رزان زيتونةصفحات الناس

ريف دمشق: اللحظات التي تسبق موتنا جميعاً

رزان زيتونـة

إلى فداء البعلي..

لا يحصل أن يستيقظ المرء من النوم ليجد نفسه وقد فقد عينه مثلا. عينه التي كانت ترمش قبل ثوان من غفوته، لا يحصل وأن وتختفي فجأة ليحل مكانها جلد أملس كأنها لم تكن يوما.

لو كان ذلك ما يحصل، لشكل قمة الرعب والأسى. مجرد إمكانية حصول ذلك يجعل من الحياة هستيرية بقلقها وعبثها. يجعل المرء في النهاية يتمنى لو يفقد عينه أو تتساقط أعضاؤه واحدا تلو الآخر، بالسرعة الممكنة وفي هذه الثانية بالذات، على أن يعيش قلق الانتظار لتساقطه قطعة تلو الأخرى على امتداد أيام وأشهر وسنوات.

لذلك ربما تبرع عبد الله للتمدد في قبر صديقه، متذرعا بالتأكد من اتساعه لجسده الشهيد. “سألوني بيسعو القبر؟ تمددت بالقبر وتحركت، وقلت منيح بيسعو.وبكيت.. جهاد شهابي خيي حقك على راسي غلطت..السماء ما بتسعك حتى يسعك القبر”.

لذلك ربما تعتريني رغبة مرعبة بالتوجه إلى حيث تهوي قذيفة لأتلقاها بجسدي وأنتهي.

أو ما هو السبيل الآخر كي نتعامل مع الاختفاء المفاجئ للأشخاص من حولنا؟! أي سحر أسود يجعل في كل يوم صديقا كان يجلس قبالتنا قبل ساعات، يرقد الآن في قبر، جسده ممزق، جميع حكاياه وضحكاته وكلماته أهيل عليها التراب. لا مواعيدنا يحسب لها حساب، ولا لانتظاره قيمة أو جدوى.

لا يقتصر الأمر على الأصدقاء. حتى أولئك الذين مروا سريعا وهم لا ينتظرون منا أن نتذكرهم. الجار السمج، الطفل في الحارة المجاورة الذي اعتاد إزعاجنا بلعبه الثقيل. بائع البنزين الذي تقاضى سعرا مضاعفا. السيدة مجهولة الهوية في آخر الحي. أي أحد قابل للاختفاء بأقل من لمح البصر، وقبل أن ندرك أنه رحل، قبل أن نصدق حتى، نجد أنفسنا نحدق بعينيه المغمضتين ووجهه البارد في مقطع فيديو غبي ومحايد.

وبدلا من النواح على من مضى، من بكائه كما يستحق.. بدلا من الحداد ودقيقة الصمت والذهول.. نجد أننا غرقنا في التفكير حول من سيسقط تاليا، أين وكيف ومتى. بعد ساعة؟ قبل الغذاء؟ أثناء شرب القهوة؟ أو أثناء اجتماع يعرض كم أننا صبورون وشجعان ومستمرون حتى سقوط آخر جفن، وكم أن العالم منافق وقبيح وهو يلملم ما يتساقط منا لدفنه ودفننا.

كيف يمكن التعامل مع كل ذلك الفقد والقلق من فقد جديد، بغير الجنون أو التصالح مع فكرة أن الجميع سيموتون، وأنها مسألة وقت فقط؟ لا داعي للقلق، فهو سيموت، وهي ستموت! هي سنّة الحياة لكن بوتيرة أسرع وكأنها تعمل على مولدة عملاقة بطاقة الموت الكلي.

لا داعي للقلق يا فداء. وكما ودعتك أمك وهي تتلمس وجهك البارد “نام يا حبيبي نام”… ارقد بسلام.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى