سبات جريدة “شام”
ملاذ الزعبي
يتلقى رئيس تحرير جريدة “شام” السورية الأسبوعية عبسي سميسم رسالة عبر بريده الإلكتروني من صحافية سورية مقيمة في نيويورك، تستفسر فيها عن كيفية الاشتراك في الجريدة، ويحار سميسم في الرد، فالرسالة وصلت إلى صندوق بريده الافتراضي بالتزامن مع توقف الصحيفة عن الصدور.
للأسبوع الثاني على التوالي تحتجب الصحيفة السورية عن قرائها بسبب توقف مفاجئ في الدعم المالي، علماً أن الأعداد الأربعة الأخيرة منها صدرت بنسخة إلكترونية فقط، ليخسر الإعلام السوري الصادر بعد الثورة “مؤقتاً” واحدة من أهم تجاربه المغايرة والمهنية، فيما يبدو مستقبل الصحيفة مجهولاً.
بدأت “شام” مسيرتها القصيرة في الرابع من شباط الماضي، كامتداد لشبكة “شام” الإخبارية، بالتزامن مع الذكرى السنوية لمجزرة حماة 1982. في افتتاحيته المعنونة “كي لا تتكرر المأساة”، كتب سميسم إن الصحيفة “تسعى إلى تكريس نفسها كصحيفة مهنية تعمل بسياسة تحريرية واضحة وتتبع معايير مهنية تحاول أن تطبقها على المواد المنشورة على صفحاتها”… كلمات رئيس التحرير المنحدر من بلدة “بنش” وجدت صداها على صفحات الجريدة الست عشرة. تغطية الشؤون المحلية عرفت قدراً كبيراً من الموضوعية مقارنة بتجارب مماثلة، ولم تقتصر التغطية على التطورات العسكرية والسياسية، بل امتدت إلى مواضيع وهموم اقتصادية وثقافية واجتماعية.
يقول سميسم لـ”المدن” إن إصدار الجريدة كان نابعاً من “ضرورة توافر نوع من الإعلام المطبوع المهني في المناطق المحررة في ظل انقطاع الكهرباء وعدم توفر وسائل اتصال”، مضيفاً أن الهدف الأساسي هو خلق “مصدر معلومة موثوق وموضوعي لدى الرأي العام ولدى وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الأخرى”.
تميزت “شام” عن معظم الصحف السورية، المتكاثرة كالفطر في العامين الأخيرين، بنشرها مقالات رأي خاصة بها وباستقطابها لصحافيين وكتاب سوريين مكرسين كسلامة كيلة وعدنان عبد الرزاق ورشا عباس وآخرين، بالإضافة إلى شبكة من نحو عشرين مراسل في الداخل السوري.
تضمنت الصحيفة الأسبوعية أعمدة صحافية ثابتة سياسية وثقافية واقتصادية وحتى ساخرة بعنوانين “بالمشرمحي” و”تكبييير”، كما اجتذبت رسام كفرنبل أحمد جلل للتعليق على رسوماته الكاريكاتورية في صفحتها الأخيرة. لكن أكثر ما تميزت به “شام” كان التحقيقات الاستقصائية المنفذة في الداخل السوري ومنها “جوبر: حرب لا تعرف المزاح على عتبة دمشق”، و”سَلمية..من قتل سلميتها”، وتحقيق عن “بنش” التي تسيطر عليها جبهة النصرة بعنوان “هواجس الحرية في ظلال الموجة الإسلامية”، وآخر ثقافي عن رابطة الكتاب السوريين.
يؤكد رئيس التحرير أن “التمويل والتمويل فقط” هو العائق الوحيد أمام استمرار الصحيفة التي كانت توزع خمسة آلاف نسخة أسبوعياً، منها أربعة آلاف توزع في الداخل مجاناً، ونحو 400 -500 نسخة في تركيا في مدن الريحانية وأنطاكية وغازي عنتاب واسطنبول، فيما يتم إرسال 500 نسخة إلى عشر دول بواقع 50 نسخة لكل دولة، يوضح سميسم أن إدارة الصحيفة كانت تأمل، من إرسال الأعداد إلى دول غربية وعربية، في تأمين اشتراكات في تلك الدول بمبالغ مرتفعة بعض الشيء، فالاشتراك لمدة ثلاثة أشهر في أوروبا بمئة يورو، وفي الولايات المتحدة بمئة دولار، وفي السعودية بمئتي ريال سعودي.
يضيف سميسم أن الهدف من الاشتراكات كان “المحافظة على الاستقلالية.. وكنوع من المساهمة بدعم الجريدة”، لافتاً إلى الخطة الأساسية كانت تقضي بأن تمول شبكة “شام” الإعلامية الصحيفة لأربعة أشهر على أن يتم العمل “لتأمين مصادر دعم أخرى تواكب تطور الجريدة”.
لاحقاً عجزت الشبكة عن تغطية نفقات الطباعة واضطرت إدارة التحرير إلى إصدار أربعة أعداد إلكترونية قبل أن يتم إبلاغها بعدم قدرة الشبكة على الاستمرار في تغطية تمويل الاستكتابات، مع اقتراح الاستمرار في الصدور بشكل إلكتروني، والاعتماد على المساهمات المجانية، وهو اقتراح رفضه سميسم لأن “الصدور بهذا الشكل يعني الانحدار بمستوى الجريدة والتغاضي عن مستوى المواد”. ويضيف “إن الصحيفة أمام خيارين: إما تحويلها إلى مؤسسة اقتصادية، أو الإبقاء عليها كمشروع وطني ومحاولة العثور على مصدر تمويل يضمن استمراريتها لسنة على الأقل”. ويعرب عن اعتقاده بإمكان “تأمين مقومات استمرارية لصحيفة مثل شام في حال كان هناك تجاوب من الجهات التمثيلية في المعارضة”، سواء الائتلاف الوطني أو المجلس الوطني أو الحكومة الانتقالية.
ويوضح سميسم: “نحن جريدة جمهورنا، المستهدفون في الدرجة الأولى هم السوريون في المناطق المحررة، وهو الجمهور المستهدف نفسه للجهات التمثيلية في المعارضة، والحكومة المؤقتة إذا أرادت أن تعمل فهي بأشد الحاجة لتوجيه رسائل إعلانية لجمهورها تتعلق ببرامجها”.
في افتتاحيته قبل أقل من أربعة أشهر، أعرب سميسم عن أمله في أن تشكل الصحيفة “نواة لمؤسسة صحافية سورية حرة مستقلة تعمل ضمن معايير العمل الصحافي”. ذهبت آماله أدراج الرياح في غضون أسابيع. لكنه يؤكد بأن المشروع ما زال قائماً والعودة ستكون “في أسرع وقت”.