صفحات الناس

زواج القاصرات في حلب “أحلام مسروقة وأكل عيش/ نسرين أنابلي

 

غازي عين تاب (تركيا)

قلّصت الأزمة السورية الفرح. ودفعت بالسوريين إلى التحايل على حربٍ سرقت منهم استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي والنفسي، مؤدية إلى ارتفاع معدلات ظاهرة زواج القاصرات، بشكل ملحوظ مقارنة بفترة ما قبل الثورة. وهذه الزيجات تتمّ من دون أي طقوس، ويلجأ إليها الكثيرون للتخفيف من أزماتهم المعيشية، رغماً عن ادراكهم أنها ظاهرة غير صحية.

زوجات قاصرات

غرفة صغيرة وثياب ليس بالضرورة أن تكون جديدة، هي كل ما يحتاجه الشاب للزواج. لا مهر ولا أي طقوس أو احتفالات من تلك التي اعتدنا رؤيتها سابقاً في حلب. لم تتردد ولاء القاصر(16 عاماً) في الزواج من رجل يكبرها بسنوات. أرادت فقط أنّ تخفّف عن والدها بعض المصاريف، بعدما إغلاق المصنع الذي كان يعمل فيه بسبب اندلاع الأزمة. تخلت عن أحلامها الكثيرة، حتى نستها تماماً. تقول: “صحيح أن زوجي يكبرني بسنوات، لكنني سعيدة لأنّه يؤمن لي المسكن والطعام”.

من جهته، يقول أبو مازن الذي يعمل في ورشة لتصنيع الأحذية في أحد أحياء حلب الغربية إن “الكثير من أقاربي وأصدقائي تزوجوا مرّتين أو ثلاث من فتيات يصغرنهم بعشر أو خمس عشرة سنة”، لافتاً إلى أن الأمر “لا يحتاج إلى أكثر من غرفة صغيرة وبعض الطعام”.

لا إحصائيات دقيقة حول عدد الزيجات التي سجلت في حلب منذ اندلاع الأزمة السورية. إلا أن بعض الناشطين يشيرون إلى أن “الارتفاع الملحوظ في معدلات الزواج، وخصوصاً لدى القاصرات، وهي غير مسجلة في المحاكم بغالبيتها.

البحث عن عريس

بات هذا المشهد مألوفاً. أن يجول أحد أئمة المساجد في أحياء حلب الشرقية الفقيرة القريبة من مسجده بحثاً عن عريس لفتاة. يقول إمام مسجد في حي الحيدرية، رفض الكشف عن اسمه: “يأتي إليّ نساء أرامل، ويطلبن منّي البحث عن عريس لبناتهن، بهدف التخفيف من المصاريف المعيشية بعدما خسروا أزواجهن”. هكذا ضاقت الحياة بهؤلاء النسوة، فلجأن إلى تزويج بناتهن بعدما سرقت الحرب أحلامهن بالدراسة.

ويضيف الإمام: “ليس هناك من طقوس للزواج. لا حفل زفاف أو غناء. في كثير من الأحيان، يتزوج الشاب بعد الخطبة بيوم واحد”. ويتذكر قصة “سيدة طلبت من عريس ابنتها أن يأخذها إلى بيته على الفور بعدما خسرت منزلها في حي الأنصاري نتيجة برميل متفجر، ولم يعد لديها مكان تبيت فيه مع أولادها”.

زواج في المدارس

لا تختلف الصورة كثيراً في منطقة حلب الغربية، الواقعة تحت سيطرة النظام عن تلك الشرقية. حيث ارتفعت أيضاً معدلات الزواج بين النازحين، بعدما خلق تجمّع العائلات النازحة في غرف متجاورة ومتقاربة في المدارس حالة من التعايش والتقارب. إلا أن اللافت أن معدلات الزواج من قاصرات قليلة نسبياً، بالمقارنة مع حلب الشرقية. وغالباً ما يتخلى أهل العريس أو العروس عن غرفتهم داخل المدرسة ليقضي فيها العروسان ليلتهم الأولى، ثم ينتقلان للعيش في غرفة أهل العريس.

وفي السيّاق، تشرح نازحة، رفضت الكشف عن اسمها، كيفية التحضير لحفل الزفاف. تقول: “تعير النسوة العروس بعض الحُلي ويتولين تزيينها في المدرسة”. وتضيف أن “المهر غالباً ما يكون مجرد حبر على ورق يُكتب في عقد الزواج. وفي حال الطلاق، يمكن للزوجة المطالبة به”.

تجدر الإشارة إلى أن الحرب الدائرة في سورية عطّلت عمل المحاكم في حلب، ما أدى إلى عرقلة العمل في الكثير من القضايا كدفع نفقات الزوجة المطلقة، أو المضي في معاملات الطلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى