روسيا وأميركا في سورية/ فاطمة ياسين
كسب بشار الأسد، بالتدخل الروسي، سنداً عسكرياً قوياً جعل تحركه القتالي أوسع وأكثر فعالية، فاسترجع بعض المناطق، وكسر الحصار عن بعضها الآخر. لا يتوافق حجم تقدم قوات الأسد مع الدعم الروسي الهائل الذي يعد بمئات الطلعات اليومية، واستهداف مئات من الأهداف، وقد يعكس الازدحام في مطار حميميم، وتوقف الرحلات المدنية مدى الانشغال الروسي في العمليات العسكرية الجوية، كما تظهر طبيعة التحرك العسكري لجيش بشار نحو المطارات العسكرية النهَم الروسي لاحتلال مزيد من الأجواء، كفك الحصار عن مطار كويرس العسكري، وبدء الهجوم على مطار مرج السلطان، هذا السلوك يشي بالنيات العسكرية المبيتة بإحكام السيطرة على الجو، وبشكل كامل، على كل الجبهات، تمهيداً لاقتحام بري سهل وسلس، يسيطر فيه جيش الأسد على كل ما يتيسر له من الأرض.
وبينما تسير العمليات العسكرية في الداخل السوري على إيقاعات السيطرة الروسية على الأجواء، يأكل داعش “الجو” بأعمال تفجيرية، وبفارق ساعات قليلة في ضاحية بيروت الجنوبية، أي في “البيئة الحاضنة” لحزب الله، وفي باريس وقلب أوروبا. وعلى الرغم من التباعد الجغرافي بين العمليتين، يبدو أن التخطيط لهما نشأ عن عقلية واحدة، لديها مفردات التخطيط والتنفيذ نفسها، والمرامي كذلك، تسلل ثلاثة انتحاريين إلى الضاحية الجنوبية، بهدف تفجير ثلاثي متسلسل، يحدث أكبر قدر من الدمار، ويجذب أكبر كمية من الأضواء. وعلى القاعدة الإعلامية نفسها، تحرك ثمانية انتحاريين في باريس، لتنفيذ مجموعة من العمليات المتزامنة، كان فرانسوا هولاند شخصياً في مسرح عملياتها، تحقق للتنظيم الإرهابي الهدفين معاً، وفي كلتا العمليتين، من حيث التغطية الإعلامية وحجم الدمار والموت الذي زُرع في مكان الحادث.
في هذه الأجواء الخاصة التي تلفها أخبار تجوال الطيران الروسي، وتقدم جيش الأسد، ثم طغيان أخبار عمليات تنظيم الدولة في بيروت وباريس، ينعقد مؤتمر فيينا حول سورية، وفيينا تقع ضمن المدى الإعلامي لما يحدث، ويدخل وزراء خارجية الدول المشاركة، وفي أذهانهم صورة الخبر المأساوي كاملة، وعليهم أن يقرروا مصير سورية، ومصير الأسد، وخطة زمنية للحل. كان وزير الخارجية الروسي سعيداً، وهو يرد على وزير الخارجية جون كيري، مفنداً مقولته التي يستنتج فيها أن وجود داعش، وتغوله بهذه الطريقة سببه بقاء الأسد في القصر الجمهوري، واستشهد بظهور داعش قبل سنوات من بدء الثورة السورية، وهو يومي طبعاً إلى الوجود الأميركي في العراق، وكأنه يعيد الكرة ليس إلى ملعب كيري، ولكن إلى مرماه.
كان وزير الخارجية الأميركي واضحاً، وبشكل ناصع، وربما للمرة الأولى، في الربط الوثيق بين داعش والأسد، وأشار إلى عمليات تبادل نفطي بين الطرفين، وكأنه يرغب بهذا التصريح، العالي النبرة، أن يلقي اللوم على نظام بشار الأسد عمّا حدث في بيروت وباريس، وفي الوقت نفسه، يقلل من أهمية التقدم العسكري الذي يحرزه، بالتعاون مع الطيران الروسي، باعتباره تقدماً لجيش متعاون مع الإرهاب، محاولاً أن يكسب نقاطاً في عملية التفاوض مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي يبدو متمسكاً ببشار الأسد، وكأنه طوق النجاة، على الرغم من التصريحات المواربة التي يذكر فيها “رغبات” الشعب السوري الذي يقرّر وحده مصير الرئيس. وضوح كيري في اتهام النظام بالتعاون مع تنظيم الدولة يمكن تمديده، واستنتاج وجوه جديدة له، لم يقلها كيري، بل أبطنها، وهي تشكيك بالهدف النهائي للهجمات الجوية، وأنها تحمي النظام في المقام الأول، وتمهد له طرق الهجوم. وبالتالي، تحمي داعش الشريط النفطي للنظام، ويحمل هذا الاتهام المبطن بذور مواجهة قاسية بين الرجلين، وبين الدولتين، بأخذ تصريح وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، برغبته بإزالة بشار الأسد بأي طريقة، وهو تصريح مكرّر عالي النبرة، ينطوي على تشجيع أميركي، والأهم من ذلك كله أن المؤتمر، على الرغم من نتائجه المجدولة، يحمل بذور المواجهة التالية التي ستحدث على أرض سورية طبعاً.
العربي الجديد