صفحات الناس

زيادات ضريبية لتمويل تدمير سوريا

سلام السعدي

يتجه النظام السوري إلى إقرار زيادة عامة لمدة 3 سنوات، على كل أنواع الضرائب والرسوم. الزيادة الاستثنائية المقترحة لتعزيز إيرادات الدولة ودعم حربها الضروس على الشعب، تعود بالذاكرة بنا إلى شكري القوتلي، أول رئيس لسوريا الحرة بعد الاستقلال. إذ فرض القوتلي في العام 1948 ضريبة استثنائية، إنما لتغطية تكاليف الحرب في فلسطين، وشتان بين الضريبتين وبين الحربين!

في التفاصيل، وافقت اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء على مقترح كان وزير المالية إسماعيل إسماعيل قد تقدم به، ويهدف إلى إضافة نسبة 5 في المئة لمدة ثلاث سنوات على الرسوم والضرائب المباشرة وغير المباشرة، تحت اسم “المساهمة الوطنية في إعادة الإعمار”.

وأكد إسماعيل في تصريح صحافي أن الحكومة ستقر مقترحه في وقت قريب على اعتبار أنه “يدعم الإيرادات الجارية للموازنة العامة للدولة”. كما نفى “أي تأثير سلبي لهذا المشروع على الحياة المعيشية للمواطنين من حيث ارتفاع الأسعار”. وقدم تفسيراً يكاد يكون فارغاً من أي مضمون بقوله أن “زيادة الضرائب والرسوم ليست سوى تحصيل تكاليف، أي وثيقة يقوم المواطن بالحصول عليها!”. هكذا، يكون الوزير قد أنجز فتحاً علمياً غير مسبوق، وتوصل إلى وجود نوع ما من الزيادة العامة في الضرائب والرسوم، لا ترفع أسعار السلع والخدمات! إنها واحدة من معجزات حكومة “الوحدة الوطنية”.

لكن رئيس “اتحاد غرف التجارة السورية” غسان القلاع، توسع في تفسير الوزير. وإذ صار لكلام الوزير معنىً ما، إلا أنه بقي بعيد الصلة بالعلم وبالواقع. القلاع قال أن الزيادة هي “بمنزلة مساهمة من كل مكلف في إعادة الإعمار بهذه النسبة، وهي لن تشكل عبئاً على دافعي الضرائب والرسوم.. ولن يكون لها تأثير على ارتفاع الأسعار”. على السوريين إذن، أن يعتبروا، أن ارتفاع سعر السلعة بسبب زيادة الضريبة، ليس ارتفاعاً بالسعر، وإنما مساهمة وطنية خالصة. بكلمات أخرى، إن كل ليرة ينفقونها زيادة على سعر السلعة هي استثمار وليست نفقة أو عبء، استثمار في الوطنية، ولهم الثواب والعائد الاستثماري، في حياة أخرى.

بعيداً من التبريرات الديماغوجية التي يبرع فيها النظام وشركاؤه، سيكون للزيادة المرتقبة تأثير واضح على المستوى المعيشي للسوريين المنهكين أصلاً. فإذا أخذنا تدهور سعر صرف الليرة السورية بالاعتبار، فإن متوسط الأجور لا يتجاوز حالياً مبلغ 100 دولار شهرياً، بينما يقدر متوسط الإنفاق الشهري للأسرة بنحو 600 دولار (قدرته الحكومة بنحو 30 ألف ليرة في العام 2010، أي 600 دولار وفقاً لسعر الصرف آنذاك).

أي أن القدرة الشرائية لغالبية السوريين، هي أصلا خائرة القوى، كقشة في محيط متلاطم. هذا حال أصحاب الدخل المحدود. هنالك أيضاً أصحاب الدخل المعدوم، وهؤلاء تتسع رقعتهم يومياً، يعصف بهم الجوع والبؤس، ويقتات نحو 2.5 مليون منهم على إعانات برنامج الأغذية العالمي.

من جهة أخرى، سوف يقع العبء الرئيسي للزيادة الضريبية على الأجراء. ذلك في ظل مغادرة ما يزيد عن 60 في المئة من أصحاب رؤوس الأموال للبلاد بحسب غرفة تجارة دمشق، وتخلف نحو 90 في المئة من كبار المكلفين عن سداد الضريبة. لذا، سيواجه الأجراء، ممن دمرت منازلهم، وشردوا لعامين متواصلين في المدارس والبيوت الضيقة المشتركة، اقتطاعات متزايدة من أجورهم الهشة، تذهب للاستغراق في التدمير والخراب، تحت مسمى “المساهمة الوطنية في إعادة الإعمار”.

وتتأكد هذه الحقيقة بمجرد إلقاء نظرة خاطفة على الموازنة التقديرية للعام 2012، التي تكشف انحياز التحصيل الضريبي لمصلحة الطبقات العليا في المجتمع. إذ بلغت حصيلة ضريبة الرواتب والأجور نحو عشرة أضعاف حصيلة ضريبة رؤوس الأموال في العام 2010.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى