصة لدى حزب البعث وخصومه. ذلك ان الدولة ترى فيها منطقة عبور حيوية للسلع المصدرة الى تركيا ودول الخليج. مثلما ترى فيها ايضاً موقع استهداف للمعارضة التي ضربت مصافي النفط اكثر من خمس مرات. وكان من الطبيعي ان يتحدى المجلس الوطني قوات النظام في حمص باعتبارها تضم غالبية سنّية تتعاون دائماً مع سنة طرابلس. علماً ان نسبة العلويين لا تتعدى الـ 25 في المئة من سكان حمص. وهم يسيطرون على المراكز الادارية الاساسية في المحافظة، الامر الذي يثير استياء الطبقة السنية الشعبية التي يعيش معظم ابنائها على عمليات التهريب عبر الحدود مع لبنان. من هنا القول ان حرص النظام على استعادة حمص وعزلها ليس اكثر من محاولة عسكرية امنية لإعاقة نشاط الجيش السوري الحر، ومنعه من الحصول على السلاح المهرب.
على كل حال، تبقى زيارة بشار الأسد الى حي بابا عمرو، مجرد خطوة رمزية اراد من خلالها اقناع المجتمع الدولي بأنه وحده يملك زمام الحكم، علماً ان قواته هجّرت ثلثي سكان الحي البالغ عددهم اربعين ألفاً. ويقول مدير مجموعة الابحاث والدراسات في ليون الفرنسية فايرس بلانش، ان بشار الأسد تعمّد إلغاء اهمية نضال حمص، مثلما ألغى والده الصورة الرمزية لمدينة حماة عام 1982. يومها تم قمع حركة «الاخوان المسلمين» في شكل دموي تسبب في مقتل عدد كبير من المتمردين.
قبل وصوله الى بغداد، صرح امين عام الجامعة العربية الدكتور نبيل العربي، بأن مؤتمر القمة لن يطلب تنحي الرئيس بشار الأسد، مؤكداً ان هذا الموضوع غير مطروح اصلاً.
ويبدو ان المقالة التي كتبها وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ في الصحيفة الاسرائيلية «يديعوت احرونوت» هي التي اثارت اعتراض دمشق، خصوصاً بعدما اعلن الوزير الفرنسي آلان جوبيه تأييده لاقتراح زميله. ويقضي اقتراح هيغ بضرورة تنحي بشار الأسد عن كرسي الحكم، «من اجل الحفاظ على مصالح بلاده ووحدة الشعب». واعتبر الوزير البريطاني «ان مذابح حمص اثبتت بما لا يقبل الشك، ان الاسد فقد شرعيته، ولا يجوز استمراره في منصب القيادة». ولكنه استدرك في مقالته ليؤكد ان دول الاتحاد الاوروبي لن تتدخل عسكرياً في سورية مثلما فعلت في ليبيا. وعزا هذا الموقف الى خطورة انفجار حرب اهلية في حال اتسعت رقعة القتال لتشمل العراق وتركيا ولبنان والاردن.
في هذا السياق، توقع الاسد ان يكون موقف الدول الاوروبية منسجماً مع الموقف الاميركي المرتبك. ولكنه فوجئ بازدواجية سياسة اوباما الخارجية التي تتعارض في بعض جوانبها مع سياسية اوروبا تجاه سورية. ذلك ان «البنتاغون» لم يخف اعتراضه على اي تدخل عسكري، على نحو ما حدث في البوسنة وكوسوفو. وتستند وزارة الدفاع الاميركية في ذرائعها الى سلسلة معطيات اهمها: استبعاد تسليح المعارضة السورية، والإحجام عن فرض حظر للطيران او توجيه ضربات جوية لقواعد النظام، كما حدث في ليبيا. او حتى الامتناع عن فتح معابر انسانية يلجأ اليها الهاربون من النظام الذي قتل حتى الآن عشرة آلاف مدني على الاقل.
وتقدر أعداد اللاجئين – وفق مصادر الامم المتحدة – بأكثر من مئة ألف شخص موزعين كالآتي: قرابة 80 ألفاً في الاردن، و 20 الفاً في تركيا و 15 الفاً في لبنان. وقد دعت المنظمة الدولية الى جمع تبرعات بقيمة 84 مليون دولار مساعدة عاجلة للسوريين في الاردن ولبنان وتركيا والعراق. كما اتفق على تنفيذ برنامج عمل مشترك بقيادة المفوضية تساهم فيه وكالات تابعة للأمم المتحدة، اضافة الى 27 منظمة غير حكومية.
