روسيا وتطورات الأزمة السورية/ خالد بن نايف الهباس
مثير للاستغراب الإصرار الروسي على التمسك بالرئيس السوري وأركان نظامه، رغم ما ارتكبه بحق شعبه من مجازر، ورغم الدمار الذي لحق بسورية كدولة وكمجتمع نتيجة إصراره على التمسك بالسلطة، مع علم موسكو أن ما لحق بسورية من دمار واقتتال داخلي ستبقى آثاره جاثمة على صدور السوريين لعقود مقبلة. حتى من منطلق الاعتبارات الاستراتيجية البحتة، فإن تشبث موسكو بـالرئيس السوري لم يعد مجدياً وغير مجز، وكان بإمكان موسكو الوصول إلى حلول وسط للحفاظ على مؤسسات الدولة والنظام من دون التمسك برموزه الرئيسية التي من شبه المستحيل بقاؤها في الحكم في سورية المستقبل بعد كل المجازر التي اقترفوها بحق الشعب السوري.
إذا استعدنا التاريخ، نجد أن النفوذ الروسي (السوفياتي) لم يكن في يوم من الأيام حاسماً في تحديد مسار ومآل الأحداث في الشرق الأوسط، حتى عندما كانت موسكو في عز مجدها في الستينات والسبعينات، ولا أعتقد أن الصورة تغيرت كثيراً هذه الأيام. كما لم يعد الشرق الأوسط مسرحاً مهماً لتنافس القوى الكبرى كما كانت عليه الحال إبان الحرب الباردة، ولا أعتقد أن موسكو تحاول الوصول إلى مياه الخليج الدافئة كما كانت سابقاً. بل على العكس من ذلك فإن تطور سياق الأحداث على المستوى الدولي يشي بتحول مسار التحديات والتنافس إلى مناطق الجوار الروسي في وسط آسيا ومنطقة القوقاز بالتحديد، والشرق الأقصى في شكل عام، وهذا يستدعي أن تكون موسكو أكثر مرونة في قضايا الشرق الأوسط وأكثر تشدداً في مجالها الحيوي المباشر. روسيا كان بإمكانها أن تجني الكثير من المكاسب لو حكّمت العقل والمنطق في تعاملها مع الأزمة السورية، وتخلت عن رموز النظام السوري الذين أجرموا بحق شعبهم واحتفظت بدلاً منهم بالدولة السورية سليمة متماسكة. لو تم ذلك لاستطاعت موسكو الحفاظ على صداقتها مع الشعب السوري، والإبقاء على حلفها مع سورية الدولة، إضافة إلى تعزيز علاقاتها مع الدول العربية المناهضة لعنف النظام السوري والداعمة لتطلعات الشعب السوري المشروعة للحرية والديموقراطية. لا أعتقد أن موسكو أصبحت أكثر قوة على المسرح الدولي وفي توازن القوة العالمية جراء موقفها من الأزمة السورية، بل على العكس من ذلك هي خسرت سورية كقوة إقليمية وخسرت صداقتها مع الشعب السوري، وتضررت علاقاتها مع دول عربية فاعلة على الساحة الإقليمية والدولية كانت موسكو بحاجة فاعلة للتنسيق معها في كثير من القضايا الاقتصادية والسياسية.
كما أن استخدام الفيتو الصيني الروسي في الأزمة السورية، ساهم في زيادة كلفة الأزمة السورية المادية والبشرية، وجعل من عدم حلها وصمة عار في جبين المجتمع الدولي، وأثار مجدداً التساؤل حول مدى جدية مجلس الأمن في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وحول دور الأمم المتحدة في شكل عام من ناحية أخلاقية وسياسية. لا تزال الفرصة سانحة لموسكو لتدارك ما يمكن تداركه لتجنيب سورية المزيد من الدمار، وقطع الطريق على الجماعات المتشددة التي تزايد نفوذها في شكل واضح على مساحات شاسعة من الأرض السورية، كما أن شماعة الإرهاب، وتوظيف النظام السوري لها في شكل واضح، أصبحا مكشوفيَن وغير مقبولين، ولم يعودا عذراً منطقياً للإبقاء على الرئيس السوري في السلطة. ويجب أن تدرك موسكو أن ثغورها الجنوبية ليست بمنأى عن تداعيات الأزمة السورية، وهي التي عانت من وقت لآخر من الجماعات المتشددة والمسلحة في الجمهوريات السوفياتية السابقة، وما قد يشكله تمددها في تلك المناطق من تهديد صريح لأمن روسيا.
عدم الجدية في الضغط على النظام السوري للتعامل بإيجابية مع اتفاق جنيف 1 تزداد كلفته مع مرور الوقت فيما لو رغبت موسكو بتصحيح موقفها من الأزمة السورية، خصوصاً أن تطورات الوضع العسكري في الآونة الأخيرة تنذر بتآكل قدرة النظام السوري على الصمود. وفيما لو استمر تطور الوضع والعمليات العسكرية في سورية في الاتجاه نفسه الذي يسير عليه حالياً فإن الدور الروسي سيصبح غير مؤثر، ويظل في المحصلة النهائية دوراً معطلاً خلال المراحل المختلفة من الأزمة السورية بدلاً من أن يكون حاسماً وإيجابياً في تحديد مستقبل سورية والشعب السوري. ثمة حاجة ماسة إلى أن تراجع جميع الدول الداعمة للنظام السوري، وتلك المعارضة لسقوطه، موقفها، لأنه من المستبعد عسكرياً واستراتيجياً أن تستمر الأمور على ما عليه لفترة أطول، خاصة بعد مرور أكثر من أربع سنوات على اندلاع الثورة السورية، ويجب على هذه الدول، لاسيما الدول الكبرى منها، أن تغلب مصلحة الشعب السوري على ما سواها، وذلك ليس للحفاظ على سورية كما كانت ولكن للحفاظ على ما تبقى من سورية.
* كاتب سعودي