سعادة نبيل العربي سعيد جدا. يا حيف.
هايل نصر
ابتدأ السيد الأمين العام للجامعة العربية عهده بأكثر من التفاؤل, ابتدأه بسعادة مفرطة. سعادة بعد تداوله مع السلطات السورية في قضايا المنطقة العربية وما يجري في سوريا. سمع وعودا بإصلاحات عميقة فانفرجت لها أساريره وفاض سعادة!!!. سعادة من اجل سوريا الجديدة. حلها الأمين. !!!. لم يستطع إخفاء سعادته لحين عودته الم مقره في الجامعة العتيدة “ففقعها” مدوية في دمشق, وعلى مقربة منه, وفي لحظة تواجده, مظاهرة يطارد عناصر الأمن فيها وشبيحتهم المثقفين والفنانين الأحرار في الشوارع, ويعتقل بوحشية العشرات منهم. هم ليسوا كما يكون قد قيل لك عنهم أيها الأمين الجديد. هم مثقفون لا يوجد بينهم مندس واحد, ولا سلفي واحد, ولا مسلح واحد منتم لعصابة أو مهووس دون عصابة. لا يوحد بينهم عميل واحد أو مرتبط واحد بخارج الحدود. تاريخهم معروف, ومواقفهم علنية معروفة ومشهورة. هم من أبناء سوريا وأحرارها. اعتُقلوا وهم ينشدون النشيد الوطني السوري, ويعلنوا بان الشعب السوري واحد, يطالبوا بإصلاح غير الإصلاح الذي أوحوا لك به باجتماعهم بك, وبحوار غير ذلك الحوار الخادع. طالبوا بالإفراج عن المعتقلين قبل أن يُلحقوهم بهم. عرف من هؤلاء المعتقلين الجدد المتزامن اعتقالهم مع حضور سعادتك: 29 شابة و19 شابا, هل سبق لك ان سمعت عن معتقلات ومعتقلين في سوريا ؟. عُرف إلى الآن من هؤلاء المعتقلين المتزامن اعتقالهم مع وجود سعادتك في بلدهم: التوأمان ملص, الفنانة الحرة مي سكاف, الكاتبة الحرة ريما فليحان, الكاتبة الحرة ريم مشهدي, فادي زيدان, نضال حسن. أحرار في تفكيرهم وإنتاجهم, ملاحقون, كمواضيع تتوافر فيهم كل المواصفات للاعتقال بجريمة حمل فكر حر يرفض انتهاك حقوق الإنسان والمواطن.
اعتقالات ومطاردات في وقت يُنادى فيه بعالي الصوت, ليصل إلى الخارج, فالخارج وحده هو المقصود, على الحوار. حوار معلن في وضح النهار من أجل إصلاح, معد من قبل وبيد أساتذة في فن الحوار والإصلاح. إصلاح وحوار تُعقد من أجله المؤتمرات في أفخم الصالات المكيفة تكييفا كليا لإنتاج إصلاح مكيف, كما أنها عازلة للصوت المزعج الذي تطلقه في الشوارع الآلاف من الحناجر منددة بمثل هذه الإصلاحات وهذا الحوار الذي اسعد الأمين العام الجديد دون غيره.
لم يدر الأمين الجديد للجامعة أن الوعود بالإصلاحات التي سمعها لتوه من السلطات السورية سمعها منها السوريون قبله من عقود ولم تسعدهم في شيء, ولم ينفذ منها شيء. ولم يدر, على ما يبدو, أن الشارع السوري يخرج متظاهرا في مظاهرات دائمة, ليلية ونهارية, محتجا عليها, ويقدم الشهداء والدماء. ليس لأن من بيين السوريين من لا يؤمن بالإصلاح والحوار, ويفضل عليه أن يُقتل أو يُجرح أو يسجن, أو يُطارد وتلاحقه المخابرات في كل حركاته وسكناته. السوريون يحبون الحياة ومتعلقون بها مثل غيرهم من الشعوب. ولكنهم حين يطفح بهم الكيل, وتمنع عنهم حقوق المواطنة وشرفها. وحين يشعرون أنهم غرباء في وطنهم, و أنهم مواطنو درجة ثانية, حين تهان كرامتهم, عندها يخرجون متظاهرين مفضلين “الموت على المذلة”.
الجرح السوري ينزف والسيد نبيل العربي أكثر من متفائل. انه سعيد. يعلن سعادته أمام كل الكاميرات والميكرفونات لإيصال هذه السعادة “طازجة” للعالم أجمع, فقد سمع ما لم يسمعه احد, ورأى ما لم يره أحد, وصدق ما لم يصدقه أحد. وعود بإصلاحات جذرية أكيدة وقادمة. أين المشكلة إذن في سوريا. هذا هو الأمين الجديد يخرج منها سعيدا. لينس العالم أن في سورية شيء غير السعادة. فالنسيان أصبح “موضة” سياسية. الم ينس قبله مسؤول رفيع, ويطالب جميع انصاره بنسيان أن هناك على خريطة العالم قارة كاملة اسمها أوروبا؟.
لا نعتقد أن الأمين العام الجديد للجامعة العربية, باعتباره جديد رغم بلوغه من العمر أنضجه, يدرك مآسي الشعوب العربي, و يعيش أحداث الوطن العربي, فان كان يدركها في العمق ويعايشها, ويعلن مع ذلك سعادته على الأشهاد وأمام وسائل الإعلام, فلا يمكن للمرء عندها إلا أن يعتقد بان السعادة “متلبسته خلقة” ومن طبيعته, وليس بمقدوره كتمانها في كل الظروف والملمات, وأنه سعيد ضاحك بطبعه وان لم ينعكس ذلك على وجهه.
لا نتمنى له كشخص, كنبيل العربي, إلا أن يكون ويبقى سعيدا. ولكن لا نتمنى عليه, كأمين عام للجامعة العربية, أن يعلنها في أتراح الآخرين, أتراح العرب الدائمة, خاصة وإنه أصبح أمين لجامعة دولهم التي لم تكن يوما سعيدة, أو مجال لفخر وسعادة أحد. هل يمكن لأي عربي, إن كان نبيلا, أن يكون سعيدا في دول يُقتل فيها يوميا العشرات من الضحايا ويعتقل الآلاف و يهاجرها قسرا عشرات الآلاف ؟.
هل سمع الأمين العام لجامعة عربية كانت تفضل الصمت عند وجوب الكلام .وتسكت عن قول الحق عند وجوب قوله, بأنها نطقت يوما لصالح الشعوب العربية؟. هل سال في هذا سلفه؟. وتساءل عن الأسباب الموجبة لذلك؟.
وعليه كانت وما زالت تلك الشعوب تفضل صمت تلك الجامعة, التي وصفها احد منشئيها الانكليز على أنها رأس انكليزي على جسد عربي. كان الوصف دقيقا في زمن النشوء وقبل أن تتطور لتصبح متعددة الرؤوس على جسد هرم يحمل كل أمراض الأنظمة القديمة التي تطالب الشعوب اليوم بإسقاطها.
كان أجدر بالأمين العام الجديد, وهو القادم من مصر الثورة, أن يفتتح ولايته بموقف فيه شيء من روح ثورة مصر, فيه شيء من التغيير, يعكس شيئا عن حراك الشارع العربي, أن يحتج, أن يعبر ولو على استحياء عن اهتمامه بمعاناة الشعوب, أو أن يصمت ويتابع سيرة من صمتوا. حتى ولو أن جامعته ليست جامعة شعوب, ولا تهمها معاناة الشعوب وتطلعاتها, وإنما جامعة لدول يتفرد بحكم كل منها زعيم, أي أنها جامعة زعماء, والزعيم لا ينهش زعيما في أمور مصيرية. (وبمناسبة الحديث عن الصمت. ثوار مصر الذين ناصرتهم الشعوب العربية, يلتزمون الصمت تجاه الشعوب التي ساندتهم وتذبح اليوم أمامهم, ولا يغير من هذا المساندة المحدودة من بعض الأفراد, وعلى استحياء ).
كان على الأمين العام الجديد أن يسجل موقفا شخصيا فيترحم على أرواح الشهداء تعزية لذويهم, أو أن يساند, كشخص, قضية الحرية, كما يفعل أحرار العالم عندما تنتهك الحرية في أي مكان من الكرة الأرضية, وعندما يستشهد من أجلها الآلاف ويعتقل الآلاف, وهو يعرف ذلك جيدا, ويعرف كل ما يجري في الدول العربية. وإلا لما جاء لسوريا ليبحث هذه القضية والقضايا العربية الأخرى في سوريا نفسها, كما صرح به بالتوازي مع تصريحه بسعادته.
لا نتمنى أن تكون فرحة وسعادة الأمين الجديد بالمنصب الجديد واستلام مهامهم و مخصصاته و”ماهيته” أنسته ما يجري فعليا في سوريا والدول العربية التي تشهد انتفاضات المطالبة بالحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية, فان ما يجري فيها من قمع ووحشية لا يجلب السعادة لأحد حتى ولو كان سعيدا بالغريزة.