سطحيون
حازم الأمين
“الأزمة في سوريا ليست على مشارف النهاية ومن يقول غير ذلك يكون سطحياً”…
من المرجح ان لبنانيين كثراً سمعوا هذه العبارة، لا سيما ان من قالها بالأمس تماماً، رددها على أثير محطة تلفزيونية لبنانية. لكن على رغم ذلك من المشوق لمن لم يصدف انه سمعها ان نبقي هوية قائلها حتى نستنفد الفكرة من وراء تصديرها هنا.
لنتوقع أولاً من قصد صاحب الجملة بـ “… من يقول غير ذلك يكون سطحياً”؟ أي من قال ان الأزمة في سورية شارفت على نهايتها؟ قال ذلك أكثر من مرة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطبه العشر الأخيرة. وقال ذلك النائب ميشال عون، أيضاً أكثر من مرة. لا بل ان الأخير حدد موعداً لآخر طلقة رصاص في درعا.
وقال ذلك عشرات من نواب حركة أمل وحزب الله والتيار العوني. وعلى نحو مبتذل قال الأمين القطري لحزب البعث في لبنان فايز شكر عندما اقتحم جيش النظام في سورية منطقة بابا عمرو في حمص: “بابا عمرو عطاك عمرو”، ولم يجد شكر من بين زملائه السياسيين اللبنانيين من شعر بالعار بسبب انتمائه الى ناد يضمه الى فايز شكر.
اذاً من المنطقي وغير المبالغ فيه ان نعتقد ان صاحب الجملة المفتاح انما رد بقوله على كل هؤلاء، واعتبر انهم سطحيون، لكن المذهل في الأمر ان القائل هو وئآم وهاب، وبالمناسبة فان الشخص الأول الذي يمكن ان تكون الجملة بمثابة رد عليه هو صاحبها نفسه، لكن هنا تفقد المفارقة قوتها، ذاك انه ليس في رد وهاب على نفسه مفارقة… فأين هي نفسه أصلاً.
لكن ان يتولى وهاب كشف “سطحية” متوقعي نهاية وشيكة للثورة في سورية، هو جزء من اضطراب أوسع أصيبت به “قيم” الانحياز الى نظام الممانعة في دمشق. سبب الاضطراب يتمثل في تناسل للرهانات مستمد من تناسل الاخفاقات. الإمعان في الرهان ثم السقوط ثم معاودة الرهان مجدداً ثم السقوط والبقاء الإرادي في هذه الدوامة.
فميشال عون قال ان الأزمة انتهت و: “اسألوني الثلثاء المقبل اذا كان هناك أحداث في سورية”، قال ذلك بتاريخ 8 – 11 – 2011، أي ان نحو 24 ثلثاء انقضى من دون ان يجيبنا، ومن دون ان يراجع نفسه. ثم ان نصرالله، الذي قال ان لا شيء يجري في مدينة حمص وان “أصدقاء ثقاة” قالوا له ذلك، ليتكشف لاحقاً ان 5500 قتيل سقط في المدينة موثقة اسماؤهم، وان هناك نحو عشرة آلاف مفقود، لم يتراجع بدوره عما قاله، وها هو يكرر قبل كل خطاب جديد له الاتصال بنفس “الاصدقاء الثقاة”.
“الاصدقاء الثقاة” أنفسهم كانوا أوحوا لمؤيدين لهم في بيروت ان ثمة “معارضة سلمية” تعيش في دمشق ولن يتعرض لها أحد، وتولى “المؤيدون” ترويج الفكرة، واذ بهم يذهلون بان “المعارضة السلمية” قد زجت بالسجن في ليلة ليلاء، فهام المؤيدون على وجوههم مرددين عبارات هذيانية ملؤها العتب تارة ودفع تهمة اعتقال “المعارضة السلمية” عن متن النظام والصاقها بهامشه الذي لا يريد الخير لأهل النظام.
ما يجري في بيروت مسل فعلاً… لكن ضحايا المأساة في سورية لن يتاح لهم ان يضحكوا، ذاك انهم منشغلون بدفن قتلى ما بعد ثلثاء ميشال عون، أولئك الذين ينكر أصدقاء السيد نصرالله “الثقاة” على أهلهم الحق في ان ابناءهم شهداء.
لبنان الآن