ريا إلى أين؟ – الحل الثالث للشارع السوري
أفنان القاسم
يجب أن تحرر سوريا أولاً لتحرير الإنسان!
هذان المطلبان اللذان أحدهما اجتماعي والثاني سياسي هما مطلبان جوهريان من مطالب الثورة السورية، فالنظام السوري يحتل سوريا منذ عقود طويلة مارس خلالها أبشع أنواع الجرائم في حق السوريين واخترق ببوليسه السياسي البيوت والعقول ولم يتردد لحظة واحدة عن إطلاق النار في صدور الناس كأي محتل يعامل محتليه، والنظام السوري يترك الجولان محتلاً من طرف أخوته في “النضال” الإسرائيليين دون أن يطلق رصاصة واحدة في سبيل تحريره، فكيف تحرير فلسطين وكل ذلك الادعاء المضلل؟ فالأخوّة الرابطة بين النظامين الإسرائيلي والسوري حقيقة واقعة هي في جذورها حقيقة توراتية عميقة عندما يعتبر الإسرائيليون بشار الأسد “ملك إسرائيل” الحامي لها ليس من الحدود السورية فقط بل واللبنانية بعد أن نقل المعركة بينه وبين إسرائيل إلى الحدود اللبنانية تحت شعارات المقاومة الزائفة ليأتي بجنود كل دول العالم من أجل منع أقل فعل للمقاومة، لهذا لا تنام الحكومة الإسرائيلية الليل وهي تخطط وتضغط كي يبقى هذا النظام الفاشي قابعًا على صدور السوريين إلى الأبد تطبيقًا لشعاره الذميم “الأسد إلى الأبد”! ولأن إسرائيل لا تريد أن ترى التجربة المصرية تتكرر في سوريا، فتفقد في المنطقة حليفًا آخر من أقوى حلفائها. لهذا بقيت مواقف الغرب مائعة، فلم ينحز إلى ثورة الشباب كما انحاز في بلدان أخرى، وترك مصالحه معلقة بين دعم مطالب الإصلاح والتغيير وبين تجاهل هذا المطالب والاكتفاء بالتنديد الكلامي أو الإجرائي الخجول دون أن يؤثر ذلك كثيراً في نظام أسد القمعي. ولن ننسى مواقف الروس والصينيين النذلة إلى جانب النظام، فلعبة المواقع لديهم أهم بكثير من حرية شعب وحتى ذبح كل أفراده.
الثوار في سوريا تركهم الغرب والشرق وحيدين أمام مصيرهم، والشعوب العربية في معظمها لم تزل ضحايا خوفها وانهزامها، لم يخرج واحدٌ منها إلى الشارع لدعمهم، بينما رفع الفرنسيون يافطات الدعم للأحرار السوريين في مظاهرات الأول من أيار، والثوار في سوريا لا يشكلون حتى اليوم تهديدًا للنظام وكل شيء يشير إلى بطشه وجبروته: دباباته، قتلته، أولئك القتلة للثوار ولرافضي الأوامر من قواته ثم الادعاء المنفضح بأنهم قُتلوا على يدي من لا سلاح في يديه، مقوسوه، مطبلوه، مزوروه، زماروه، طابور حزب الله الخامس، وحتى إسرائيل إذا ما شعرت ببدء انهياره لن تتردد عن شن هجوم مفتعل يجعل من نظام الأسد نظامًا معتدى عليه، وخذ من أذيال النظام وأبواقه ولولةً وزعيقًا: سوريا يا سوريا! وتعالوا لحماية سوريا ورد المعتدين عن سوريا! يا معقل الثوار يا سوريا! فتنهي الثورة نفسها بنفسها، وتقف إلى جانب النظام بعد أن كانت ضده.
وضع سوريا الراهن يختلف عن وضع تونس ووضع مصر حيث لعب الجيش دورًا هامًا إلى جانب التغيير السياسي في هذين البلدين، فالحل على الطريقة المصرية أو التونسية ليس حلاً سوريًا، وكذلك الحل الليبي ليس حلاً سوريًا وشعار الثوار “سلمية” هو المعمول به، فلا الحل الأول ولا الحل الثاني سيسقط النظام، فهل هناك من حل ثالث؟
الحل الثالث هو الحل الجزائري أيام الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي: حرب العصابات، فالمنتفضون سيُقتلون سواء أكانت سلمية أم غير سلمية، وهم يصارعون وحدهم، المجتمع الدولي كالمجتمع السوري لا يتحرك إلى جانبهم، والنظام يراهن مع الوقت على تفكك حركتهم بعد تعب ويأس، وعلى فشلهم، وعلى عكس كل من دعا وطالب بالعمل السلمي في الساحة السورية هذا العمل الذي سينتهي والظروف الراهنة إلى الاستسلام أدعو وأطالب بالمواجهة القتالية على جبهتين جبهة الجيش وجبهة المجتمع، جبهة الجيش عن طريق إرهاقه واستنزافه حتى تنتفض عناصره الوطنية التي لا أشك أبدًا في إخلاصها إلى جانب المنتفضين، فحرب العصابات دومًا ما كانت قوة للجماهير كما يقول غيفارا وإرادة لها في التغيير والتثوير، وجبهة المجتمع عن طريق إرهاب عناصره المستسلمة الخانعة المترددة، فمئات الضحايا وعشرات آلاف الجرحى والمعتقلين في دمشق ودرعا وحمص وحماة وحلب واللاذقية وبانياس وباقي المدن السورية الباسلة، كل هذه الجرائم البشعة لم تؤثر فيه، هذا الإرهاب الثوري هو العامل الأساسي في التفاف كل المجتمع الجزائري من حول الثورة لأنه يزعزع تحت إرهاب الدولة ثقة المنهزمين بالنظام والذين سيختارون تحت إرهاب الثورة الثورة كبديلٍ له، الثورة الحبلى بألف حلم، وقد غدت أحلام الجميع.