سجينات النظام السوري آخر الصراخ: الإضراب عن الطعام
عارف حمزة
منذ تاريخ 1/7/2013 أضربت عن الطعام سجينات الرأي والتظاهرات في سجن “عدرا” بدمشق. في دول العالم الأخرى قد يؤدّي ذلك إلى استقالة وزير العدل، أو حتى وزارة بأكملها، أما عندنا فإنّه قد يثير المزيد من النشوة؛ إذ يشعر السجّان، والذين أعطوه، وعلّموه، عمليات التعذيب بأرقامها القياسيّة، وطرقها الكلاسيكيّة والمبتكرة، بأنّه قام بعمله على أكمل وجه؛ فهو ينتشي كلّما رجاه المُعذَّب أن يُوقف تعذيبه، ومُنى قلبه أن يبقى المعتقل يصرخ ويصرخ مستنجداً به إلى الأبد، فذلك يُرضي الوحش الذي يسكنه. لذلك فهو ينزعج، لانقطاع نشوته تلك فجأة، عندما يُغمى على المعتقل من شدّة التعذيب، فيوقف التعذيب الصامت ذاك، ليوقظه بسطل من الماء، كي يبدأ جولة التعذيب من جديد في وضعية اليقظة والصراخ. وكلّما ذكّرته، سواء هو أو المسؤولين عنه، بأنّ عملهم ذاك يخالف القانون، أو الأخلاق، أو الطبيعة الإنسانيّة، فهو يعتبر بمثابة المديح لهم، ولوحشيّتهم المبتكرة. فكلّما كانوا خارجين عن كل ذلك كانوا داخلين في وهم سلطتهم الدمويّة.
لا بدّ أن يقول أحدنا: ولكن هذه الممارسات تحصل في أقبية فروع الأمن وليس في السجون المدنيّة. فتحويل المعتقل حيّاً من فرع الأمن، “الجويّ” خصوصاً، إلى السجن، يعني حصوله على فرصة كبيرة للحياة من جديد. فالتحويل إلى السجن يعني انتهاء التعذيب الجسديّ والنفسيّ من جهة، وعرضه على القضاء، وبالتالي وجود محامٍ يدافع عنه، وإمكانيّة خروجه من السجن، من جهة ثانية، مهما طال الزمن. ومن جهة ثالثة يعني إمكانيّة الاتصال به من قبل الأهل، والتأكّد من بقائه على قيد الحياة، بعد أشهر من الشكّ في ذلك. هذا الكلام كان صحيحاً في الماضي، طبعاً مع وجود استثناءات، بخاصّة في السجون العسكريّة، ولكن كلّ ذلك صار من الماضي بعد حملات الاعتقال الرهيبة والهائلة التي عصفت بشباب الثورة السوريّة قبل أكثر من سنتين ولحدّ الآن؛ فبسبب امتلاء أقبية الأمن بالمعتقلين، تمّ تحويل السجون نفسها إلى أقبية أمنيّة، وفرز محقّقين ورجال تعذيب، أو بالأحرى وحوش تعذيب، خاصّين إلى السجون المدنيّة أو غير العسكرية. وصارت تلك السجون تحت إمرة مندوب فرع الأمن، أو مندوبي فروع الأمن، بينما مدير السجن التابع لوزارة الداخلية صار في إجازة مفتوحة مجازيّاً..
خلال الأشهر الطويلة من الثورة السوريّة، المطالبة بالحرية ودولة القانون والمواطنة، تمّ اعتقال أكثر من مئة ألف شخص، حيث كانت هذه هي الطريقة المثلى للتضييّق على الحالة السلميّة الحضاريّة، التي كانت المظهر الأساسي لها، قبل أن يحوّلها العقل المخابراتيّ إلى مواجهة بكافة أنواع الأسلحة الخفيفة منها والثقيلة، في طريقها لتدمير البنية التحتيّة للمدن والطوائف والأعراق السوريّة.
وبعد إقفال سجن تدمر العسكريّ السيئ الصيت. لم تعد السجون في العاصمة دمشق قادرة على استيعاب الدفعات الكبيرة من المعتقلين كل يوم، فما كان من السلطات الأمنيّة سوى تفريغ سجني عدرا وصيدنايا من السجناء القدامى، بتحويلهم إلى السجون في المحافظات السوريّة الأخرى، وتخصيصهما لسجناء الثورة، وبعض السجناء الجنائييّن، الخطرين جداً.
وحيث أن التعليمات صدرت من وزارة الداخليّة السوريّة، وتبنتها وزارة العدل، بأنّه لا يجوز بقاء أي معتقل لدى الفروع الأمنيّة أكثر من ستين يوماً، وبوجوب تحويله إلى محكمة مختصة، ومنها محكمة الإرهاب، السيئة الصيت أيضاً، المنشأة حديثاً. وإذا لم يتم ذلك فإنّ من حق أهل المعتقل تقديم شكوى للنائب العام للبحث في مصير ابنهم المعتقل لدى الفرع الأمنيّ الفلانيّ، وبالتالي إجبار الفرع الأمنيّ على الإسراع بتحقيقاته، وتحويل المعتقل لديها إلى القضاء. ومن أجل ذلك، وانتهاكاً للعدالة نفسها، قامت الفروع الأمنيّة، برضوخ لدرجة الإذلال من وزارة الداخليّة، بإباحة سجونها، ومراكز التوقيف لديها، وتحويلها إلى أقبية أمنية واسعة، تمارس فيها كلّ الأفعال اللاقانونيّة واللاإنسانيّة! فإذا راجع الأهل القضاء، بعد مضي الستين يوماً تلك، يقولون لهم بأنّ ابنكم موجود في السجن بالفعل، أي ليس في فرع أمنيّ، وذلك توقيفاً لمصلحة محكمة الإرهاب. وهذه لعبة أمنية بحتة؛ فمنذ تشكيل محكمة الإرهاب بتاريخ 26/7/2012 لم تعقد جلساتها بعد. أي يكون قد مضى ما يقارب العام على اعتقال الكثيرين دون عرضهم على القضاء فعلياً! وهذا بالضبط ما دفع سجينات الثورة في سجن عدرا لإعلان إضرابهنّ المفتوح عن الطعام، بعد تلفيق هذه اللعبة الأمنيّة بحقهم؛ بإبقائهنّ معتقلات من دون حكم قضائيّ، سيكون ملفقاً أيضاً، بحقهنّ.
ووفق ما علمنا من منظمات حقوق الإنسان، فإن السجينات اللواتي أضربن عن الطعام تتراوح أعمارهن بين 19 و60 عاماً، ومنهنّ من تعاني من مرض عضال، وبالتالي لا يستفدن من مراسيم العفو التي صدرت ثلاث مرات خلال الفترة الماضية، طالما أنهنّ موقوفات ولسن محكومات. وبالتالي لن يشمل وضعهنّ القانونيّ من الناحية الصحيّة حتى لو أدّى ذلك إلى موتهنّ، لا سمح الله، في السجن. لم يكن أمام السجينات سوى رفع مذكرة للسيد النائب العام في دمشق كاحتجاج على عدم قانونيّة ما تقوم به الأجهزة الأمنيّة بحقهنّ في سجن عدرا، والطلب منه بتوجيه أوامره لمن يلزم لاحترام القوانين! وأعلنّ إضراباً مفتوحاً عن الطعام لحين الاستجابة لمطالبهنّ القانونيّة.
تصوّروا هذه المعادلة الغريبة: أن يرسل معتقلون في سجن مذكرة احتجاج إلى النائب العام من أجل تذكيره باحترام القانون!