سعد حاجو… رئيس بلا سبب قلة أدب
بدأ بلوحة “طير وفرقع يا بشار” راسماً إياها بحَرفيتها وبساطتها مثلما رنمها الناس هتافات في الساحات، ووصل اليوم إلى تنفيذ الفكرة بالرسوم المتحركة، لا بل إلى العمل على لعبة الكترونية تدعى “سقوط الطغاة”. ذلك هو الفنان السوري سعد حاجو الذي يبدو اليوم كأنما ذهبت به أمواج الثورة السورية بعيداً إلى استكشاف عالم حافل بكل ما هو جديد فنياً. وليس معرضه “رئيس بلا سبب قلة أدب” سوى غيض من فيض نتاجه. ففي المعرض الذي أقيم في مكتبة صفحات باسطنبول، أتيحت الفرصة لمتابعي حاجو ومحبيه كي يشاهدوا أعماله التي واكبت لحظات الثورة السورية مجتمعة في سياق ومكان واحد.
تناولت اللوحات شخصية بشار الأسد بطريقة ساخرة، من خلال التركيز على محطات ومواقف سياسية وتصريحات أدلى بها رئيس النظام السوري وعلِقَت في ذاكرة السوريين وأصبحت مادة للتندر والفكاهة.
في هذا المعرض شاهدنا بشار الأسد بين جبهتين ينتقل كمادة كاريكاتيرية تمر بأطوار مختلفة.. من الجلوس فوق ثنايا جبهة “الأسد الأب” طلباً للمساعدة، إلى الزيارة المعنوية لخنادق جبهة “الزبلطاني”أو كما أسماها الشبيحة (جوبر).
غير أن تركيز حاجو في معرضه لم يكن منصباً على هذا النوع من المواقف وحسب بل طالت سخريته خطاب النظام الممانع وشعاراته عبر رسومات تفكك هذا الخليط من الحقائق والأوهام. وحول ذلك يرى حاجو أن رغبة الناس ما زالت عارمة للتهكّم على هكذا عقلية ممانعاتية، مشيراً في تصريح لـ”المدن” إلى أن من المفيد تحليل هذا الخطاب مراراً وتكراراً لتعطيل آلية السيطرة على الجماهير والتي اعتمدها نظام الحكم في سوريا طويلاً.
وفي مواجهة الواقع الذي تفرضه الأنظمة الاستبدادية يميز حاجو بين أساليب كاريكاتيرية شائعة تعتمد المُحاكاة المُباشرة لما يحدث، أو ما يصطلح على تسميته بأسلوب المرآة، وبين طرق أخرى أكثر صعوبة وإمتاعاً تؤثر في الرأي العام، وهي ما يحبذه حاجو بشكل أكبر لأنها تحفر أكثر في وجدان الناس.
لكن ورغم تفضيله لطرق بذاتها فإن حاجو لا ينسى الحديث عن أثر الثورة السورية والأساليب الانتقادية البسيطة التي أفرزتها في تحفيز حس الابتكار لديه، فهبوب رياح التغيير في سوريا قبل نحو خمس سنوات جعله يلحظ تبلور تجربته وتحوله تدريجياً إلى فنان مُخضرم. ولعل معرضه في مكتبة صفحات كان مثالاُ حياً على ما بلغه خصوصاً فيما يتعلق بتقنيات العمل حيث اعتمد حاجو مسطرة واسعة من الأساليب في التنفيذ، بدءً من الطريقة الكلاسيكيّة في رسم الوجه الكاريكاتوري، بواسطة الأحبار الصينيّة بالريشة، أو بألوان الباستيل، مروراً برسومات منفّذة بالفحم، أو تخطيطات سريعة على الورق، بالإضافة لأخرى مشغولة على الكومبيوتر.
ورغم اعترافه بالقفزة التي أحدثتها الثورة السورية على صعيد فن الكاريكاتير فإن حاجو يجد أن لعصر الأسد الأب تأثيراته أيضاً ولو بطريقة مختلفة ففي ذلك المناخ البوليسي أتقن الرسامون أسلوب البلاغة والكناية. كما أن تلك الفترة على سيئاتها كانت مولدة للأفكار الساخرة القابلة للرسم.
ودون أن يكتفي بتقديم قراءة لتطور فن الكاريكاتور في سوريا يؤكد صاحب “رئيس بلا سبب قلة أدب” على دور السخرية ثمّ الضحك كأداتين من أدوات الدفاع ثمّ المواجهة مع الظرف الدموي الذي يعيشه السوريون، واضعاً التهكّم المتّسِم بالاستفزاز والعدوانيّة في ذروة الوسائل التي ينبغي أن تستخدمها الشعوب المقموعة أمام جلاد قد لا يوجعه شيء بقدر ما تفعل السخرية.
المدن