بكر صدقيصفحات سورية

سعد الحريري in نوري المالكي out

 

 

بكر صدقي

خرج سعد الحريري من لبنان إلى منفاه الاختياري في باريس مطلع العام 2011، أي حين كانت بداية ثورات «الربيع العربي» من تونس، والنظام السوري يتلمس على رأسه خوفاً من امتدادها إلى سوريا، على رغم تظاهره بالاطمئنان على صفحات ال»وول ستريت جورنال». كان انقلاب حزب الله على حكومة الحريري بمثابة الاستعداد لمواجهة المخاطر الثورية المحتملة في سوريا. شعار «النأي بالنفس» عن مجريات الثورة السورية الذي ستتخذه الرئاسة والحكومة اللبنانيتان سياسةً لها، تبين أنه صمم ليربط طرفاً واحداً في المعادلة الداخلية اللبنانية (14 آذار)، في حين سينتقل حزب الله، في انخراطه في الصراع السوري لصالح نظام الأسد، من السرية إلى العلنية.

يعود سعد الحريري اليوم إلى لبنان وفي جيبه مليار دولار سعودي للجيش والأمن، أي الدولة اللبنانية، لمواجهة «الإرهاب» (السني التكفيري) الذي بات في أعلى سلم أولويات الحكم السعودي بعدما انتهى هذا من «خطر الإخوان المسلمين» في مصر والبلدان الأخرى.

هذا من الجانب السعودي في المعادلة، فماذا عن جانبه الإيراني؟

قبل كل شيء لا يمكن تصور عودة الحريري إلى بيروت من غير ضمانات أمنية من حزب الله، أي بالمحصلة من إيران. لطالما تحدث اللبنانيون عن التوافق السعودي – الإيراني الذي وحده يضمن الأمن في بلدهم. اختلت هذه المعادلة بالانخراط المطرد لحزب الله في الحرب السورية الذي جلب السيارات المفخخة إلى الضاحية الجنوبية، وأشعل نار الفتنة السنية – العلوية، مرة بعد مرة، في طرابلس، واستحضر أخيراً جبهة النصرة وداعش إلى داخل عرسال. لم يكن تعيين نهاد المشنوق، أحد أبرز المقربين إلى الحريري، وزيراً للداخلية في حكومة تمام سلام بلا مغزى. كان هذا التعيين التوافقي بين القطبين اللبنانيين المتنازعين، مقدمة للدور الذي سيقوم به الجيش اللبناني في مواجهة «الإرهاب» في عرسال.

حزب الله الذي تتواتر الأخبار، منذ حين، عن خسائره المتفاقمة في معركة القلمون، بعدما كان من أمر «انتصاراته» في القصير ويبرود، يقوم الآن بتراجع منظم على أمل أن يحافظ على شيء من اعتباره ووزنه في المعادلة الداخلية اللبنانية. ترى هل انتهت مغامرته الدامية والمكلفة في سوريا؟ هل نشهد، في الأسابيع القادمة، انسحاباً صامتاً لقواته من الأراضي السورية؟ لعلنا نعثر على مؤشرات الجواب بالإيجاب على هذا السؤال في العراق.

بعد مخاض طويل عسير تقرر إزاحة نوري المالكي عن المنصب السياسي الأول الذي توهم أنه حكر عليه. من الذي قرر ذلك؟ إيران أولاً، بتوافق مع الولايات المتحدة وجميع القوى الاقليمية الفاعلة التي رحبت بترحيله. يقف الرجل اليوم وحده في مواجهة الجميع بلا أي سند، مهدداً بما يشبه الانقلاب العسكري. حتى حزبه، حزب الدعوة، لم يعد وراءه ككتلة متماسكة، فرئيس الوزراء الجديد حيدر عبادي هو من أبرز أركان حزب المالكي، ناهيكم عن المراجع الدينية والسياسية، علي السيستاني والمجلس الأعلى والتيار الصدري جميعاً. أجمعوا، عن حق، على جعله يدفع ثمن قيام دولة الخلافة الداعشية وتمددها.

توافق أمريكي – إيراني في العراق، وسعودي – إيراني في لبنان. هذا كثير، بالقياس إلى الصراع الإقليمي الضاري الذي اندلع بمناسبة الثورة السورية ومن حولها. هل نأمل، نحن السوريين، أن ينالنا شيء من هذه «الحلحلات»، أم أنها ستكون، كما اعتدنا بتشاؤمنا المشروع، على حساب السوريين؟

ما حدث في عرسال من إحراق مخيمات اللاجئين السوريين وطردهم إلى سوريا، لا يدعو إلى التفاؤل. ما زال الدم السوري أرخص الدماء. أسر جندي إسرائيلي على يد المقاومة الفلسطينية في غزة، أثناء الحرب الإسرائيلية عليها، يثير قلق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في حين أنه ربما لا يسمع شيئاً من أخبار البراميل المتفجرة التي يسقطها طاغية دمشق على المدنيين في حلب. المأساة الإنسانية الفظيعة التي تعرض لها أزيديو العراق دفعت الإدارة الأمريكية أخيراً إلى التحرك وتوجيه بعض الضربات الجوية لقوات داعش، الأمر الذي امتنعت عنه تجاه نظام الأسد بعدما ضرب غوطة دمشق، قبل عام من الآن، بالسلاح الكيماوي.

العنصر الجديد الذي دفع الخصوم إلى التوافقات التي نشهدها اليوم، في العراق ولبنان، إنما هو دولة الخلافة التي أعلنها أبو بكر البغدادي، قبل نحو شهرين، من الموصل. هذا الكيان المتوحش الذي يقف خارج العصر وفي مواجهة العالم أجمع ويضطهد السكان في المناطق الخاضعة لسيطرته، تمكن من دفع إيران إلى مراجعة سياستها الإقليمية وقرَّبها من خصومها. خسرت إيران في غزة والعراق ولبنان، وقبلها جميعاً في سوريا. تبدو القيادة الإيرانية اليوم كأنها تتبع سياسة إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تصل نار خسائرها إلى الداخل الإيراني نفسه.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى