سباق التتابع الروائي/ ممدوح عزام
كان الدرس النقدي العربي يقرّر أن رواية “زينب” 1914، لمحمد حسين هيكل، تمتلك حقوق ريادة النوع الروائي في الأدب العربي كله، لا ينازعها في هذه المكانة أي نص عربي سابق.
أذكر أنني بحثت طويلاً عن الرواية دون أن أتمكن من العثور على نسخة منها في أي واحدة من مكتبات دمشق منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين، ولم أجد من يقدّم لي بياناً تفصيلياً عن تاريخ طبعاتها التالية.
وقد أضفى هذا الغياب على الرواية غلالة من الغموض اللذيذ الذي زاد في ثقل حضورها في الذاكرة، خاصة أن هيكل لم يسلك العمل في النوع الروائي، فسماه مناظر وأخلاقاً ريفية، ثم أنكر أبوّته له، فكتب أن مؤلفه “مصري فلاح”.
اليوم تغيّر الموقف، إذ يجمع النقاد والباحثون أن عدداً كبيراً من النصوص الروائية سبقت زينب بكثير، ثمة من يميل إلى تبديل التسمية، وتغيير المصطلح كي يتمكن من توسيع محيط الدائرة، فيسمي تلك النصوص “سرداً” وبدل أن نقول تاريخ الرواية، يمكن أن نقول تاريخ السرد العربي.
وبذلك، يستطيع الناقد أو المؤرخ الأدبي أن ينعش الكثير من النصوص التي تجد لها صلات قرابة مع النصوص السردية العربية مثل ألف ليلة وليلة والسير الشعبية وغيرها مما يسميه عبد الله إبراهيم “الرصيد السردي” عند العرب، أو يعيد تصفح تلك النصوص التي استخدمت القالب القصصي من أجل تمرير الخطاب الفكري.
وهكذا اصطفت إلى جانب زينب، أو في الحقيقة تقدّمت زينب في الحضور الزمني أعمال مثل: “وي. إذن لست بأفرنجي” لخليل الخوري 1859 و”غابة الحق” لفرنسيس المراش 1865 و”الهيام في جنان الشام” لسليم البستاني 1870، وحديث عيسى بن هشام لمحمد إبراهيم المويلحي 1903.
وفي الحالتين يبدو السجال أو النقاش هماً خارجياً لا علاقة له بتطور الرواية العربية، إذ أن المؤرخ لا يجيب عن السؤال الذي يهم درس الرواية، أو أثر الرواية، بحيث يظل موضوع الريادة شأناً تاريخياً يفتقر إلى اللحم والدم الضروريين لحياة الرواية العربية.
ذات يوم سألت عدداً من الروائيين السوريين عن علاقتهم بشكيب الجابري، وكان الجواب دائماً معادلاً للصفر. والجابري كتب أول رواية له وهي “قدر يلهو” في الثلاثينيات، أي في وقت مقارب للوقت الذي كتب فيه نجيب محفوظ ويحيى حقي وتوفيق يوسف عواد أول رواياتهم.
مضى الجابري الذي أصدر عدداً من الروايات في ما بعد، دون أن يترك أي بصمة، أو ينتج أي استمرارية في تاريخ الرواية السورية. (في الغالب لا يعرفه الروائيون العرب ولا يأتي على ذكره النقاد العرب أيضاً).
والحقيقة هي أن تاريخ الرواية لم يجد بعد من يدرس علاقات التتابع الأدبي بين الروائيين العرب. إذ من غير المهم كثيراً (إلا لأغراض الدراسة التأريخية) سنة ميلاد الرواية العربية، بقدر ما يكون بلوغ الرواية هو المهم، ففي البلوغ وحده، أو في سن الرشد، ترتسم فاعلية النص داخل تاريخه النوعي من جهة، ووسط أقرانه من الروايات.
العربي الجديد