زنازين
زنزانة “1”
المكان مزدحمٌ قليلاُ، يحاول ألا يشتكي ومن بين أصوات الشخير المتعب المعذّب يتذكر كم كان من السخف أن يقلق منذ أيام على امتحاناته العملية فهاهو اليوم هنا لا امتحان ولا ما يحزنون فيبتسم مرغما ً .. هنا لا امتحان إلا لصبره ،
هو يعلم تماما ً منذ المظاهرة الأولى أن احتمال الاعتقال سيء ولطالما استمع إلى تعليقات تشير إلى نحولة جسده ” لن يتحمل كفين”، لكنه حتى الآن قد تحمّل الكثير، ويشعر طالما أنه قد نجا من الضرب الوحشي في باص النقل المهلهل فإن عليه أن يبتسم مجددا ً
يستلقي كيفما اتفق .. فالمساحة الصغيرة تكفي جسده وتحلّق أحلامه على وطن أفضل فتتخدّر آلامه ويغفو ..
زنزانة “2”
يفكر ..وحيدا ً في زوايته :” لا شيء لديّ لأخسره، أعطيتهم خمس سنين من العمر ماذا يستطيعون أن يأخذوا أكثر ؟
حينها كنت شابا ً ومليئا ً بالدهشة .. اليوم لا حزن أكثر يضفونه على العينين ولا تتسع الجبهة
لأي تجعيدة جديدة
كل حيلهم أحفظها وداخلي من القوّة ما يكفي لأنجو من أي شيء ولأتجاهل أي شيء
لي قدرة اكتسبتها في زيارتي السابقة على خلق عوالم لا تطالها قباحتهم
هذه المرّة أحمل معي رائحة خصلات شعر حبيبتي، أحمل معي صدى الأصوات الصارخة للحرية تلك التي محت فجأة آلام السنين الخمس
هذه المرة أعود إلى زنازينهم أقوى فالرجل الذي كنته قد استفاق على الأمل .. والحب”.
زنزانة “3”
وتسرقه هواجسه: “ترى ما الذي تفعله الآن ؟ هل يزعجها أولادنا من المؤكد أنهم قد هلكوها بأسئلتهم عني ؟ ينتابني بعض من الذنب ربما مع الشوق إليهم
إنها المرة الثانية هذه السنة .. وهي هناك تحتمل جرح غيابي
كم أود لو أستطيع الاتصال بهم لأخبرهم فقط أني بخير، كلما خرج أحدٌ ما من هنا حملتّه سلامي إليهم،
هل نخرج قريبا ؟
كم غريبة تلك الصداقات التي خلقتها هنا ، كم هم مختلفون .. أشعر أني احمل قصصهم كلها ، آلامهم كلها .. سأكتبها ، سأتلوها أمام الجميع .. عندما أخرج “
ويعيد القصص المؤلمة الذي سمعها اليوم، مراراً وتكررا ً يعيدها فهو مصّر أن يحفظها من النسيان ويغفو وأصابعه المكسورة تحاول كتابة شيء ما .. ربما تخط اسم ابنه .
الحرية لأصدقائي مصطفى طاهر ، دياب سرية ، حسين غرير
http://www.marcellita.com/