وقالت مصادر البنتاغون ايضاً، ان من المستبعد شن حرب ضد المنشآت الايرانية والروسية في سورية. في حين هاجم شيوخ الحزب الجمهوري «سياسة النعامة» التي تمارسها ادارة اوباما، داعين واشنطن الى تشكيل حلف دولي، على نحو ما فعل الرئيس بيل كلينتون في كوسوفو، من اجل تجاوز «الفيتو» الروسي – الصيني في مجلس الامن. وقال صقور الحزب الجمهوري، ان حياد الولايات المتحدة سيشجع روسيا على مضاعفة حضورها العسكري في المتوسط، ويدفع جماعة «القاعدة» الى التسلل من لبنان والعراق للاستيلاء على المناطق الخارجة على سلطة الأسد.
بين الملاحظات المقلقة التي سجلها القمر الاصطناعي الاميركي منذ شهرين، استئناف عمل الخبراء الروس في محطة الرادار المثبتة فوق قمة جبل قاسيون على بعد مسافة قصيرة من مكتب الرئيس بشار الأسد.
ويعود تاريخ إنشاء هذه المحطة المعروفة باسم «سيغما» الى اواخر الستينات عقب هزيمة 1967. وقد برزت الحاجة الى اعتمادها في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد الذي سمح للخبراء السوفيات بتشغيلها على امل توفير معلومات استخبارية موثوقة لحماية سورية من أي هجوم اسرائيلي مباغت.
ويذكر ان هذه المحطة لعبت دوراً مهماً في ترجيح التفوق العربي في حرب اكتوبر 1973. وهي تغذي سورية بالمعلومات حول نشاط اسرائيل النووي في «ديمونا»، وفي مراقبة النشاط الاستخباري الاميركي في لبنان.
قبل عشر سنوات قامت موسكو بإقفال محطات مماثلة في فيتنام الشمالية وكوبا ونيكاراغوا، بسبب ارتفاع كلفة تشغيلها. ومع وصول بشار الاسد الى الحكم، طلب الرئيس السوري اعادة تشغيل محطة «سيغما» في جبل قاسيون، عارضاً تخصيص قطعة ارض في شمال البلاد، من اجل بناء محطة اخرى توفر التغطية الكاملة للقواعد العسكرية في تركيا. واعتبرت موسكو ان المحطة الثانية بمثابة رد على محطة الانذار المبكر التي انشئت في تركيا على بعد 160 كلم من الحدود السورية. ومن المؤكد ان روسيا تستعملها كجزء من الرد على منظومة الدرع الصاروخية الاميركية.
الشهر الماضي، اعربت الصحف الفرنسية عن تزايد قلق الرئيس ساركوزي من تدفق الخبراء الروس الى سورية بحجة تشغيل المحطتين. وقد نقلت هذه الهواجس الى قيادة «الناتو» في بروكسل التي اعتبرت ان حماية نظام الاسد شكلت جبهة روسية لمواجهة الحلف الاطلسي على البحر المتوسط. خصوصاً بعدما ارتهن النظام للقيادة الروسية، تماماً مثلما ارتهن نظام كوريا الشمالية لوصاية الصين ومراقبتها. وهذا ما جعل كل طرق الحلول التي يقبل بها النظام السوري، تمر بموسكو. ومعنى هذا ان الازمة الحالية لن تحلها سياسياً خطة كوفي انان، ما لم تشعر موسكو وبكين بأن مصالحهما مؤمنة في المنطقة.
وفي هذه الحال، لا يتردد بوتين في الإعراب عن سخطه لفقدان حليفين مهمين هما صدام حسين ومعمر القذافي. لهذا السبب لن يسمح لنفسه بارتكاب خطأ ثالث في سورية. وهدفه من كل هذا اقناع الغرب بأنه لا يستطيع انهاء الازمة من دون تعاون روسيا والصين.
يقول نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف، ان بلاده مع الصين صوتتا خمس مرات على مشاريع عقوبات ضد ايران. والسبب انهما تشتركان في رأي موحد بأن تهديد العالم بالسلاح النووي يهدد الاقتصاد العالمي ويمهد لاندلاع حرب اقليمية طويلة. ومن اجل تحقيق خطوات السلام، يحاول اوباما اقناع بوتين بأنه على استعداد لترتيب مستقبل سورية، شرط ان تنأى بنفسها عن ايران.
ومثل هذا الإجراء، كما يقول المحللون، يقتضي صوغ مصلحة مشتركة يخدم تحقيقها الدولتين معاً.
والنتيجة النهائية كما تتوقعها موسكو، قد تتبلور بإقدام واشنطن على دفع الثمن لها من طريق استمرار نفوذها في سورية… مقابل ان تساعدها موسكو على ازاحة الأسد، الامر الذي يبعد تلقائياً النفوذ الايراني عن جبهة المتوسط.
وهذا ما تريده كل الدول المتورطة بهذه الأزمة…
* كاتب وصحافي لبناني
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى