صفحات العالم

روسيا… والرهان على “الأسد” الخاسر!


محمد الحمادي

دافعت روسيا عن نظام القذافي، وفي النهاية تخلت عنه وخسرت ليبيا، واليوم تكرر نفس الخطأ، فهي مستميتة في الدفاع عن النظام السوري لدرجة أن وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف بدا في المؤتمر الصحفي الذي عقده في موسكو منذ أيام وكأنه وزير خارجية سوريا وليس روسيا!

الجميع يتوقع في نهاية الأمر أن تتخلى روسيا عن نظام الأسد، والإشارات الأخيرة من بوتين ولافروف بأن روسيا ستوافق على تنحي الأسد إذا كان هذا خيار الشعب السوري، تبين بأن موقف روسيا قد تبدل وأنها ستوافق على ما كانت تعترض عليه قبل فترة وجيزة، وخصوصاً وقد أصبح الآن واضحاً لكل من يتابع الأوضاع في سوريا ما هو موقف الشعب السوري من النظام الذي يتهمه بقبض 2000 ليرة (ما يساوي 25 دولاراً)، ليخرج في المظاهرات وينظم الاحتجاجات!

روسيا لها متطلبات ولديها حسابات حتى تغير موقفها، كما أنها لا تنفك تتكلم عن التجربة الليبية التي خسرتها، فروسيا تريد أن تتوقف الولايات المتحدة عن انتقاد ديمقراطيتها وتقصيرها في قضايا حقوق الإنسان. روسيا تريد ضمانات حول خطط الولايات المتحدة الدفاعية الصاروخية في أوروبا وفي آسيا، أي الخطط التي ترى فيها روسيا تهديداً لأمنها القومي. وروسيا تريد حلاً سلمياً للأزمة الناشبة حول برنامج إيران النووي، وتعهداً بعدم مشاركة الولايات المتحدة في أي عمل عسكري إسرائيلي ضد المنشآت النووية الإيرانية. روسيا تريد أيضاً أن يقبل الغرب بالوضع الراهن في القوقاز بعد انشقاق المقاطعات الجورجية بدعمٍ من روسيا في عام 2008.

وعندما تحصل روسيا على ما تريد سيقبل بوتين بإزاحة الأسد واستبداله بشخصية تحظى بقبول جميع الأطراف، كما جرى في النموذج اليمني. والسؤال المهم هنا: هل اتخاذ روسيا قراراً بوضع حد للعنف الذي تعرض له الشعب السوري والقتل الذي يتعرض له الأبرياء بشكل يومي يتعارض مع مصالحها؟! وكذلك بالنسبة لإيران والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل: كيف تقبل هذه الدول أن تشاهد كل تلك الفظائع دون أن تؤثر على صديقها في سوريا؟ كان يمكن أن تساهم في إيقاف هذه الفظائع وبعد ذلك يكون لحديث المصالح وقت ومكان؟!

ستندم هذه الدول عندما يتغير الوضع في سوريا وتكتشف أنها راهنت على الفرس الخاسر وعندما تكون كلمة الشعب هي العليا وعندما يعلن النظام خسرانه، ستندم هذه الدول مرتين مرة لأنها خسرت مصالحها ومرة لأنها لم تنصر الأبرياء ولم تقف مع الشعب وقدمت مصالحها المادية على أخلاقياتها وعلى التزاماتها الدولية والإنسانية.

روسيا والصين وإيران غردت خارج السرب العالمي ووقفت ضد إرادة الشعب السوري، وأصرت على ذلك وتمادت حتى بعد أن رأت عشرات السوريين يقتلون يومياً وبعد أن علمت أن عدد القتلى تجاوز العشرة آلاف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين… هذه الدول تكتشف اليوم أن الأمور تسير في عكس اتجاه رغباتها وما سعت إليه، ليس لأن المجتمع الدولي والجامعة العربية يريدان تنحي “الأسد”، وليس لأن السعودية وقطر تدعمان المسلحين السوريين ولكن لأن الشعب السوري في الداخل لا يتراجع عن مطالبه بل نجده يوماً بعد يوم يصر على التغيير، ويصر على الحرية وعلى إسقاط النظام.

مصالح روسيا في سوريا كثيرة ومتشعبة، فروسيا تستخرج النفط والغاز السوريين، وتعتبر سوريا ثالث أهم سوق لصادرات الأسلحة الروسية فقد بلغت عقود التسليح أربعة مليارات دولار… أما الاستثمارات الروسية في البنية التحتية والطاقة والسياحة السورية فقد بلغت 20 مليار دولار عام 2009. بالإضافة إلى أن روسيا تقوم ببناء مصنع لمعالجة الغاز الطبيعي حالياً في سوريا.

وإلى جانب المصالح الاقتصادية تلك لا يمكن تجاهل المصالح الجيواستراتيجية لروسيا في سوريا، فدمشق هي الحليف المتبقي لموسكو في الشرق الأوسط والذي يخلق التوازن في العالم العربي في وجه الهيمنة الأميركية… بالإضافة إلى أن آخر قاعدة للبحرية الروسية خارج أراضيها توجد في سوريا، وتحديداً في ميناء طرطوس على البحر الأبيض المتوسط.

المعادلة في سوريا واضحة لكنها معقدة جداً، فإذا سقط النظام في دمشق سقطت الخطة الإيرانية وتحرر لبنان من تدخلات طهران وبالتالي تحررت سوريا منها، وسيبدأ العراق بالتخلص من قيود طهران… والعكس صحيح.

أما ما تريد روسيا فرضه بإدخال إيران في معادلة حل الأزمة السورية فهذا يعني أن إيران ستهيمن على أراض عربية جديدة وأن سيناريو العراق سيتكرر مرة أخرى ولكن هذه المرة سيكون لإيران شريك دولي هو روسيا، وهذا ما لا تقبله الدول العربية لأن فيه تهديد مباشر لبقائها… لذا فإن خطورة إدخال طهران في حل الأزمة السورية يعني تقديم تنازلات أو تقديم امتيازات لها وهذه ستكون مغامرة كبيرة ضد دول المنطقة والدول العربية بالتحديد، ولا يجب أن تقبل دول المنطقة هذا الوضع لأنها هي التي ستدفع ثمن ذلك.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى