صفحات الناسعلا عباس

روكسان الشرف/ علا عباس

 

 

أعادت قضية مقتل المهاجرة السورية، روكسان، إلى التداول، موضوع جرائم الشرف، وبدأت تثير اهتمام الرأي العام الغربي بهذا الجانب المظلم من الثقافة الشرقية. وروكسان (20 عاماً) فتاة سورية هاجرت مع عائلتها إلى ألمانيا قبل عامين، تعرضت لاغتصاب جماعي من مقاتلي إحدى المليشيات في الحرب في سورية، وغادرت لتبحث عن فرصة جديدة في الحياة، وتتخلص من حياتها القديمة وذاكرتها وألم تجربتها المرّة.

تركت خلفها آلاف التفاصيل، وغادرت لتبدأ من جديد، لكن شيئاً واحداً لحقها إلى هناك، هو الاعتقاد الخاطئ والواهم والظالم عن معنى الشرف، ففي المكان الذي جاءت منه، يربط الرجال بين شرفهم وعذرية من يخصهم من النساء (أخواتهم وبناتهم وبنات أخواتهم وبنات عمومتهم)، ولأن العقل يغيب في حالات كهذه، فلا يميزون بين الخاطئة والضحية، فتعامل المغتصبة كما الزانية.

كانت روكسان ضحية فئتين من المجرمين، الوحوش الذين اغتصبوها، وأهلها الذين جعلوها تدفع حياتها ثمناً لخطأ لم ترتكبه، وإنما ارتكبه المجرمون الآخرون، وهي ضحية لتقاليد اجتماعية، لا تمت للشرع ولا للعدالة ولا للإنسانية بصلة.

بغض النظر عن حدوث جريمة قتل روكسان في مجتمع غربي، لا تستوعب قوانينه وأعرافه ومنطقه هذا النوع من الأعمال، فإن الجريمة مدانة وخطيرة أينما حصلت، وهي تعبر عن ضيق أفق أخلاقي، ونزوع إجرامي، وتردٍّ عقلي وثقافي.

والغريب أن التحقيقات الأولية تشير إلى مشاركة الأم في ارتكاب الجريمة عبر التحريض عليها، ما يشير، بوضوح، إلى أن سطوة هذه التقاليد الاجتماعية طاغية، إلى درجة أنها تتغلب على غريزة الأمومة. وبحسب “العربي الجديد” (7 أكتوبر/تشرين الأول 2015)، قال المدعي العام الألماني، كريستيان بريسنير، إن “هناك اشتباهاً في أن الفعل نفذه أشخاص ضمن دائرتها المقربة، مع وجود دافع الثقافة في الخلفية”، أي أن عقله وثقافته وخبرته القانونية لم تمنحه القدرة على استيعاب هذا النوع من الجرائم، فاستخدم كلمة فضفاضة غامضة مثل “الثقافة” لتقديم تفسير أولي للقضية، ومفهوم “اختلاف الثقافات” هو ما يستخدمه الغربيون لإغلاق أي موضوع لا يستطيعون استيعابه، ولا استيعاب منشئه، وهو يشمل أكلة لحوم البشر كذلك. ويقول القائمون على التحقيق من الشرطة الألمانية إن المشتبه فيهم هم عائلة الضحية، وإنهم لم يستطيعوا التحقيق معهم، لأنهم فروا من ألمانيا إلى تركيا، في طريقهم إلى سورية.

هكذا إذاً، إلى سورية؟ البلد التي يفر منها الجميع، هي في وجهها الآخر الملاذ الآمن للمجرمين والقتلة، أينما كانوا. هناك، لن يسألهم أحد فيما فعلوا، ولن يحاسبهم أحد، كما لم يحاسب كل تلك الجيوش من المجرمين والسفاحين، بل وربما ستحتفي بهم عائلتهم وعشيرتهم وأقرباؤهم، وسيعاملون معاملة الأبطال الذين غسلوا العار، وردّوا الشرف المهدور.

قضية جرائم الشرف التي ترتكب باسمها وبذريعتها مئات الجرائم البشعة، وتذهب ضحيتها مئات الفتيات المظلومات البريئات، صارت بحاجة لنقاش علني وواسع، لتوضيح أبعادها الدينية والأخلاقية والقانونية. وهنا، تقع على عاتق رجال الدين ووسائل الإعلام ورجال القانون مسؤولية التوعية الاجتماعية، وتغيير ثقافة المجتمع.

لا أجيز لنفسي أن أعطي رأياً شرعياً أو قانونياً في أبعاد المسألة، فثمة العارفون والمختصون، وعليهم أن يقوموا بذلك، أينما أتيح ذلك، عبر الإعلام، وعلى المنابر وفي أي مكانٍ، يمكنهم فيه التأثير على الناس، وتغيير قناعاتهم البالية، وإن كنت غير مؤهلة لإعطاء رأي شرعي وقانوني، إلا أن أبسط مبادئ العقل والحس الإنساني تقول إن روكسان بريئة ومظلومة، وقتلها جريمة لا تغتفر، ويجب أن يحاسب مرتكبوها أينما كانوا، وكائناً من كانوا.

ربما ستخرج علينا وسيلة إعلام ما بعد أيام، وتحاول تغيير الرواية، وتروي تفاصيل عن روكسان، أو تخترع قصة أخرى، إلى جانب قصتها التي نعرفها، ولن يغير هذا من الواقع شيئاً.

يحمل كل المهاجرين جوازات سفرهم ووثائقهم الشخصية، ويحمل معظمهم ممتلكاتهم الثمينة، ويحمل بعضهم قطعاً من أثاث منازلهم، لكن بعضهم ما زال مصراً على أن يحمل معه أسوأ ما في مجتمعه القديم، من عنف وتطرف وظلم.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى